رفض مشروع قانون الهجرة يزيد من مشاكل ماكرون

رفض مشروع قانون الهجرة يزيد من مشاكل ماكرون

تعكس انتكاسة حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في تمرير مشروع قانون جديد للهجرة، المساحة الضيقة التي يتحرك فيها لتنفيذ حزمة إصلاحات يعتبرها محورية قبل نهاية ولايته الثانية.

باريس – مثّل رفض مشروع قانون الهجرة الرئيسي الذي قدمته الحكومة في فرنسا ضربة قوية للرئيس إيمانويل ماكرون، ويمكن أن يمهد الطريق لأزمة سياسية جديدة في البلاد.

وجاء في تقرير نشره موقع ستراتفور أن أحزاب المعارضة الفرنسية نجحت يوم 11 ديسمبر الجاري في تمرير “مقترح الرفض” ضد مشروع قانون الهجرة الذي قدمته الحكومة. ومنع هذا مناقشة المشروع في الجمعية الوطنية.

ويهدف مشروع القانون الذي استغرق إعداده أكثر من سنة إلى تسهيل طرد بعض طالبي اللجوء والأجانب الذين ارتكبوا جرائم، مع إمكانية تنظيم المهاجرين غير الشرعيين الذين يعملون في القطاعات التي تواجه نقصا في العمالة، مثل البناء والسياحة.

مشروع القانون يهدف إلى تسهيل طرد اللاجئين، مع إمكانية تنظيم من يعملون في قطاعات تواجه نقصا في العمالة

وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان يأمل في حشد دعم حزب الجمهوريين المحافظ، إلا أن الكثير من مشرعيه أيدوا اقتراح الرفض بعد أن قرر المشرعون من ائتلاف ماكرون إلغاء العديد من التعديلات التي أضافوها في مجلس الشيوخ.

وقدم دارمانان استقالته إلى ماكرون بعد التصويت، لكنه رفضها. وأعلنت الحكومة عن انعقاد لجنة برلمانية مختلطة مكلّفة بالتوصل إلى حل وسط بشأن مشروع القانون.

وأسفرت الانتخابات التشريعية الفرنسية في يونيو 2022 عن تشكّل جمعية وطنية مجزأة لا يمتلك فيها أي حزب أو ائتلاف الأغلبية المطلقة. وحصل ائتلاف ماكرون الحاكم على 245 مقعدا، مما يضعه تحت عتبة 289 مقعدا اللازمة للحصول على الأغلبية في المجلس التشريعي المؤلف من 577 مقعدا.

وسجّل ائتلاف الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد اليساري ثاني أكبر حضور في البرلمان بحصوله على 131 مقعدا، ويتبعه حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بـ89 مقعدا، وحزب اليسار المحافظ بـ64 مقعدا. وتوزّعت المقاعد الـ48 المتبقية على أحزاب أصغر.

وأيّد 270 مشرعا من الأحزاب اليسارية والمحافظة واليمين المتطرف اقتراح رفض مشروع قانون الهجرة الذي قدمته الحكومة في 11 ديسمبر، بينما عارضه 265 مشرعا.

وطُرح مشروع قانون الهجرة الحكومي لأول مرة في مجلس الشيوخ الفرنسي، الذي تهيمن عليه قوى يمين الوسط والقوى السياسية المحافظة المرتبطة بحزب الليبراليين. وفي 14 نوفمبر الماضي صوّت مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه حزب الليبراليين الجمهوريين لصالح نسخة معدلة من مشروع القانون الذي تضمن عدة تعديلات تقيد قواعد الهجرة بشكل أكبر، بما في ذلك القيود المفروضة على لمّ شمل الأسر والجنسيات المكتسبة بالولادة. لكن المشرعين من يسار الوسط من ائتلاف ماكرون أزالوا التعديلات عند مناقشة مشروع القانون في اللجنة البرلمانية، مما دفع أغلبية المشرعين من حزب اليسار إلى دعم اقتراح الرفض في 11 ديسمبر.

ويعتبر مشروع قانون الهجرة محاولة سعت من خلالها الحكومة الفرنسية لاستعادة زمام المبادرة السياسية وتأمين علاقات عمل أفضل مع المحافظين بعد إقرار إصلاح نظام التقاعد المثير للجدل خلال السنة الحالية.

وأقرت الحكومة الفرنسية إصلاحا مثيرا للجدل للمعاشات التقاعدية في مارس الماضي دون إجراء تصويت في الجمعية الوطنية، مما كاد يطيح برئيسة الوزراء إليزابيث بورن في تصويت على حجب الثقة، وأشعل أسابيع من الاحتجاجات العنيفة ضد الحكومة. ثم أصدر ماكرون تعليماته للوزراء بالعمل على التشريع الذي من شأنه أن يجمع الأغلبية البرلمانية في الجمعية الوطنية.

وسعى وزير الداخلية جيرالد دارمانان للتوصل إلى حل وسط مع المحافظين في محادثات استمرت أشهرا حول مشروع قانون الهجرة. وصدر قرار الحكومة الذي يقضي بالعمل على مشروع القانون وسط مخاوف متزايدة بشأن قضايا الهجرة والقانون والنظام إثر أعمال الشغب التي شهدتها فرنسا في صيف 2023، وكانت محاولة سعت الحكومة من خلالها لاستعادة المبادرة السياسية.

وكان دارمانان يأمل في أن يؤدي الدعم العام لمقترحات مشروع القانون إلى الضغط على المحافظين لدعم التشريع في النهاية، بما كان سيمهد الطريق لعلاقات عمل أفضل بينهم وبين الحكومة. ولكنه لم يتمكّن من تجاوز المأزق البرلماني المتكرر، وأصبح هذا من دلالات التحديات المستمرة التي تواجهها الحكومة في تمرير أي تشريع مثير للجدل. كما أن دعم ائتلاف من المشرعين اليساريين والمحافظين واليمين المتطرف اقتراح الرفض يثير احتمالات تجدد عدم الاستقرار السياسي في البلاد.

وتسبب هجوم عصابة على قرية كريبول بجنوب شرق فرنسا في مقتل مراهق يبلغ من العمر 16 عاما وإصابة 16 شخصا يوم 19 نوفمبر الماضي. وسلط هذا الضوء على المخاوف المتزايدة بشأن القانون والنظام بين فئات كبيرة من الجمهور الفرنسي. ودفع الحادث مجموعة مكونة من حوالي 100 فرد من المسلحين اليمينيين المتطرفين إلى مهاجمة حي الإسكان الاجتماعي في بلدة رومان سور إيزير المجاورة في 25 نوفمبر، حيث تصادموا مع السكان المحليين.

وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة إيلاب في 7 و8 نوفمبر الماضي أن 63 في المئة من أفراد الشعب الفرنسي يرون أن هناك “عددا كبيرا جدا من الأجانب” في فرنسا. وأظهر الاستطلاع أيضا أن التأييد الشعبي للإجراءات الواردة في مشروع قانون الهجرة الحكومي تراوح بين 68 و90 في المئة.

ويشير استطلاع أجرته أوبينيون وايفي في 15 و16 نوفمبر إلى احتمال فوز حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بأكبر عدد من المقاعد الفرنسية في الانتخابات الأوروبية المقبلة خلال يونيو 2024. وأظهر الاستطلاع حصول الحزب الوطني على 28 في المئة من الأصوات في فرنسا، واحتلال حزب ماكرون المركز الثاني بـ19 في المئة فقط من الأصوات.

وبينما يعدّ التوصل إلى حل وسط لإنقاذ مشروع قانون الهجرة ممكنا، إلا أن هذه الانتكاسة تسلط الضوء على الصعوبات التي تواجهها الحكومة لتمرير التشريعات وتبرز المساحة الضيقة التي يتحرك فيها ماكرون لتمرير إصلاحات محورية قبل نهاية ولايته الثانية في 2027.

وستطلب اللجنة من الحكومة الموافقة على العديد من مطالب حزب المحافظين الذي ينادي بقواعد أكثر صرامة للهجرة، نظرا إلى سيطرة حزبهم على مجلس الشيوخ. لكن هذه التنازلات ستكون مثيرة للجدل بين المشرعين من يسار الوسط المنتمين إلى ائتلاف ماكرون، حيث حذروا من أنهم لن يصوتوا لصالح مشروع قانون الهجرة إذا مال إلى اليمين.

وقد يحاول المشرعون من يسار الوسط تغيير النسخة الأخيرة من مشروع القانون عندما يعودون إلى الجمعية الوطنية، وهو ما من شأنه أن يثير غضب المحافظين. ولكن إذا عارض حزبهم الحكومة مرة أخرى، فقد تضطر رئيسة الوزراء إليزابيث بورن إلى تمرير مشروع قانون الهجرة دون إجراء تصويت في الجمعية الوطنية من خلال استخدام نفس الالتفاف الدستوري المستخدم لتأمين إصلاح ماكرون المثير للجدل للمعاشات التقاعدية.

لكن هذا قد يعرضها لتصويت على حجب الثقة في البرلمان مرة أخرى، وهو ما قد لا تتمكن من النجاة منه. وقد تقرر الحكومة بدلا من ذلك سحب مشروع قانون الهجرة بالكامل لتجنب إثارة أزمة سياسية جديدة إذا لم تتمكن من تأمين دعم المحافظين.

ومن شأن هذا السيناريو أن يمهد الطريق لأجندة سياسية أقل طموحا حيث تعمل حكومة ماكرون على مشاريع قوانين أضيق تلبي احتياجات الأحزاب اليسارية واليمينية، بما يؤدي إلى تأخير وتيرة الإصلاحات.

وقد يغري الإحباط الناتج عن الجمود السياسي وبطء التقدم السياسي ماكرون بالدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة في 2024. ولكن هذه المقامرة ستكون عالية المخاطر وقد تؤدي إلى نتائج عكسية وتخلق جمعية وطنية أكثر انقساما.

لذلك من المرجح أن يتواصل العمل في الحكومة حسب التشكيلة البرلمانية الحالية. ولكن هذا يعني تأجيل الإصلاحات الاقتصادية الملحة أو تخفيفها بشدة طوال فترة رئاسة ماكرون المتبقية.

العرب