2023: استعادة القضية الفلسطينية وافتضاح الفاشية الإسرائيلية

2023: استعادة القضية الفلسطينية وافتضاح الفاشية الإسرائيلية

قد لا تكون هناك مبالغة في إطلاق تسمية «عام الكوارث» على سنة 2023 التي تنقضي وقد حملت معها هزّات من صنع الطبيعة كانت مأساوية العواقب وبعيدة الآثار، وأخرى سياسية واقتصادية، اجتماعية وبيئية من صنع البشر والأنظمة الحاكمة، مثلما انطوت على جرائم حرب ونزاعات أهلية، ثمّ مجازر وانتهاكات بلغت حدّ الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في حرب دولة الاحتلال الإسرائيلي الراهنة ضد المدنيين العزّل من أطفال ونساء وشيوخ قطاع غزّة في فلسطين.
وكانت الأسابيع الأولى من عام 2023 قد شهدت سلسلة زلازل وارتجاجات عنيفة ضربت مناطق في تركيا وسوريا، وأسفرت عن سقوط أكثر من 50 ألف ضحية وإصابة عشرات الآلاف وتشريد مئات الآلاف، وأحدثت دماراً هائلاً في المباني السكنية والمنشآت العامة. وفي مطلع أيلول/ سبتمبر ضرب زلزال آخر عنيف إقليم الحوز في المغرب، فقضى فيه أكثر من 3 آلاف شخص وتشرّد آلاف آخرون، وهُدمت مناطق سكنية وعمرانية واسعة النطاق. من جانبها أصابت عاصفة دانيال مناطق في شمال ليبيا وشرقها، فأغرقت مدينة درنة وقتلت المئات وألحقت الخراب بالمنطقة.
وتكريم ضحايا هذه الكوارث الطبيعية يستوجب استذكار حقائق أخرى وثيقة الصلة بمنطق عام يحكم وقوع الكوارث، ويتجاوز الظواهر المناخية أو الجيولوجية، وما يمكن تصنيفه إجمالاً في باب غضبة الطبيعة أو ثورتها بين حين وآخر. فمن الثابت اليوم أن الارتباط مباشر وعضوي بين التغيرات المناخية العارمة، وبين الاستغلال العشوائي للموارد الطبيعية وظواهر الاحتباس الحراري والارتفاع غير المسبوق لدرجة الحرارة والزيادة المطّردة في استخدام الوقود الأحفوري وتبدل التيارات في المحيطات، وسواها من عوامل باعثة على انقلابات جذرية في توازنات الطبيعة.
كل هذا عدا عن تقصير الأنظمة ومسؤولية مؤسسات الفساد عن سوء الإنشاء وإهمال أعمال الصيانة الضرورية وعدم التحسب لعوامل طبيعية مثل الأمطار الغزيرة والفيضانات والسيول. ولا تُنسى هنا أيضاً الحقائق التي تكشفت سريعاً حول استغلال المساعدات الدولية وتحويلها إلى تجارة وارتزاق واستغلال، كما حدث مع المعونات التي استلمها النظام السوري.
كوارث أخرى من صنع بشري سياسي شهدها السودان مع اندلاع المواجهات الدامية بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، وانقلاب الجنرالات شركاء الأمس في الثورة المضادة، والتنكر لمكاسب الشعب السوداني، إلى اقتتال على النفوذ والسلطة ارتهن سريعاً لقوى خارجية، وأسفر حتى الساعة عن مقتل نحو 12 ألف مواطن سوداني.
كذلك أكمل مشهدَ الكوارث تقريرُ البنك الدولي السنوي الخاص بما تُسمى «الديون الخارجية» المستحقة للبنك، والتي تخنق 121 من البلدان المصنّفة في خانة الاقتصادات ذات الدخل المنخفض أو المتوسط، وتبرهن دائماً على حدة انعدام المساواة في النظام الاقتصادي العالمي. وقد بلغت الديون رقماً قياسياً مقداره 443,5 مليار دولار على سبيل خدمة الديون العامة الخارجية عن سنة 2022، والعاقبة الموازية هي اضطرار تلك البلدان إلى اقتراض من البنك يساوي رقماً قياسياً بدوره وصل إلى 88,9 مليار دولار، بزيادة قدرها 4,8% عن سنة 2021.
غير أنّ حرب الإبادة التي تواصل دولة الاحتلال الإسرائيلي شنها ضد قطاع غزة وسكانه المدنيين تبقى أمّ الكوارث في عام 2023، من حيث الشراسة والنيران والتدمير الشامل وتجريد الضحايا من كل هوية إنسانية، والاستهتار بأي وكل قانون وميثاق. ولعل المصادفة وحدها لم تكن وراء التزامن بين خواتيم هذا العام، وبين الذكرى الـ15 للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة في تاريخ 27 كانون الأول/ ديسمبر 2008.
السبب الأول هو أن الفشل الذريع الذي انتهى إليه ذلك العدوان تكرر أيضاً بمعدلات مماثلة في أربع حروب لاحقة شنتها دولة الاحتلال ضد القطاع في أعوام 2012، 2014، 2021، و2023، والسبب الثاني هو أن مظاهر الفشل كانت في الآن ذاته تفضح المزيد من أنماط جرائم الحرب الفاشية وتنويعات المجازر والعقاب الجماعي والإبادة والتطهير العرقي.
صحيح أن تضحيات الدم الفلسطيني، الذي يواصل الاحتلال إراقته في الضفة الغربية والقدس المحتلة وسائر أرجاء فلسطين التاريخية وليس في قطاع غزة وحده، فادحة وجسيمة وغالية، إلا أن إرادة الصمود الشعبي وأشكال المقاومة المختلفة تكفلت بتكريم الضحايا، من وجهة أولى في استعادة فلسطين وردّ القضية الفلسطينية إلى صدارة العالم، كما انعكست من وجهة ثانية في انكشاف مظاهر قصوى من المضامين الفاشية والهمجية لكيان صهيوني نهض أصلاً على سياسات استعمارية واستيطانية وممارسات عنصرية سافرة.
وليس سدى، أيضاً، أن التضحيات الفلسطينية فضحت نفاق قوى غربية، أمريكية وأوروبية أساساً، تتشدق حول حقوق الإنسان والقانون الدولي، ولكنها كشفت عن باطن كريه مستقبح لا يسكت عن جرائم الحرب فقط، بل يتواطأ معها ويمدها بأسباب القتل والتدمير وارتكاب المجازر والإبادة الجماعية والتطهير العرقي.