الحرب بين “حماس” وإسرائيل: هل هي نهاية البداية أم بداية النهاية؟

الحرب بين “حماس” وإسرائيل: هل هي نهاية البداية أم بداية النهاية؟

خبراء يناقشون الوضع العسكري والسياسي في ما يبدو أنه لحظة حاسمة في الحرب، مقدمين رؤى حول حسابات إسرائيل، تأثير الضغط الأجنبي المتزايد، والحاجة إلى مزيد من العمل الدولي لمعالجة الهجمات من شركاء إيران الإقليميين الآخرين.

“في 14 كانون الأول/ديسمبر، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع العميد (احتياط في الجيش الإسرائيلي) أساف أوريون، وحنين غدار، وماثيو ليفيت، وبإدارة روبرت ساتلوف. وأوريون هو “زميل ريؤفين الدولي” في معهد واشنطن والرئيس السابق لـ “القسم الاستراتيجي في مديرية التخطيط” التابعة لـ “هيئة الأركان العامة لجيش الدفاع الإسرائيلي”. وغدار هي “زميلة فريدمان الأقدم” في المعهد وشاركت في إنشاء خريطته التفاعلية لتتبع الاشتباكات على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية. وليفيت هو “زميل فرومر ويكسلر” ومدير “برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب” في المعهد. وساتلوف هو “المدير التنفيذي في زمالة سيغال” و “رئيس كرسي «هوارد بي بيركوفيتش»لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط” في المعهد. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم”.

أساف أوريون

بعد مرور شهرين على اندلاع الحرب، تتقدم إسرائيل نوعاً ما نحو تحقيق أهدافها المتمثلة في تقويض قدرات “حماس”  العسكرية وتحرير الرهائن. ومع ذلك، ستحتاج إلى أشهرٍ كثيرة إضافية لتحقيق هدفها الطويل الأمد المتمثل في القضاء على قدرة “حماس” على السيطرة على غزة وتهديد إسرائيل.

وركزت المراحل السابقة من الحرب على تأمين الحدود الجنوبية لإسرائيل واجتثاث قيادة “حماس” وسيطرتها في المناطق الحضرية شمال غزة – وهي ساحة المعركة التي اختارتها “حماس” عمداً لكي تتمكن من استخدام الكثافة السكانية كغطاء. وفي أعقاب الهدنة الإنسانية وإطلاق سراح 113 رهينة، انتقلت إسرائيل إلى مرحلتها الحالية الأكثر كثافة، فقامت بتوسيع عملياتها في جنوب غزة من أجل إضعاف القدرات العسكرية لـ “حماس” واستهداف قيادتها.

ويقدّر الجيش الإسرائيلي أن أكثر من 7000 من مقاتلي “حماس” قُتلوا حتى الآن، ومن بينهم عدد من القادة. أما معظم وحدات “حماس” التي اشتبكت مباشرةً مع الجيش الإسرائيلي فلم تعد قادرة على العمل كوحدات متماسكة.

وخلال الأسابيع القليلة المقبلة تتوقع إسرائيل مواصلة المرحلة المكثفة الحالية في الجنوب، بالتوازي مع تجدد الجهود الدبلوماسية والعسكرية لإنقاذ الرهائن المتبقين والذين يبلغ عددهم أكثر من 130 رهينة. ومع ذلك، فإن نهاية هذه المرحلة لن تشير بالضرورة إلى نهاية الحرب. فالقضاء على قدرة “حماس” على تهديد إسرائيل هو هدف طموح من المرجح أن يتطلب أشهراً إضافية من العمليات الأقل كثافة والأصغر نطاقاً.

ويحمل الجدول الزمني الأطول للحرب أيضاً تداعيات على السياسة الداخلية الإسرائيلية. فقد أدت أجواء الوحدة الوطنية بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر إلى صرف انتباه الجمهور إلى حد كبير عن الخلافات مثل الاحتجاجات الجماهيرية حول الإصلاح القضائي، مما سمح للحكومة بتأجيل التوترات الداخلية خلال الحرب. وكلما طال أمد الصراع في غزة، كلما زاد الوقت المتاح للحكومة لتجنب هذه الأسئلة السياسية الصعبة.

وهناك تعقيد آخر يتمثل في التفاوت بين الهدف الشامل للحرب والتوقعات العامة لنطاقها ومدتها – ليس فقط على المستوى الدولي، بل داخل إسرائيل أيضاً. وهذه التوقعات مشروطة بالتجارب السابقة في الحروب الإسرائيلية الأقصر أمداً. ومع ذلك، يختلف الصراع الحالي جذرياً في أهدافه وسياقه المحلي، لذا ينبغي على المراقبين داخل إسرائيل وخارجها أن يقارنوه بالحملات الأطول أمداً عند تقييم سير (هذا الصراع).

