المخدرات تنخر المجتمع اليمني بلا حسيب أو رقيب

المخدرات تنخر المجتمع اليمني بلا حسيب أو رقيب

عدن- يشهد اليمن انتشارا غير مسبوق لعمليات تهريب وترويج المخدّرات بمختلف أنواعها، جرّ وراءه انتشارا واسعا لاستهلاكها بين شرائح واسعة من المجتمع لاسيما فئة الشباب بدءا من السنوات الأولى من مرحلة المراهقة.

وتتضافر ضمن أسباب الانفجار المهول الذي تعرفه الظاهرة الظروف الأمنية والاجتماعية التي تسببت بها الحرب الدائرة في البلد منذ ما يقارب العشرية من الزمن.

ورغم تفاوت حالات الاستقرار من منطقة يمنية إلى أخرى إلاّ أن هشاشة الأوضاع الأمنية وعدم قدرة الأجهزة على السيطرة على الأوضاع بالكامل وفرض القانون على الجميع تكاد تشكّل قاسما مشتركا بين مختلف المناطق اليمنية في ما عدا استثناءات قليلة.

كما أنّ انتشار الفقر وارتفاع معدّل البطالة، وخصوصا تفاقم ظاهرة الانقطاع المدرسي المبكّر ألقت بأعداد مهولة من اليمنيين جلّهم من الشباب في أوضاع بالغة الصعوبة وجعلت أعدادا منهم يلجأون إلى المخدرات كأيسر طريقة للتخلص من صعوبة الواقع وتناسيه ولو لبعض الوقت.

ويقول مصدر محلّي في مدينة عدن بجنوب البلاد إنّ العدد المهول للقضايا المتعلّقة بالمخدّرات تجاوز قدرات السلطات الأمنية وجعلها غير قادرة على تتبعها جميعا واضطرّها لإهمال المستهلكين وصغار التجار في محاولة لتركيز الجهود على المهرّبين وكبار التجار الذين اتّخذ نشاطهم سمة أكثر تنظيما واحترافية.

وذكر مصدر أمني طلب التحفظ على هويته لأسباب مهنية، أنّ الإشكالية الكبرى في اليمن تتمثّل في عدم القدرة على ضبط المنافذ والحدود الطويلة للبلاد وخصوصا منها المنافذ البحرية التي تتهاطل عبرها جميع أنواع المواد المخدّرة القادمة من عدّة وجهات.

وشرح أنّ إيران وسوريا ولبنان وبلدان أفريقية واقعة على الضفة المقابلة من البحر الأحمر تعدّ مصادر رئيسية للمخدّرات المهرّبة إلى الداخل اليمني، وذلك بحسب ما تبيّن من خلال اعتراض شحنات من المواد المخدّرة كانت بصدد التهريب إلى اليمن.

وأوضح المصدر أنّ تجارة المخدّرات في اليمن أصبحت رديفا لتجارة السلاح الرائجة بدورها نتيجة كثرة الأطراف المنخرطة في الصراعات المسلحة في البلاد وحاجتها المستمرّة للأسلحة والذخائر.

كما لفت إلى معاناة أغلب القوى الأمنية من قلّة الوسائل المادية والتقنية اللاّزمة لمحاربة تهريب وترويج المخدّرات، وهي وسائل بلغت درجات كبيرة من التطور في بلدان أخرى وذلك مسايرة للتطوّر الكبير في أساليب التهريب والترويج ووسائله.

وأشار إلى وجود مفارقة في اليمن تتمثّل أن بعض مهربي السلاح والمخدّرات في البلاد باتوا يمتلكون من الوسائل والإمكانيات البشرية والمادية ما يفوق الوسائل التي تمتلكها بعض الأجهزة الأمنية المكلّفة بملاحقتهم.

لكن الأخطر من كلّ ذلك، بحسب نفس المصدر، هو تمكّن بعض البارونات من اختراق أجهزة أمنية في بعض المناطق عبر استمالة أفراد فيها بالأموال والاستعانة بهم في عمليات التهريب.

وقال إن ظاهرة انتشار المخدّرات تجارة واستهلاكا في اليمن لا تقتصر على منطقة يمنية دون أخرى، رغم وجود تفاوت نسبي بين المناطق، معتبرا أن من أسباب عدم كفاية الجهد الأمني في مواجهتها انصراف قسم كبير من القوى الحاملة للسلاح في البلاد نحو الحرب في ما بينها من أجل السيطرة على المناطق أو استعادتها من أيدي الخصوم والمنافسين.

ورغم غياب معلومات دقيقة عن مدى انتشار ظاهرة تجارة المخدرات واستهلاكها في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي ومن بينها العاصمة صنعاء، قال المصدر الأمني إنّ هناك مؤشرات على انتشار واسع للظاهرة هناك، وذلك من خلال حجم ما يتمّ اعتراضه ومصادرته من كميات مهولة من المواد المخدّرة لدى محاولة مهربيها نقلها عبر خطوط التهريب المعروفة والممتدة من نقاط معيّنة في سواحل جنوب البلاد نحو صنعاء وباقي مناطق الشمال اليمني.

ومن جهته يؤكّد أحد المتخصصين في علاج الإدمان حدوث طفرة كبيرة في عدد المدمنين على استهلاك المخدرات في اليمن، وذلك قياسا فقط على عدد من يتمكنون من الحصول على علاج، وهو عدد قليل دون شك مقارنة بمن يسقطون في الإدمان ويُتركون لمصيرهم.

ويشير ذات المختصّ دخول تعقيد جديد نسبيا على ظاهرة انتشار المواد المخدّرة في اليمن، يتمثل في رواج تجارة الحبوب المخدّرة بما في ذلك الأنواع الخطرة منها وذات التأثير السريع على التوازن العقلي والنفسي لمستهلكيها.

ويؤكّد المصدر الأمني من جهته أنّ كميات كبيرة مما يتمّ اعتراضه وحجزه من مواد مخدّرة أثناء محاولات تهريبها أو ترويجها يتمثل في حبوب ومواد كيميائية مخدّرة مختلفة الأنواع ومتفاوتة الخطورة.

واعتاد اليمنيون على استهلاك مادة القات التي يقولون إنّ دورها يقتصر على تنشيط الجسد وتنبيهه مثل القهوة، رغم أنّ بلدانا كثيرة تصنفها كمادة مخدّرة.

وكثيرا ما طالبت جهات يمنية بمنع زراعة واستهلاك تلك المادّة التي من أضرارها استهلاك المياه والاستيلاء على مساحات زراعية يكون من الأجدر تخصيصها لإنتاج الأغذية، لكن تلك المطالبات خفتت اليوم بشكل كامل بفعل انتشار مواد مخدّرة أكثر خطورة وأشد ضررا على المجتمع نفسيا وأمنيا واقتصاديا.

ومن جهتهم يربط أخصائيون اجتماعيون تفاقم الجريمة في اليمن وتعدّد أشكالها بالأوضاع الأمنية السائدة في البلاد بالإضافة إلى انتشار استهلاك المخدّرات.

وتقول أخصائية اجتماعية يمنية إنّها رصدت انتشار أنواع من الجرائم كانت تعتبر نادرة الحدوث في اليمن، وتتميّز بفظاعتها وقسوة مرتكبيها مثل الإقدام على قتل أفراد من الأسرة أو الاعتداء عليهم جنسيا بما في ذلك الأطفال الصغار، فضلا عن جرأة بعض اللصوص والنشالين الذين لا يتردّد بعضهم في الإقدام على القتل بهدف الحصول على مبالغ مالية زهيدة أو أغراض بسيطة قابلة للبيع وتوفير ثمن المخدّر.

العرب