شراكات الطاقة التحويلية: أوروبا والخليج يرسمان مسارات جديدة بعد الصراع في أوكرانيا

شراكات الطاقة التحويلية: أوروبا والخليج يرسمان مسارات جديدة بعد الصراع في أوكرانيا

الباحثة شذى خليل*

في أعقاب الصراع في أوكرانيا، تجد أوروبا ومنطقة الخليج نفسيهما عند منعطف محوري، حيث تبحران في مشهد شكلته التحولات الجيوسياسية وتعيدان ضبط مساراتهما الدبلوماسية والاستراتيجية. لقد ترددت أصداء تداعيات الأزمة الأوكرانية في مختلف أنحاء العلاقات الدولية، الأمر الذي دفع إلى إعادة تقييم التحالفات، والاعتبارات الأمنية، والشراكات الاقتصادية.

تعتبر منطقة الخليج، ولا سيما دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، مصادر حيوية للطاقة، وخاصة النفط والغاز الطبيعي. وفي السياق نفسه، تعتبر أوروبا سوق استهلاك رئيس لهذه الموارد. إذ شكلت تجارة الطاقة دوراً حاسماً في تشكيل العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين الخليج وأوروبا.
أهمية العلاقة بين الخليج وأوروبا:
• الاعتماد على الطاقة: أوروبا تعتمد تقليدياً على منطقة الخليج لتلبية جزء كبير من احتياجاتها من الطاقة، مما يجعلها حساسة لتطورات المنطقة، بدءًا من التوترات الجيوسياسية إلى تقلبات أسعار النفط.
• جهود التنويع: توجهت دول أوروبية في السنوات الأخيرة نحو تنويع مصادر الطاقة لديها، مما أدى إلى زيادة الاستثمارات في الطاقة المتجددة واستكشاف مصادر بديلة.
• الاعتبارات الجيوسياسية: أهمية الخليج جيوسياسياً واستراتيجياً جعلتها نقطة محورية في السياسة العالمية، مع جهود أوروبية لضمان استقرار المنطقة وتأمين إمداداتها من الطاقة.
• تغير المناخ والاستدامة: التركيز العالمي على تغير المناخ دفع دول الخليج وأوروبا إلى إعادة تقييم استراتيجيات الطاقة بما يتناسب مع التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة.
تطورات بعد الصراع في أوكرانيا:
بعد الصراع الروسي على أوكرانيا، انتقلت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج إلى مستويات جديدة. وفي جلسة “تحول الطاقة” في منتدى الدوحة 2023، أكد المشاركون أن دول الاتحاد الأوروبي سعت إلى تأمين إمداداتها النفطية من خلال إقامة علاقات استراتيجية مع دول الخليج، تمتد إلى مجال الطاقة المتجددة.
تطورات وتحديات محددة:
• الهيدروجين الأخضر: بلدان الخليج تعمل على إنتاج الهيدروجين الأخضر باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، مما يسهم في تغيير ديناميات صناعة الطاقة والتجارة بين المنطقتين.
• الجهود التعاونية: خبراء اقتصاد الطاقة يشيرون إلى التوافق بين دول الخليج وأوروبا على مبادئ مهمة يجب أن تُدرج في وثيقة الشراكة الاستراتيجية، مع التركيز على الأمان الطاقي والحوار السياسي.
• التحديات المستقبلية: مشاريع التنويع الاقتصادي والطاقة المتجددة تشكل تحديات، بما في ذلك تحديد معايير موحدة للهيدروجين الأخضر وتأمين البنية التحتية اللازمة.

تعكس الديناميكيات المتطورة بين أوروبا والخليج تفاعلاً دقيقًا بين المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية. وتضطر المنطقتان إلى إعادة تقييم مواقفهما الجيوسياسية، وتعزيز مناخ التكيف والإبداع في التعاملات الدبلوماسية. توفر فترة إعادة المعايرة هذه فرصًا لتطوير مسارات جديدة، حيث تسعى الدول على كلا الجانبين إلى إعادة تحديد أدوارها، ومعالجة التحديات الإقليمية، وصياغة سبل جديدة للتعاون.وعلى خلفية حالة عدم اليقين العالمية، يكتسب الحوار العابر للقارات بين أوروبا والخليج أهمية متزايدة. وتؤكد المخاوف المشتركة، مثل أمن الطاقة، والاستقرار الإقليمي، والاعتماد الاقتصادي المتبادل، على أهمية النهج التعاوني. ويظهر استكشاف المبادرات الجديدة والأطر الدبلوماسية والتعاون الاستراتيجي كموضوع رئيسي في السعي إلى علاقات مستدامة ومتبادلة المنفعة.

وتدعو حقبة التحول هذه إلى دراسة أعمق للنظام الجيوسياسي الناشئ، حيث تقف أوروبا والخليج في طليعة صياغة السرد الجديد. وبينما تبحر المنطقتان في ظل العواقب المعقدة للصراع الأوكراني، فإنهما على استعداد للعب أدوار متكاملة في تعزيز الاستقرار الدولي، والمرونة الاقتصادية، والإبداع الدبلوماسي. ومما لا شك فيه أن الفصول القادمة في علاقتهما سوف تتميز بالقدرة على التكيف والمرونة والالتزام المشترك بتجاوز التحديات والفرص في المشهد العالمي المتطور.

 

وحدة الدراسات الاقتصادية /مكتب شمال امريكا

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية