معمر فيصل خولي
بعد الفوز الذي حققه حزب العدالة والتنمية وحليفه الرئيسي ” الحركة القومية” في الانتخابات الرئاسية والنيابية التي جرت في آيار/ مايو الماضي، فعلى مستوى رئاسة الجمهورية تمكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الاستمرار في منصبه حتى عام 2028، كما حافظ حزبه العدالة والتنمية وحليفه ” الحركة القومية” على الأغلبية في مجلس النواب التركي.
وها هي تركيا في 31 آذار/ مارس المقبل على موعد جديد مع استحقاق دستوري وهي الانتخابات المحلية التي أصبحت في عهد الحكومات المتعاقبة لحزب العدالة والتنمية لا تقل أهمية سياسية عن الانتخابات الرئاسية والنيابية في الدولة التركية. فمن جهته ينظر حزب العدالة والتنمية لهذه الانتخابات على إنها تحدي جديد يتمثل في استعادة إسطنبول التي فقدها في الانتخابات البلدية السابقة، حيث ظلت تحت حكم الأحزاب الإسلامية” الرفاه، والعدالة والتنمية” منذ عام 1994 وحتى عام 2019م، قبل أن أن ينتهي بها المطاف إلى حزب الشعب الجمهوريبرئاسة أكرم إمام أوغلو.
إذ شكّل فقدانها خيبة كبيرة لقادة الحزب وفي مقدمتهم الرئيس رجب طيب أردوغان الذي طالب جماهيره في أسطنبول في أول خطاب له بعد اعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية في آيار/ مايو الماضي، أن يبقوا يقظين حتى موعد الانتخابات المحلية. ومن أجل استعادتها وقع الاختيار على الوزير السابق مراد قوروم كمرشح حزب العدالة والتنمية على بلدية اسطنبول.
تاريخيًا وحاضرًا، لا يرتكز اهتمام من أجل حكم مدينة إسطنبول من قبل الأحزاب التركية على مقولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حينما قال؛ “إن من يحكم إسطنبول يحكم تركيا”، بل الأمر يتجاوز هذه المقولة. إذ يحتدم التنافس بين الأحزاب التركية ولاسيما بين حزبي العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري، في جوهره على هوية المدينة أهي علمانية أم إسلامية؟
إضافة إلى ذلك، جغرافيّا، تعدّ إسطنبول أكبر ولاية ” مدينة” في دولة تركيا وأهمها، يقطنها حوالي 16 مليون نسمة، وتتمتع إسطنبول بثقل كبير في الاقتصاد والسياسة التركية. وعلى عكس طبيعة العاصمة التركية أنقرة البيروقراطية وتوجه إزمير العلماني، تمثل إسطنبول متوسط المجتمع التركي بسكانها من جميع أنحاء البلاد. وبهذا المعنى، فإن إسطنبول هي الممثل الحقيقي لتركيا. تصوت مقاطعة إزمير تقليديًا لصالح حزب الشعب الجمهوري وكذلك أنقرة.
ما يحسب لحزب العدالة والتنمية منذ مجيئه إلى حكم تركيا في تشربن/ نوفمبر عام ٢٠٠٢م، وإلى يومنا هذا، جعل للانتخابات التركية ومنها الانتخابات المحلية، ذات قيمة، فهي ليست مجرد استحقاق دستوري تجرى في موعدها الزماني والمكاني، بل هي انتخابات بين برامج سياسية واقتصادية واجتماعية تكاد تكون متناقضة ، برامج تتعلق بالهوية التركية التي لم يحسم الجدل بشأنها منذ تأسيس جمهورية تركيا المعاصرة في عام ١٩٢٣م.
تأسيسًا على ما تقدم، يمكن القول أضحت الانتخابات التركية ” الرئاسية، النيابية، المحلية” محل اهتمام تركي وإقليمي ودولي، فمن كان يتوقع ذات يوم قبل عام 2002م، أن تتمتع الانتخابات التركية بهذه الأهمية وبهذا الشأن، وأن يفرد لها الاعلام المرئي العربي والعالمي تغطية واسعة عبر شاشاته بعد عقود من سيطرة أحزاب سياسية تتنافس على الفساد والمنافع والامتيازات، ووصاية المؤسسة العسكرية التركية على النظام السياسي بوصفها الحامية لمبادىء الكمالية التي وصلت إلى المستوى القيام بالانقلابات العسكرية المباشرة أو غير المباشرة، للحفاظ على الوضع القائم آنذاك.هذا الاهتمام، يحسب لحزب العدالة والتنمية ويضاف إلى قائمة انجازاته المتعددة في مختلف المجالات.
خلاصة القول، كما بدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حياته السياسية رئيسًا لبلدية إسطنبول في عام 1994، يرغب في مغادرة الحياة السياسية الرسمية بعد انتهاء مدته الرئاسية في عام 2028م، ومدينة إسطنبول في ظل حكم حزب العدالة والتنمية، كتتويج لمسيرة سياسية حافلة بالانجازات.
وحدة الدراسات التركية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية