أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية، يوم الخميس الماضي، أن 12 دولة وافقت على دخول تحالف سمته «حارس الازدهار»، والذي يهدف، كما تناقلت وكالات إعلام، إلى «حماية حركة التجارة في البحر الأحمر من هجمات الحوثيين اليمنيين»، فيما أعلن الناطق الصحافي باسم البنتاغون، لاحقا، أن 20 دولة وافقت على المشاركة، وأن كل دولة ستساهم بما تستطيع، معطيا العملية اسما آخر هو «تحالف الراغبين».
ردت حركة الحوثيين على إعلان إنشاء التحالف بالتهديد بمهاجمة البارجات الأمريكية والسفن الإسرائيلية إذا استهدفتها، واعتبرت أن التصعيد قد يتطور إلى حرب إقليمية.
كانت هجمات الحركة في البحر الأحمر قد أدت، عمليا، إلى تعطيل طريق تجاري رئيسي يربط أوروبا وأمريكا الشمالية بآسيا عبر قناة السويس، وتسببت في ارتفاع تكاليف شحن الحاويات بشكل حاد، وإلى سعي الشركات العالمية لشحن بضائعها عبر طرق بديلة أطول وأكثر كلفة، لكن الأثر الموجع الحقيقي كان في شلّ حركة ميناء إيلات، في مساهمة في وقف أحد خطوط إسرائيل البحرية، في الوقت الذي تخوض فيها حربها على غزة وأهلها، الذين يدفعون تكلفة الهمجية الإسرائيلية والدعم العسكري الغربي.
برّرت الولايات المتحدة الأمريكية تحريكها حاملتي طائرات وقوى عسكرية هائلة إلى شرق المتوسط، مع بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، بأنها رادع يضمن عدم اتساع نطاق الصراع، وجاءت عمليات حركة الحوثيين في البحر الأحمر لتقوّض هذا المبرر، لأن الصراع اتسع فعلا إلى إحدى أهم مناطق التجارة في العالم، وأدت مشاركة الحوثيين، فعليا، إلى تأثير عالمي، وكذلك لإضافة المسألة اليمنية المتشابكة، على المسألة الفلسطينية.
ربط هذه العناصر يظهر أن أحد الأهداف الرئيسية من تحريك القوى العسكرية الجبارة في البحر المتوسط، ثم إنشاء «تحالف الراغبين» في البحر الأحمر، في منظور الفلسطينيين على الأقل، هو تمكين إسرائيل من «الاستفراد» بالفلسطينيين في غزة، ومنع مناصرتهم عربيا أو عالميا، وحراسة الدولة العبرية، المنهمكة في مجازر الإبادة الجماعية للفلسطينيين.
معلوم أن حركة الحوثيين المسيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء، محسوبة على إيران، وأن دول المنطقة العربية، باستثناء العراق وسوريا ولبنان، تعتبر مناهضة النفوذ الإيراني في المنطقة، أولوية، وهو ما انعكس بقوة على المسألة الفلسطينية، وحركة «حماس» تحديدا، التي تربطها علاقات قوية بطهران.
كانت البحرين هي الدولة العربية الوحيدة التي أعلنت مشاركتها في التحالف المذكور، فيما أعلن البنتاغون أن 8 دول رفضت الإعلان عن وجودها ضمن التحالف، وهذا يعني، أن أكثرها، دول عربية، ويدل إخفاء تلك الدول مساهمتها في «التحالف»، على شعور ملتبس بالمشاركة في الجهد الإسرائيلي للقضاء على الفلسطينيين، وقضيتهم، وليس على حركة «حماس» فحسب.
تشير الضربة التي أعلنت «المقاومة الإسلامية في العراق»، فجر أمس الجمعة، توجيهها على مرفأ إيلات الإسرائيلي، رغم طابعها الرمزي، إلى امتداد قوس ارتدادات المذبحة الجارية في غزة، وإلى محاولة قوى جديدة المشاركة في استهداف إسرائيل مباشرة، وليس استهداف قواعد أمريكية في العراق وسوريا فقط.
لا جدال في أن الدول العربية، تعمل بهدي من مصالحها الخاصة، وأن لا مشتركات سياسية تجمعها بالحوثيين، لكن هذا لا يغيّر من أن الأولوية الآن، هي لمنع وصول خطط حكومة اليمين العنصرية الإسرائيلية إلى أهدافها الكبرى، والتي لن يكون الفلسطينيون وحدهم، من يدفعون ثمنها.