كيف يقنع السيسي صندوق النقد بمنحه المزيد من القروض

كيف يقنع السيسي صندوق النقد بمنحه المزيد من القروض

القاهرة – يراهن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على تحصيل المزيد من القروض الخارجية لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها البلاد، لكن دون أن تظهر أي نتائج إيجابية على الاقتصاد ودون تحسين لوضع الفئات الاجتماعية الضعيفة.

ولا يعرف كيف سيقنع السيسي صندوق النقد وبقية الدائنين بمنحه المزيد من القروض مع تعثر الإصلاحات المطلوبة وخاصة التقليل من نفوذ المؤسسة العسكرية على الاقتصاد، وتخفيف الضغوط عن القطاع الخاص.

وبحثت القاهرة عن توظيف الحاجة الأميركية إلى دورها السياسي في الحرب على غزة مدخلا لتسهيل الحصول على قرض تبلغ قيمته ثلاثة مليارات دولار، ولِمَ لا مضاعفة العرض ليتماشى مع حاجة مصر.

وقالت كريستالينا غورغييفا، مديرة صندوق النقد الدولي، في نوفمبر الماضي إن الصندوق يدرس زيادة قيمة قرضه لمصر على خلفية تداعيات الحرب على غزة. وتحدّثت تقارير نُشرت في ديسمبر الماضي عن مساع مصرية لمضاعفة قرض الصندوق.

وتتزامن مساعي مضاعفة قيمة القرض مع تقارير عن استثمارات أوروبية متوقعة تصل في مجموعها إلى 9 مليارات يورو. واعتُمدت حرب غزة مرة أخرى لتكون مبررا لهذه الاستثمارات وتوحي بأنها رسالة دعم لنظام السيسي بقطع النظر عن أدائه الاقتصادي.

ولا يدعم الأوروبيون مصر فقط من أجل دورها في حرب غزة، فهناك عنصر آخر، وهو رهان الأوروبيين على أن يدعم السيسي جهودهم لوقف تدفقات المهاجرين من البلدان الأفريقية الأخرى، وخاصة السودان.

وبالتوازي مع الوعود الأوروبية تتحرك الولايات المتحدة لمكافأة مصر على سياستها في ملف غزة من خلال تسهيل مفاوضاتها مع صندوق النقد.

وتعهدت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين بدعم اقتصاد مصر وإصلاحاته عقب اجتماع مع كبار مسؤوليها الماليين في واشنطن الثلاثاء.

وقال متحدث باسم صندوق النقد إنه من المقرر أن يجتمع مسؤولون مصريون، ومن بينهم وزير المالية محمد معيط ومحافظ البنك المركزي حسن عبدالله، مع مديرة الصندوق أثناء زيارتهم إلى واشنطن.

تأتي الاجتماعات رفيعة المستوى بعد أن قام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بجولة في الشرق الأوسط، واختتمها الخميس بزيارة القاهرة، من أجل تجنب توسع الحرب بين إسرائيل وغزة إلى صراع إقليمي.

وتأمل الحكومة المصرية إرجاء تحرير سعر الصرف لعدم وجود العملات الأجنبية التي تدعم توفير الطلب حال القيام بتعويم جديد للجنيه، أو القيام بتحريك نسبي للعملة مع تلقي تمويل قريب من الصندوق إلى حين استقرار الوضع.

وتعاني مصر من ارتفاع مستويات الدين الأجنبي، وتأثرت كثيرا بالحرب في قطاع غزة التي تهدد بتعطيل حجوزات السياحة وواردات الغاز الطبيعي، وكذلك بالهجمات التي استهدفت السفن في البحر الأحمر خلال الآونة الأخيرة.

وجاء في بيان صادر عن وزارة الخزانة الأميركية أن يلين ناقشت التحديات التي تواجهها مصر جراء حرب غزة خلال اجتماعها مع وزير المالية ومحافظ البنك المركزي ووزيرة التعاون الدولي رانيا المشاط.

وقالت الوزارة “أكدت الوزيرة يلين دعم الولايات المتحدة القوي لمصر وبرنامجها للإصلاح الاقتصادي. وشددت على هدف تعزيز الاقتصاد المصري ودعم النمو الشامل والمستدام”.

ويرى الخبير الاقتصادي والمصرفي المصري عزالدين حسنين أن المفاوضات التي تجريها مصر مع كل من صندوق النقد والولايات المتحدة تمنح البلاد قدرة أكبر على المفاوضات لتلقي التمويلات اللازمة.

وتنظر القاهرة إلى الدعم السياسي الأميركي في مفاوضاتها مع الصندوق كمدخل لتحصيل القروض من دون الامتثال لبعض الشروط، وخاصة المس من الشركات المملوكة للجيش.

وفي يوليو الماضي أصدر البرلمان المصري قانونا بشأن الإعفاءات الضريبية للقطاع العام، امتثالا منه لمطالب صندوق النقد. وكان يهدف إلى تحقيق تكافؤ الفرص بين القطاعين العام والخاص. لكن ثغرة في القانون تعفي الأنشطة المتعلقة بالأمن القومي والبنية التحتية، مع ضمان الإعفاء الضريبي الذي تتمتع به الشركات التي تعود إلى المؤسسة العسكرية.

التخلف المحتمل عن السداد قد يسبب خسائر جسيمة للأسواق المالية التي ترجع إليها نسبة 18.6 في المئة من الديون الخارجية المصرية

أما على مستوى الخصخصة فإن البرنامج يتحرك بوتيرة بطيئة، حيث وصل إلى ما مجموعه 5.4 مليار دولار، وكان أقل بكثير من مبلغ الـ10 مليارات دولار سنويا المعلن عنه كهدف أصلي في مايو 2022، مع إعفاء الشركات المملوكة للجيش أيضا.

ويحذر المحلل السياسي المصري ماجد مندور من أن التخلف المحتمل عن السداد قد يسبب خسائر جسيمة للأسواق المالية التي ترجع إليها نسبة 18.6 في المئة من الديون الخارجية المصرية اعتبارا من يونيو 2022. ويشير مندور في تقرير بموقع عرب دايجست إلى أن التدفقات المذكورة ليست كافية لتغيير الوضع المتردي، نظرا إلى الحجم الهائل للديون المعنية.

ويقدر سداد الديون في 2024 بما لا يقل عن 42.26 مليار دولار، مع تصنيف 29 مليار دولار ديونًا خارجية، ما يستوجب دفعها بالدولار. ويحتدّ الوضع بسبب فجوة تمويلية تبلغ 17 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي في يناير 2023.

وهذا ما يعني أن الضغط على احتياطيات العملة الصعبة سيستمر، مع توقع انخفاض آخر في قيمة العملة على نطاق واسع في 2024. ويقدر بعض المحللين أن سعر الصرف سيصل إلى 50 جنيها للدولار.

ويقول مندور إن غياب إصلاحات بنيوية فعّالة يعني أن دورة الديون ستتواصل في مصر، مع ما سيترتب على ذلك من عواقب على الطبقة المتوسطة والفقراء.

ويفتقر الاستعداد لضخ رأس مال إضافي في خزائن النظام إلى الشفافية على المستوى الأخلاقي، ويتّسم أيضا بقصر النظر سياسيا حيث يغذي عدم الاستقرار نفسه الذي من المفترض أن القروض تكافحه.

العرب