نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا قالت فيه إن الرئيس الأمريكي جو بايدن متعاطف جدا مع الإسرائيليين، فيما يرى آخرون أن هذا التعاطف مفقود تجاه الفلسطينيين. وأشار التقرير الذي أعده جون هدسون وياسمين أبو طالب إلى أن البيت الأبيض يؤكد على دعوات بايدن لحماية المدنيين الفلسطينيين وهي التي يراها النقاد غير متوازنة.
ففي حفل جمع تبرعات في بوسطن الأسبوع الماضي، تحدث الرئيس وبعاطفية شديدة، حيث أعاد ذكر فظائع قامت بها حماس ضد الإسرائيليين في هجومها يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر. وقال “هناك تقارير عن اغتصاب نساء، اغتصبن أكثر من مرة- وتم تشويه أجسادهن وهن على قيد الحياة، هناك تقارير عن تدنيس النساء، حيث قام إرهابيو حماس بإلحاق أكبر قدر من المعاناة بالنساء والفتيات قبل قتلهن”.
وعلقت الصحيفة أن الرئيس عبر وبشكل دائم عن هذا التعاطف والحزن لمعاناة الإسرائيليين ومخاوف اليهود في العالم، في مرحلة ما بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر، مما أدى لامتنان من داعمي إسرائيل. لكن المسلمين والعرب الأمريكيين والناخبين الليبراليين المعادين للحرب يرون أن هذا المعتقد غائب دائما في حديثه عن معاناة الفلسطينيين في غزة، وحتى بعد مقتل أكثر من 17.000 بمن فيهم الآلاف من الأطفال.
ونقلت الصحيفة عن شبلي تلحمي، وهو باحث في شؤون الشرق الأوسط بجامعة ميريلاند: “الرئيس، بخلاف وصفه التفصيلي لهجوم حماس المروع على إسرائيل والضحايا الإسرائيليين.. نادرا ما تحدث عن الأطفال الفلسطينيين الممزقين إربا، أو مئات الآلاف من الأشخاص بدون ماء أو طعام”، مضيفا: “إنه يتحدث عن [الفلسطينيين] وكأنهم ضحايا زلزال أو كارثة طبيعية، دون ربطهم بأعمال الحكومة الإسرائيلية بدعم ومساندة منه”.
وقالت الصحيفة إن مسؤولي البيت الأبيض يعارضون ذلك بشدة، مشيرين إلى أن بايدن دعا تل أبيب مرارا وتكرارا إلى تجنب سقوط ضحايا من المدنيين. فعلى سبيل المثال، قال الرئيس للصحافيين في 25 تشرين الأول/أكتوبر: “على إسرائيل أن تفعل كل ما بوسعها، رغم صعوبة ذلك، لحماية المدنيين الأبرياء”. ويقولون أيضا إن دعوات بايدن المتكررة لزيادة المساعدات لغزة مدفوعة بالرغبة في تخفيف معاناة الفلسطينيين الأبرياء، لكن العديد من القادة المسلمين والعرب الأمريكيين يشعرون أن نبرة بايدن العاطفية وتعبيرات التعاطف تختلف بشكل صارخ عندما يتحدث عن الإسرائيليين والفلسطينيين، خاصة مع تدهور الوضع الإنساني في غزة، فقد نزح حوالي 80% من سكان غزة، ويفتقر عدد متزايد منهم إلى الضروريات الأساسية.
شعر البعض بالاستياء بشكل خاص من إنكار بايدن قبل عدة أسابيع لأرقام الضحايا الصادرة عن وزارة الصحة في غزة
كما شعر البعض بالاستياء بشكل خاص من إنكار الرئيس قبل عدة أسابيع لأرقام الضحايا الصادرة عن وزارة الصحة في غزة حيث قال “ليس لدي فكرة إن كان الفلسطينيون يقولون الحقيقة بشأن عدد الذين قتلوا”، رغم أن أرقام وزارة الصحة تتطابق بشكل وثيق مع الإحصاء الداخلي للحكومة الأمريكية، حسب مسؤولين أمريكيين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم. وعندما قدرت الوزارة الأرقام بـ 15.000 قدم المسؤولون أرقاما مقاربة لها. ورأى البعض أن الرئيس كان رافضا لحجم المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في غزة.
وفي اليوم التالي، اعتذر بايدن لمجموعة من القادة الأمريكيين المسلمين ووعد بالقيام بعمل أفضل، وفقا لأشخاص تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم.
وقال مسؤول بالبيت الأبيض إن تعليق بايدن نابع من حقيقة أن الحكومة الأمريكية ليس لديها أي شخص على الأرض في غزة للتحقق من الأرقام وحقيقة أن أرقام وزارة الصحة لا تميز بين المقاتلين وغير المقاتلين.
ولكن بالنسبة لبعض الأمريكيين العرب والمسلمين، فإن نبرة بايدن التي تبدو واقعية، محبطة بشكل خاص لأنها تأتي من شخصية معروفة بقدرتها على الارتباط بالمعاناة، إذ فقد الرئيس زوجته وابنته الرضيعة في حادث سيارة عام 1972، وتوفي ابنه بسرطان الدماغ في عام 2015، مما مكنه في كثير من الأحيان من التحدث عن الحزن بتعاطف حقيقي. لكن بايدن أظهر ترددا بتوجيه النقد المباشر لإسرائيل عندما يتحدث عن المعاناة والموت في غزة، خلافا لعدد كبير من مسؤولي إدارة بايدن الذين عبروا عن استعداد للحديث عن مسؤولية إسرائيل والحديث بشكل عاطفي عن المعاناة الفلسطينية، منذ عودة القصف الإسرائيلي على الجنوب وبنفس الشراسة التي تميزت بها عمليات الشمال وذلك بعد نهاية الهدنة القصيرة.
وقال لويد أوستن، وزير الدفاع “بصراحة، حجم معاناة المدنيين والصور والفيديوهات القادمة من غزة محطمة”، وقد أدلى بكلامه في منبر ريغان الوطني، وحذر إسرائيل أنه عندما يأتي الأمر للمدنيين فـ “إنها تدفعهم في أحضان العدو، وأنتم تستبدلون نصرا تكتيكيا بهزيمة استراتيجية”.
واستعاد أنطوني بلينكن، وزير الخارجية في زيارته الأخيرة لتل أبيب صور جثث الأطفال التي انتشلت من تحت الأنقاض “عندما أنظر في عيونهم عبر شاشة التلفاز أرى أطفالي”. وقال بلينكن إن هناك “فجوة” بين نية إسرائيل المعلنة لحماية المدنيين وما يجري بغزة فعلا. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض أندرو بيتس إن بايدن “يحزن على الأبرياء المدنيين الفلسطينيين الذين فقدوا أرواحهم في هذا النزاع مما يؤكد أن حياة كل مدني هي شيء كبير وأن كل حياة فقدت تثير الحزن”.
وقال بيتس إن بايدن ومساعديه “ضغطوا وبشكل مستمر على نظرائهم الإسرائيليين لعمل ما يستطيعون وتجنب الخسائر المدنية”، وهو ما أدى كما يقول المسؤولون الأمريكيون لتخفيف حجم هجومها البري وزيادة دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. لكنهم اعترفوا أن تحذيرات الولايات المتحدة لإسرائيل حول الضحايا في جنوب غزة لم يتم الاستماع إليها. ولا يبدو أن بايدن يدعم وضع شروط على الدعم المقدم لإسرائيل أو اتخاذ خطوات عقابية، قد تزيد الضغوط على الحليفة في الشرق الأوسط.
وقال البيت الأبيض إن بايدن في مقال نشره بصحيفة “واشنطن بوست” في 18 تشرين الثاني/نوفمبر أشار لمعاناة الفلسطينيين. ووصف الوضع بـ”المحزن” وقال “يبكي الأطفال الفلسطينيون الذين فقدوا آباءهم، ويكتب الآباء أسماء أطفالهم على أيديهم وأرجلهم حتى يتم التعرف عليهم لو حدث الأسوأ. ويقوم الممرضون والأطباء الفلسطينيون وبيأس بمحاولة إنقاذ الحياة الثمينة وقدر ما يستطيعون، وبمصادر قليلة أو بدون مصادر. وكل حياة فلسطينية فقدت هي مأساة تمزق حياة العائلات والمجتمعات”.
نقاد بايدن يرون أنه من النادر ما عبر عن تعاطفه مع الفلسطينيين في أحاديثه وتعليقاته العفوية
إلا أن نقاد بايدن يرون أنه من النادر ما عبر عن هذا الكلام في أحاديثه وتعليقاته العفوية. ولم يعبر كما عبر مساعدوه عن خسارة الكثير من الأرواح، مع أنه مقت ما يزعم أنه استخدام حماس المدنيين كدروع بشرية. وفي تصريحاته الأخيرة بشأن إطلاق سراح “الرهائن” الإسرائيليين، أشار بايدن إلى أن “مئات الشاحنات الإضافية تستعد لدخول غزة خلال الأيام المقبلة لدعم الفلسطينيين الأبرياء الذين يعانون بشدة بسبب هذه الحرب التي شنتها حماس. فحماس لا تكترث لأمرهم”.
ويقول مساعدو بايدن إنه مرتبط عاطفيا بإسرائيل ويؤمن بدورها كملاذ حيوي للشعب اليهودي، وهو شعور تطور على مدى عقود من عمله في الحياة العامة، بما في ذلك كرئيس للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ. وتحدث عدة مرات عن لقائه مع رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير في 1972، وبعد انتخابها بفترة قصيرة. ويقول مساعدوه إن هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر أثر على بايدن عميقا، وفي خطاب بعد ثلاثة أيام، كرر بايدن كلاما تعود على قوله “عندما تفقد عائلتك تشعر بحفرة سوداء في صدرك وتشعر أن شيئا ابتلعك- الغضب والألم والشعور بالعجز”.
وحظي بايدن في مواقفه المتعاطفة بدعم وثناء من القادة اليهود، حتى عندما كان الناشطون اليهود والليبراليون يشجبون الهجوم ويضغطون على بايدن من أجل وقف إطلاق النار.
وترى هالي سيفر، الرئيسة التنفيذية للمجلس الديمقراطي اليهودي في الولايات المتحدة، أن “دعم الرئيس بايدن لإسرائيل لم يبدأ في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر بل هو متجذر في خمسة عقود من الدعم العميق للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل والارتباط العاطفي والالتزام تجاه إسرائيل”. وبعد الهجمات أخبر بايدن قادة اليهود بأنه أخذ كل أحفاده إلى معسكر الاعتقال في داتشو لكي يعلمهم دروس الهولوكوست. و”تحدث بعاطفية وعبارات تأكيدية” وفهم تلك اللحظة ما يعنيه “لنا” كما تقول. لكن الهجمات الإسرائيلية أدت لضحايا مدنيين كثر، إلا أن تأكيد مساعدي بايدن بأن الهدف هو تدمير حماس لا يبرر الدمار الذي تسببت به الهجمات.
وقال بلينكن “كما أخبرت رئيس الوزراء أكثر من مرة، فالنوايا مهمة وكذا النتائج” مع أن بايدن يفرق بين ما قامت به حماس وما تقوم به إسرائيل. وفي تصريحات كامالا هاريس، نائبة الرئيس بمؤتمر المناخ في دبي، قالت “في الوقت الذي تدافع فيه إسرائيل عن نفسها، الطريقة تهم”. ومثل بايدن، فبلينكن مدافع متحمس عن إسرائيل وتشكلت أفكاره من خلال خدمته في الحكومة، ولكنه كان أمام عدد من المواقف المتباينة والمناشدات من الدول العربية ومن كتاب مذكرات في داخل إدارته.
وذكرت الصحيفة أن العديد من الناخبين الأمريكيين العرب والمسلمين يعتقدون أن الأذى والغضب الحاليين ينبعان جزئيًا من حقيقة أنهم دعموا بايدن في سنة 2020 على أمل أنهم كانوا ينتخبون شخصًا ملتزمًا بحقوق الإنسان يمكنه التعاطف مع الحزن العميق الذي يشعرون به الآن. وفقد بعض الأمريكيين الفلسطينيين العشرات أو أكثر من أفراد عائلاتهم في الغارات الجوية الإسرائيلية، ويقول العديد من الأمريكيين العرب والمسلمين الآن إنهم لن يدعموا الرئيس في انتخابات العام المقبل. ونقلت الصحيفة عن عمران صالحة، إمام المركز الإسلامي في ديترويت، أن العديد من المسلمين والعرب، بما في ذلك المسيحيون العرب والفلسطينيون، يشعرون بالخيانة. وأضاف صالحة أن كل الأشخاص الذين حرصوا على حشد الأصوات لبايدن، جميعهم يشعرون بالخذلان.
وقال أحد حلفاء بايدن ومسؤول سابق في الإدارة، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن مشاعر الرئيس تجاه إسرائيل طغت على تعاطفه مع الفلسطينيين، وهو تأكيد يعارضه البيت الأبيض بشدة. وأضاف المصدر ذاته: “فيما يشتهر بايدن بالتعاطف مع الكثير من الناس، ليس لديه نفس الشعور تجاه الفلسطينيين”.