وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يطلب نوعاً من المستحيل لوقف النار ونهاية حرب غزة، “استسلام حماس”.
وأنصار “الواقعية” في العالم العربي يتصورون أن وقف التراجيديا التي يعانيها المدنيون في غزة يمكن تحقيقه عبر تسليم حركة “حماس” الحكم في القطاع إلى السلطة الفلسطينية في رام الله وتطبيق الاتفاقات حول المصالحة والمشاركة في السلطة ومنظمة التحرير مع كل الفصائل، وهو أمر لم يحدث بالتفاوض، ومن الصعب أن يحدث تحت القصف الإسرائيلي الهمجي والتدميري.
حكومة نتنياهو المتطرفة جداً مصرة على أن تكون السيطرة الأمنية على القطاع لها وحدها وإقامة حكومة مدنية تحت عنوان السلطة الفلسطينية، والسلطة تريد تسوية شاملة للضفة والقطاع في إطار “حل الدولتين”.
ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان الذي يحذر يومياً من “انفجار كبير” وينفي علاقة بلاده بما تقوم به الميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، يعلن في مؤتمر الدوحة أن “الشيء الوحيد الذي يجمع بين إيران وإسرائيل هو أنهما لا تؤمنان بحل الدولتين”، والرئيس جو بايدن قال منذ عملية “طوفان الأقصى” وحرب غزة إنه لا مجال للعودة للـ”ستاتيكو” الذي كان قبل العملية والحرب، وكل الدول في الشرق وبعض الغرب التي تريد وقف النار وترى صعوبة في العودة للـ”ستاتيكو” ليست متفقة على صورة ما بعد الـ”ستاتيكو” والحرب.
مواقف مختلفة ومتناقضة لا تقود إلى حل عملي، ومعظمها مبني على افتراض “هزيمة حماس”. لكن “حماس” تقاتل بشجاعة وكفاءة وتتصرف على أساس أنها باقية في غزة وأن إسرائيل ستنسحب وتجر ذيول الهزيمة، وهي منذ “الانقلاب العسكري” على السلطة عام 2007 عملت ولا تزال على أساس أنها البديل عن السلطة و”فتح”، لا الشريك المفترض.
بديل له برنامج مختلف وأيديولوجيا مختلفة قائمان على اعتبار أن فلسطين “وقف إسلامي” لا يجوز التنازل عن حبة تراب فيه، والتمسك بالحق التاريخي للشعب الفلسطيني، لذا “التحرير من البحر إلى النهر”. حتى عندما تميل إلى المرونة وتقبل موقتاً بدولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، فإنها تشترط عدم الاعتراف بإسرائيل التي ترفض حتى قيام دولة فلسطينية تعترف بها، بعدما اعترفت بها منظمة التحرير في “اتفاق أوسلو”.
والضفة أخطر بكثير على إسرائيل من غزة، إذ إن غزة على تماس مع منطقة في جنوب إسرائيل التي تسميها “غلاف غزة”، في حين أن الضفة على تماس مع قلب إسرائيل ومدنها الأساسية، فمن قلقيلية مثلاً يمكن قذف حجر ليصيب الكنيست، وبين القدس الشرقية والقدس الغربية شارع مفتوح.
وحرب غزة هي كارثة يريد كل طرف تحويلها إلى فرصة. والسؤال هو فرصة لماذا؟، الفرصة المؤكدة حتى الآن هي عودة قضية فلسطين لواجهة الاهتمام العربي والدولي على المستويين الرسمي والشعبي، والبقية رهانات.
إدارة بايدن تراهن على فرصة إجراء انتخابات في إسرائيل تقود إلى سقوط نتنياهو وشركائه في الأحزاب الدينية المتشددة، ونتنياهو يراهن على تدمير غزة وإغلاق أي باب للتسوية والقيام بمزيد من إضعاف السلطة الفلسطينية كفرصة للتحكم بغزة على طريقة المثل الأميركي القائل “إكسرها تملكها”، وإيران تتصرف على أساس أن حرب غزة فرصة لتطورات تؤكد أن “اليد العليا” في المنطقة هي لها ولـ”محور المقاومة”، والسلطة الفلسطينية ترى فرصة لإعادة الاهتمام العربي والدولي بتقويتها لأنه لا حل من دونها في غزة، ولا حل لغزة من دون الضفة و”حماس” ترى فرصة مفتوحة لأن تكون هي القوة الفلسطينية الأكبر في الداخل والشتات وإكمال “طوفان الأقصى” بمعارك لتحرير فلسطين.
والشعب في غزة التي جعلتها إسرائيل نسخة جديدة من “حقول القتل” في كامبوديا أيام بول بوت، بين لاجئ ومقيم بلا غذاء ولا دواء ولا بيوت ولا مستشفيات للجرحى ولا حتى مقابر للشهداء.