ويجب أيضاً فهم الحرب في سياقها الإقليمي المتعدد الجبهات. ففي شمال إسرائيل، يهاجم “حزب الله” الحدود الإسرائيلية عدة مراتٍ في اليوم. وفي جنوب البلاد، أطلق الحوثيون في اليمن الكثير من الصواريخ الباليستية وصواريخ “كروز” في اتجاه إسرائيل وهاجموا ممرات الشحنفي البحر الأحمر. وتترتب عن هذه العمليات تداعيات دولية، وبالتالي تتطلب حلولاً واسعة النطاق ومتعددة الأطراف. ولا يعود الأمر إلىإسرائيل وحدها للقضاء على تهديد وكلاء إيران في المنطقة.

ماثيو ليفيت

أثبت هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر لإسرائيل أن الردع وحده لا يمكن أن يضمن أمنها. فقد فشلت استراتيجية “إدارة الصراع” في احتواء “حماس”، وقرر الإسرائيليون أن عصر قبول التعرض لتهديد دائم قد انتهى. وتمتد تبعات هذا التحوّل في عقيدة الأمن القومي الإسرائيلي إلى الحدود الشمالية أيضاً، الأمر الذي يقلل من مستوى تسامح إسرائيل مع التهديد الذي يفرضه الوجود العسكري لـ”حزب الله”.

وعلى المدى القريب، فإن الحكومة الإسرائيلية عازمة على التخلص من أي من مقاتلي “حزب الله” وأسلحته من المنطقة الممتدة على بُعد ثمانية إلى عشرة كيلومترات من “الخط الأزرق”. ويهدف ذلك إلى تمكين المدنيين الإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم من شمال البلاد من العودة إلى ديارهم بأمان، دون أن يواجهوا خطر التعرض للهجوم أو الاختطاف من قِبل “قوة الرضوان” التابعة لـ”حزب الله”، أو الاستهداف بصواريخ “كورنيت” الموجهة المضادة للدبابات. وعلى المدى الطويل – في غضون عام إلى خمسة أعوام مقبلة – يخشى المسؤولون الإسرائيليون أنهم قد يضطرون إلى إطلاق حملة لتحييد التهديد الذي تشكله صواريخ “حزب الله” الموجهة بدقة، والقادرة على ضرب أهداف في جميع أنحاء إسرائيل.

وبالنسبة لـ “حماس”، يبدو أن قرار الهجوم استند إلى عدة حسابات خاطئة مكلّفة. أولاً، لم تتوقع الحركة درجة عالية من المشاركة والدعم الأمريكي، والتي شملت نشر مجموعتين من حاملات الطائرات في المنطقة؛ بل على العكس من ذلك، توقعت الحركة أن تكبح واشنطن الرد الإسرائيلي. ثانياً، افترضت “حماس” خطأً أن إيران ووكلائها في المنطقة سوف يتدخلون عسكرياً، لمنع إسرائيل من القيام بغزو بري. ثالثاً، كانت الحركة تأمل في أن ينتفض الفلسطينيون في الضفة الغربية والعرب الإسرائيليون، وهو الأمر الذي لم يتحقق إلى حد كبير. وقد بدأت هذه الحسابات الخاطئة في تعزيز الخلاف بين قادة “حماس” في الوقت الذي يفكرون فيه في الخطوات التالية.

وفي إسرائيل، تختلف التصورات الحالية بشأن الحرب بشكل حاد عن وجهات النظر الدولية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن السكان ما زالوا يتعاملون مع الصدمة الوطنية التي خلّفتها أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر. فمن وجهة نظرهم، فُرضت هذه الحرب على إسرائيل بسبب وحشية الهجوم الذي حطم مفهوم الردع لديها، ولم يترك لها أي خيار سوى تفكيك مشروع حكم “حماس” في غزة. ويشعر الإسرائيليون بالانزعاج إزاء معاناة الفلسطينيين غير المقاتلين، لكنهم يشعرون بالإحباط أيضاً لأن المجتمع الدولي ينتقدهم بشدة ويفرض عليهم ساعة موقوتة. ويتخذ الجيش الإسرائيلي خطوات لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين، وقد أدت هذه الخطوات بالضرورة إلى إبطاء عملياته العسكرية.

وفي النهاية، يركز الإسرائيليون على تحرير الرهائن وهزيمة “حماس” أكثر من تركيزهم على كسب القلوب والعقول في الخارج، في حين أن الجيش الإسرائيلي عازم على استعادة الشعور بالأمن بين عامة الناس وإعادة المدنيين الذين تم إجلاؤهم إلى ديارهم. ومع ذلك، ونظراً لأن العديد من المسؤولين ما زالوا منشغلين بالعمليات اليومية للحرب، فلم تقرر القيادة السياسية بَعْدْ مجرى الأمور في غزة ما بعد “حماس”. وبهذا المعنى، هناك قطع اتصال واضح عن القيادة العسكرية، إذ أن السياسات تمنع المسؤولين من تقديم رؤية واضحة لمستقبل القطاع.

حنين غدار

قد تترتب عن التصعيد الأخير الذي حدث على الحدود الإسرائيلية اللبنانية ثلاث نتائج محتملة هي: نشوب صراع عسكري محلي بين إسرائيل و”حزب الله”، أو نشوب صراع عسكري إقليمي مع شبكة التهديد الإيرانية الأوسع نطاقاً، أو التوصل إلى حل دبلوماسي يحول دون الحاجة إلى رد عسكري. ويتوقف الخيار الأخير على إعادة العمل بقرار “مجلس الأمن الدولي رقم 1701″، وخاصة البنود التي تدعو “حزب الله” إلى سحب أي وجود له جنوب نهر الليطاني.

ورغم أن “القرار رقم 1701” يبدو جيداً على الورق، إلا أنه لم ينجح على أرض الواقع لأنه تمت صياغته كترتيب لمراقبة الحدود وتخفيف المخاطر. بعبارة أخرى، هو يتجاهل تماماً العمليات الإشكالية الأخرى لـ “حزب الله”، ناهيك عن دور إيران المزعزع للاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ويعمل “حزب الله” بشكل أساسي كوحدة تابعة “للحرس الثوري الإسلامي” الإيراني – فكلما احتاج الحزب إلى اتخاذ قرارات أمنية مهمة، تكون طهران صاحبة القرار. ومن ثم، فإن أي حل دبلوماسي يتجاهل النفوذ الإيراني المهيمن سوف يفشل حتماً في التأثير على عمليات “حزب الله”.

ويعاني “القرار رقم 1701” أيضاً من مشاكل تنفيذ أساسية. فليست هناك هيئة قادرة على فرض شروطه – إذ فشلت “قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان” (“اليونيفيل”) في منع “حزب الله” من التسلل إلى الجنوب، في حين لم يتمكن “الجيش اللبناني” من السيطرة على عمليات الحزب. وحتى لو وافق “حزب الله” على احترام شروط الاتفاق المستند إلى “القرار 1701″، إلّا أن لديه تاريخاً طويلاً في مطالبة الجماعات المسلحة الأخرى بتنفيذ استفزازات على الحدود، مما يوفر له إمكانية الإنكار المعقول.

وعلى الرغم من وابل التهديدات العلنية الأخيرة، إلّا أن “حزب الله” لا يريد أن تنشب حرب واسعة النطاق مع إسرائيل في الوقت الحالي. وتوضح تصريحات الأمين العام حسن نصر الله أن الحزب يعتزم وقف هجماته عبر الحدود حالما توقف إسرائيل عملياتها العسكرية المكثفة داخل غزة.

وعلى المدى الأطول، ستؤثّر نتيجة الحرب مع “حماس” على العمليات المستقبلية لـ “حزب الله”. فإذا تمكنت “حماس” من الاحتفاظ ولو ببعض قدراتها في غزة وإعلانها “النصر” بشكلٍ مقنعٍ، فقد يستنتج نصر الله أن مهاجمة إسرائيل تستحق التكاليف. ولكن حتى في ظل هذا السيناريو، من غير المرجح أن يشن “حزب الله” هجوماً واسع النطاق في أي وقتٍ قريب. وعلى الأرجح سيستخدم الدبلوماسية لكسب الوقت وإعادة بناء القدرات التي فقدها خلال الصراع الحدودي الحالي. ويدرك قادة الحزب أن إسرائيل عازمة على تغيير الوضع الراهن القائم منذ عام 2006، لذا فمن المرجح أن يعطي الأولوية لتعزيز قواته لحرب مستقبلية.

روبرت ساتلوف

ركزت التغطية الإعلامية الأخيرة للأزمة على تصريحات الرئيس بايدن التي انتقد فيها الحكومة الإسرائيلية، بينما تكهنت التغطية الإعلامية بالتداعيات التي قد تترتب على ذلك على العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ومع ذلك، لا تعكس العناوين الرئيسية التي تدّعي حدوث صدع كبير مجمل تصريحات بايدن، والتي تُعبّر بوضوح عن دعمه العميق والدائم لما يعتبره حرب إسرائيل العادلة ضد “حماس”.

وركز انتقاد الرئيس الأمريكي على تركيبة حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وخاصة الوزراء المتطرفين الذين ليسوا أعضاء في حكومة الحرب. بالإضافة إلى ذلك، جاءت تصريحاته رداً على خلاف نتنياهو العلني السابق معه حول جوانب التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب. وفي النهاية، من مصلحة كلا الزعيمين إبقاء هذه الخلافات بعيدة عن أعين الجمهور من أجل تقديم تحالف موحّد في زمن الحرب، وخاصة وسط الضغوط العالمية المتزايدة لفرض وقف لإطلاق النار. وترفض كل من إسرائيل والولايات المتحدة هذا الخيار لأن من شأنه أن يمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها الحربية ويسمح لـ “حماس” بإبقاء سيطرتها على غزة، وبالتالي يقوّض إمكانية أي دبلوماسية للسلام ذات معنى في مرحلة ما بعد الحرب.