التحليل الاقتصادي: ارتفاع سعر الدولار مقابل الدينار العراقي – الأسباب، التأثيرات، والحلول المحتملة

التحليل الاقتصادي: ارتفاع سعر الدولار مقابل الدينار العراقي – الأسباب، التأثيرات، والحلول المحتملة


الباحثة شذا خليل *

شهد مؤخرا ارتفاعًا في سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، حيث أغلقت الأسواق الرئيسية في بغداد والبصرة بسعر بيع بلغ 142,250 دينار وسعر شراء بلغ 141,250 دينار. أما في أربيل، فبلغ سعر البيع 141,000 دينار وسعر الشراء 140,000 دينار. تعكس هذه الزيادات ضغوطًا متزايدة على الدينار العراقي، مما يثير القلق بشأن التضخم، واستقرار الاقتصاد، والقوة الشرائية للمواطنين.

أسباب ارتفاع سعر الدولار

انخفاض المعروض من الدولار

اتخذ البنك المركزي العراقي إجراءات لتقييد بيع الدولار للحد من التهريب وغسل الأموال، مما أدى إلى تقليل العرض في الأسواق المحلية ورفع السعر نتيجة الندرة.

التهريب وتجاوز العقوبات

تشير التقارير إلى أن الدولار الذي يُباع في مزادات العملة العراقية يتم تهريبه إلى دول مجاورة مثل إيران وسوريا، التي تخضع لعقوبات أمريكية. وقد ضغطت وزارة الخزانة الأمريكية والاحتياطي الفيدرالي على العراق لتشديد الرقابة، مما حد من الوصول إلى الدولار عبر قنوات غير رسمية.

الاضطرابات السياسية والمؤسسية

تضعف حالة عدم الاستقرار السياسي في العراق من ثقة المستثمرين، حيث تؤدي السياسات غير الواضحة وتغيّر الحكومات المستمر إلى تقليل الاستثمارات الأجنبية، مما يضعف قيمة الدينار.

الاعتماد على الواردات

يعتمد العراق بشكل كبير على استيراد السلع من الخارج، والتي يتم دفع ثمنها بالدولار. ومع تراجع قيمة الدينار، ترتفع تكلفة هذه الواردات، مما يزيد الطلب على الدولار.

تحديات هيكلية اقتصادية

الاقتصاد العراقي يعتمد بشكل شبه كامل على صادرات النفط، مما يجعله عرضة لتقلبات أسعار النفط العالمية. أما القطاعات غير النفطية فهي ضعيفة، ولا توفر مصادر بديلة للعملة الصعبة.

تأثيرات ارتفاع سعر الدولار

التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة

يؤدي ارتفاع سعر الدولار إلى زيادة أسعار السلع المستوردة، مما يرفع معدل التضخم ويزيد الأعباء على الأسر ذات الدخل المحدود.

تراجع القوة الشرائية

مع انخفاض قيمة الدينار، تصبح رواتب ومدخرات المواطنين أقل قيمة، خاصة عند شراء السلع الأساسية مثل الغذاء والدواء.

الضغط على القطاع التجاري

تواجه الشركات التي تعتمد على المواد أو السلع المستوردة ارتفاعًا في التكاليف، مما قد يؤدي إلى تقليص الأرباح أو رفع الأسعار وتقليل الطلب.

اتساع الفجوة الاجتماعية

يستفيد أصحاب الدولار أو الأصول المرتبطة به من تحرك سعر الصرف، بينما يعاني باقي السكان، مما يزيد من الفجوة بين الطبقات الاجتماعية.

الحلول الممكنة

تعزيز الشفافية في بيع الدولار

يجب على البنك المركزي السيطرة على مزاد العملة وضمان وصول الدولار للتجار الحقيقيين والشركات الشرعية.

دعم الصادرات غير النفطية

يجب على العراق تنويع اقتصاده عبر الاستثمار في الزراعة والصناعة والخدمات، لتقليل الاعتماد على الاستيراد وتوفير مصادر بديلة للعملة الأجنبية.

تقوية القطاع المصرفي

تحسين النظام المصرفي، وتطوير الخدمات الرقمية، وتعزيز الامتثال للمعايير الدولية يمكن أن يقلل من الاعتماد على السوق السوداء ويثبت سعر الصرف.

تشديد الرقابة على الحدود

ينبغي تحسين الرقابة على المعابر الحدودية واعتماد تقنيات حديثة لتتبع حركة البضائع والعملة، للحد من التهريب.

إصلاح نظام الدعم والرعاية الاجتماعية

على المدى القصير، يمكن أن تساهم الإعانات النقدية الموجهة أو برامج الحماية الاجتماعية في تخفيف العبء على الفئات الفقيرة، إلى حين تنفيذ الإصلاحات طويلة المدى.

التعاون مع الشركاء الدوليين

يجب على العراق تعزيز تعاونه مع الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي والشركاء الآخرين لتحسين الحوكمة المالية، مما قد يساعد في استعادة الثقة والحصول على دعم فني ومالي.

الخلاصة

إن ارتفاع سعر الدولار مقابل الدينار يعكس تحديات هيكلية وحوكمة عميقة في الاقتصاد العراقي. وعلى الرغم من وجود ضغوط خارجية، فإن الحلول تكمن بشكل أساسي في الإصلاحات الداخلية. مكافحة الفساد، تنويع الاقتصاد، وتعزيز الشفافية المالية يمكن أن تساعد في استقرار العملة وحماية المواطنين من المزيد من التدهور الاقتصادي. ويتطلب تجاوز هذه الأزمة تحركًا سريعًا ومنسقًا من الحكومة، والبنك المركزي، والشركاء الدوليين.

 

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية