كان اتضاح الأعداد الهائلة من مزدوجي الجنسية في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي بين الحقائق الكثيرة التي كشفت عنها عملية «طوفان الأقصى»، ليس على صعيد انخراط هؤلاء في السياسات الاستيطانية والعنصرية والقمعية التي اعتادت ممارستها سائر السلطات الإسرائيلية فقط، بل كذلك على مستويات شتى من ارتكاب جرائم الحرب وانتهاك القانون الدولي، فضلاً عن تجييش الرأي العام في البلدان الأصلية.
وإذا لم يكن من جديد في فتح الجيش الإسرائيلي أمام يهود العالم ضمن أنماط مختلفة من التجنيد والتطويع والاحتياط، طبقاً لما تقرّه دولة الاحتلال في إطار «حق العودة»، الذي تنكره في المقابل على أبناء الشعب الفلسطيني، فإن أنساق التوحش القصوى التي ينتهجها الاحتلال في حرب الإبادة الراهنة ضدّ المدنيين في قطاع غزة أعادت وضع مزدوجي الجنسية ضمن صفوف الجيش الإسرائيلي في معادلة جديدة، أو فرضت سلسلة من العناصر الطارئة على المسلمات القديمة.
وقبل أيام أعلن توماس بورتس، النائب في الجمعية الوطنية الفرنسية، أن 4185 جندياً من حملة الجنسية الفرنسية يقاتلون اليوم في صفوف الجيش الإسرائيلي ضد قطاع غزة، وتأتي مجموعتهم في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة من حيث ازدواج الجنسية داخل جيش الاحتلال. وهذه حال تعني أولاً أن ما يرتكبه هؤلاء من فظائع وجرائم حرب ضد أطفال ونساء وشيوخ قطاع غزة، يشكل وصمة عار تلحق بفرنسا البلد والشعب، وليس بدولة الاحتلال وحدها. ذلك دفع بورتس إلى مطالبة وزير العدل الفرنسي بأن يتولى القضاء في فرنسا مساءلة الفرنسيين أو مزدوجي الجنسية المقاتلين مع الاحتلال، خاصة وأن معظم منظمات الأمم المتحدة تحذر من الإبادة الجماعية في القطاع، ومشاركة مواطنين يحملون الجنسية في الفظائع المختلفة إنما «يهين فرنسا» حسب تعبيره.
في منطقة أخرى من العالم، أعربت وزارة الخارجية في جنوب أفريقيا عن «قلق بالغ» إزاء التقارير التي أشارت إلى وجود مواطنين جنوب أفريقيين مزدوجي الجنسية منخرطين في الجيش الإسرائيلي ويقاتلون في قطاع غزة. وأكدت الوزارة أن هذا الوضع يمكن أن يساهم «في انتهاك القانون الدولي وارتكاب المزيد من الجرائم الدولية»، ويجعل أولئك «عرضة للمقاضاة في بلدهم الأم جنوب أفريقيا».
هذا عدا عن الفارق الكبير إزاء المواقف من حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة، بين الرئيس الفرنسي الذي هرع إلى دولة الاحتلال لمساندة العدوان وأوعز إلى أجهزة الدولة الفرنسية بحظر تظاهرات التأييد للشعب الفلسطيني، وبين الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا الذي سارع إلى التنديد بالحرب الإسرائيلية ضد القطاع ولم يتردد في وصفها بـ»الإبادة الجماعية» وتقدمت حكومة بلاده بطلب إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم الحرب التي ترتكبها دولة الاحتلال.
ومن نافل القول إن ظاهرة مزدوجي الجنسية في الجيش الإسرائيلي لم تتكشف أبعادها الحساسة المؤذية للأوطان الأم إلا بعد افتضاح جرائم الحرب الإسرائيلية وما فرضته من تحولات في الرأي العام العالمي، بحيث أن صيغة التجنيد القديمة القائمة على المزج بين الارتزاق ومزاعم الانتماء لم تعد كافية لتوفير ورقة التوت وتغطية وصمة العار.