لا يجب أبداً استبعاد احتمال توسيع الحرب الإسرائيلية الجارية على قطاع غزّة، لأسباب عديدة، بعضها الفشل المركب للقيادة الإسرائيلية المدنية والعسكرية في تحقيق أي مكاسب على الأرض خلال هجوم الجيش الإسرائيلي العنيف والمدمّر على كل شبر في القطاع، منذ ما يناهز الثلاثة أشهر، دمّر فيه كل البنى التحتية، والكثير من المباني السكنية والمستشفيات، وقتل وجرح أكثر من سبعين ألف مدني، غالبيّتهم من الأطفال والنساء، ثم فشل حكومة نتنياهو في تحرير المحتجزين والأسرى لدى المقاومة، حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بل هي التي تتسبّب باستمرار بمقتلهم قصفاً أو رمياً بالرصاص المتأتي من حالة الإرباك، والتوتر بين قوات جيشه. يضاف إلى ذلك الفشل الإعلامي الكبير والفريد للوبي الصهيوني الذي تمتلكه مؤسساتٌ وأشخاصٌ يؤمنون، بشكل مطلق، بأن من حق إسرائيل القيام بأي شيء للحفاظ على أمنها، وفي الوقت نفسه، يؤمنون أيضاً بأن لا حقوق لمن يزاحم هذا الكيان في أرض فلسطين المحتلة، ولا بحقّهم في تحرير أرضهم، بطبيعة الحال.
لقد ذاقت إسرائيل، ولأول مرة منذ عام 1948، طعم الهزيمة، ومرارة فقدان كثيرين جداً من جنودها، والأهم تشكل، ولأول مرة أيضاً، روح الهزيمة، مدنياً وعسكرياً، نعم “روح الهزيمة” بدل “الجيش الذي لا يُقهر”، حتى بات شعب “إسرائيل” يتابع ما يبثه إعلام كتائب الشهيد عز الدين القسام أو سواه من فيديوهات لسير العمليات والإصابات الدقيقة التي توقعها عناصره بآليات جيشهم وعناصره. وهنا يناقش مجلس الحرب الإسرائيلي بشكل جادّ موضوع عدم قدرة الجيش على تحقيق الأهداف المعلنة للحرب، وهو أمر سبقت هذا المجلس فيه قيادات فكرية وعسكرية داخل إسرائيل وخارجها.
تظن القيادة الأميركية أن إيران تحاول استدراجها إلى حربٍ غير مضمونة النتائج أو مفاوضات مُلزمة تحقق فيها طهران مكاسب سياسية واقتصادية
من هذا الوضع القلق والخطير، تبرز إشكالية أميركية – إسرائيلية، مرتكزها عدم رغبة واشنطن بتوسعة مدار الحرب وإبقاؤها في حدود قطاع غزّة، تقابلها رغبة نتنياهو بتوسيع دائرة الاستهداف الإسرائيلي، لتشمل دولاً وجيوشاً في محيط إسرائيل وصولاً إلى إيران. واشنطن بحجم دعمها إسرائيل ترفض أن تكون هناك حرب في جنوب لبنان، لأنها تعلم أن قواعدها في العراق وسورية لا تملك من التحصينات ما يكفي لحمايتها من أذرع إيران في هذين البلدين وأنها في بيئة (غير صديقة). من جهة أخرى، تظن القيادة الأميركية أن إيران تحاول استدراجها إلى حربٍ غير مضمونة النتائج أو مفاوضات مُلزمة تحقق فيها طهران مكاسب سياسية واقتصادية، حتى توجّه المليشيات المسلحة في العراق وسورية بالكفّ عن استهداف قواعدها هناك.
يقابل الموقف الأميركي موقف إسرائيلي، يرى أن في توسعة نطاق الحرب تحقيق مكاسب كبيرة للحكومة الإسرائيلية، ذاك أن خوض جيشها حربا نظامية يعني تفوّقه في كل صنوف هذا الجيش، وبالتالي، فإن كسب أي معركة سيعني، أولاً، إعادة “روح النصر” للجيش والشعب الإسرائيليين، ثم سيفتح الآفاق بشكل مطلق لاستعراض قدرات إسرائيل الجوية والصاروخية في قصف أهداف في العراق وسورية ولبنان واليمن، وصولاً إلى إيران التي لم ولن تنسى إسرائيل أهدافها فيها.
لعلّ قصف القواعد الأميركية في العراق وسورية واستهدافها، ومحاولات الحوثيين استهداف السفن المتوجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر وباب المندب، وتوسيع مجال القصف مع حزب الله، تساعد إسرائيل على اتخاذ قرار العمليات العسكرية المفتوحة على أهداف مهمّة في كل هذه الدول، مع علمها أن هذه الدول، باستثناء إيران، لن تستطيع ردّ أيّ عدوان إسرائيلي عليها، وهو أمر بالغ الخطورة، في حقيقة الأمر، قد يكون أحد نتاجاته حروباً داخلية، وخصوصا في العراق وسورية واليمن، قد تتغيّر جرّاءها بعض أنظمة الحكم، وتتغير فيها موازين القوى، بما لا يمكن لأحد تخمينه سلفاً.