الضرورة الجيواستراتيجية تسرّع توسيع الاتحاد الأوروبي لعضوياته

الضرورة الجيواستراتيجية تسرّع توسيع الاتحاد الأوروبي لعضوياته

بروكسل – لم يكن أحد ليتصور في بداية العام الماضي أنه من الممكن أن تصبح أوكرانيا مرشحة بشكل جدي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، في ظل ما تعانيه البلاد من فساد على أعلى مستوى، وأوجه قصور تتعلق بسيادة القانون، ومعاملة الأقليات القومية في البلاد. لكن بعد مرور عشرين شهرا على بدء غزو روسيا لجارتها في شرق أوروبا، صارت أوكرانيا مكانا مختلقا وبدأ الاتحاد الأوروبي يفكر جديا في قبول عضويتها.

وقدمت المفوضية الأوروبية الأسبوع الماضي تقريرا طال انتظاره، يتناول التقدم الذي أحرزته الدول التي تتطلع إلى نيل عضوية الاتحاد الأوروبي.

وأكدت المفوضية أن أوكرانيا مستعدة للدخول في مفاوضات بشأن الانضمام إلى التكتل في ضوء الإصلاحات التي أجرتها، رغم استمرارها في التصدي للحرب الروسية. وبحسب التقرير، أنجزت أوكرانيا أربعة من سبعة إصلاحات ذات أولوية كان تم وضعها.

وتعطي الإيماءة الإيجابية من قبل الاتحاد الأوروبي دفعة حيوية لأوكرانيا في وقت عصيب، حيث أخفقت قواتها في تحقيق تقدم رئيسي في الحرب، وانصرف انتباه الغرب إلى الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط.

وأثنى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على هذه “الخطوة الصائبة” التي اتخذتها أوروبا، وقال “لا بد لبلادنا أن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي. يستحق الأوكرانيون ذلك، لدفاعهم عن القيم الأوروبية، ولأننا نلتزم بتعهدنا ونطور مؤسسات الدولة، حتى في خضم حرب شاملة”.

حرب أوكرانيا بعثت حياة جديدة في محاولات الاتحاد الأوروبي لضم أعضاء جدد، في إطار سعيه إلى إبقاء النفوذ الروسي والصيني بعيدا

وكانت أوكرانيا بدأت محاولة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مباشرة إثر غزو موسكو الشامل لأراضيها في فبراير 2022، وتم منحها رسميا صفة “مرشح” للعضوية في يونيو 2022.

ولا يزال يتعين على زعماء الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، التوقيع على توصية المفوضية ببدء مفاوضات العضوية مع كييف، وذلك في قمة أوروبية مقررة في ديسمبر المقبل.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إن أوكرانيا ومولدوفا تجب مطالبتهما بالعمل على إكمال المزيد من الإصلاحات قبل تحديد موعد رسمي لإطلاق المفاوضات. وأضافت أن المفوضية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، ستصدر في مارس 2024 تحديثا بشأن التقدم الذي تم إحرازه.

وحتى عندما تبدأ أوكرانيا المفاوضات، فإنها سوف تكون في بداية عملية مضنية من الإصلاحات، ربما تستغرق سنوات، إن لم تكن عقودا، قبل انضمامها إلى التكتل الأوروبي.

وبالإضافة إلى الحث على إحراز تقدم في ما يتعلق بأوكرانيا ومولدوفا، اقترحت المفوضية منح جورجيا صفة مرشح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

وكانت الدولتان السوفيتيتان سابقا، مولدوفا وجورجيا، تقدمتا بطلبي عضوية في نفس الوقت الذي تقدمت فيه أوكرانيا. كما بعثت حرب أوكرانيا حياة جديدة في محاولات الاتحاد الأوروبي المتعثرة لضم أعضاء جدد، في إطار سعي التكتل إلى إبقاء النفوذ الروسي والصيني بعيدا.

وللمرة الأولى، قدمت اللجنة تقريرا إلى كل من الدول العشر التي تطمح لنيل عضوية التكتل: تركيا وجورجيا والجبل الأسود (مونتنيجرو) وصربيا وكوسوفو وألبانيا ومقدونيا الشمالية، والبوسنة والهرسك، وأوكرانيا ومولدوفا.

الإيماءة الإيجابية من قبل الاتحاد الأوروبي تعطي دفعة حيوية لأوكرانيا في وقت عصيب، حيث أخفقت قواتها في تحقيق تقدم رئيسي في الحرب

ورأت وزيرة الخارجية السلوفينية تانيا فاجون أن التوسيع لا يصب في صالح الاتحاد الأوروبي والأعضاء الجدد فحسب، بل يمثل أيضا ضرورة جيوستراتيجية، وقالت “ستكون أوروبا أكثر استقرارا وأمنا وازدهارا عندما تكتمل عملية التوسيع”.

وفي ما يتعلق بتركيا، وصلت محادثات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، والتي كانت بدأت في 2005، إلى طريق مسدود. كما أن المفاوضات معلقة مع ألبانيا والجبل الأسود ومقدونيا الشمالية وصربيا.

ولم تتلق جمهورية البوسنة والهرسك موافقة خالصة، فهي لم تحصل على دعم واضح لبدء المحادثات بعدما نالت صفة مرشح للانضمام إلى التكتل الأوروبي في ديسمبر الماضي. وقد أوصت المفوضية الأوروبية ببدء المفاوضات “بمجرد تحقيق الدرجة اللازمة من الامتثال لمعايير العضوية”.

وبحسب تقرير التوسيع، أحرزت البوسنة تقدما في ما يتعلق بالمعايير السياسية، حيث تم على نحو سريع نسبيا تشكيل حكومة فعالة عقب الانتخابات التي أجريت في عام 2022. كما بدأت الجمهوية تنفيذ إصلاحات، بما في ذلك تعزيز مبدأ اليقين القانوني. ورغم ذلك، تعد الإجراءات التي اتخذتها السلطات في جمهورية صربسكا، والتي تقوض النظام الدستوري في البلاد، مسألة شائكة.

وقد قوبلت رسالة بروكسل بردود فعل متباينة في البوسنة والهرسك، حيث قالت بوريانا كريستو، رئيسة مجلس وزراء البوسنة والهرسك، إن البلاد لا تزال أمامها فرصة لإحراز تقدم سريع صوب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

بعد مرور عشرين شهرا على بدء غزو روسيا لجارتها في شرق أوروبا، صارت أوكرانيا مكانا مختلقا وبدأ الاتحاد الأوروبي يفكر جديا في قبول عضويتها

وقال زيليكو كومشيتش، رئيس المجلس الرئاسي في البلاد، “الآن، يعود الأمر كله لنا!”.

وأعرب رئيس جمهورية صربسكا ميلوراد دوديك عن خيبة أمله. وكتب “توقعنا توصية غير مشروطة، وضوءا أخضر لبدء المفاوضات.. للشروع في العمل الحقيقي لتنظيم المفاوضات وإجرائها”.

ودعا مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون التوسيع أوليفر فارهيلي مقدونيا الشمالية، الأربعاء الماضي، إلى تسريع وتيرة إجراء الإصلاحات المتعلقة بالاتحاد الأوروبي، بعد إطلاق مفاوضات الانضمام.

كما أعرب عن قلقه إزاء بعض التعديلات التي أدخلت على القانون الجنائي، والتي من شأنها التأثير على العديد من قضايا الفساد المهمة.

ورغم ذلك، لا تزال بلغاريا تصر على إدراج حقوق الأقلية البلغارية في دستور مقدونيا الشمالية، كشرط مسبق لتخلي صوفيا عن حق النقض (الفيتو) على بدء الاتحاد الأوروبي محادثات الانضمام مع سكوبي.

وأوضح فارهيلي أن صربيا أجرت بالفعل تعديلات دستورية من أجل استقلال القضاء، كما عدلت قوانين الإعلام، ضمن أمور أخرى. وأحرزت تقدما في إطار مواءمة سياستها الخارجية مع الاتحاد الأوروبي، ولكن عدم فرض بلغراد عقوبات على روسيا، يظل مدعاة للقلق.

ودعا المفوض بلغراد وبريشتينا إلى المزيد من الانخراط في حوارهما الذي يرمي إلى تطبيع العلاقات بين صربيا وكوسوفو، وحث الجانبين على تنفيذ ما اتفقا عليه بالفعل.

وقال الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش “كل ما تضمنه التقرير كان متوقعا. لا يتعين علينا توقع تغييرات ثورية. من المهم أن نسير على المسار الأوروبي، وأن نحافظ في الوقت نفسه على مصالحنا الوطنية”.

ويرتبط بالحديث عن الدفعة لانضمام أوكرانيا، وغيرها من الدول التي تطمح لنيل عضوية التكتل، نقاش أكثر جوهرية بكثير بشأن كيفية إدارة الاتحاد الأوروبي إذا ما وصل عدد دوله الأعضاء إلى 30، أو أكثر.

وتصر دول، مثل هولندا، على أنه لا يمكن أن تكون هناك سبل مختصرة على مسار نيل العضوية. وتتهم المجر، وهي أقرب حليف لروسيا داخل الاتحاد الأوروبي، كييف بفرض قيود على ذوي الأصول المجرية في أوكرانيا.

والسماح بانضمام دولة مزقتها الحرب، ويتجاوز تعداد سكانها 40 مليون نسمة، إلى الاتحاد الأوروبي أمر من شأنه أن يؤدي إلى تحول كبير وتكاليف باهظة للتكتل، وهو ما سيحول بعض المستفيدين تماما من أموال الاتحاد الأوروبي إلى دول مساهمة تماما.

وقال الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس، خلال اجتماع مع رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو، إن بوخارست، على سبيل المثال، تريد انضمام مولدوفا وأوكرانيا سريعا إلى الاتحاد الأوروبي، لكن هذا لا يعني “بين يوم وليلة”.

وأوضح يوهانيس “ندرك أن مفاوضات الانضمام تستمر سنوات، وندرك من تجربتنا الخاصة، ونرى جيدا أنها تستغرق زمنا طويلا بالفعل بالنسبة لبعض دول غرب البلقان. بشكل واضح، نريد أن تبدأ المفاوضات سريعا… لا يعني هذا الانضمام، بل مفاوضات واستعداد للانضمام”.
العرب