الاحتجاجات المعيشية في فزان انعكاس لحالة الانسداد السياسي في ليبيا

الاحتجاجات المعيشية في فزان انعكاس لحالة الانسداد السياسي في ليبيا

عاد الجنوب الليبي إلى واجهة الأحداث في بلد يئن تحت وطأة صراعات السلطة والنفوذ رغم ثرواته الضخمة. ويشكو أهاليه من نقص الوقود وتردي الخدمات وهو ما دفعهم إلى الاعتصام وإغلاق حقل الشرارة النفطي والتهديد بإغلاق حقل الفيل إن لم تتم الاستجابة لمطالبهم.

فزان (ليبيا) – تحولت الحقول والموانئ النفطية في ليبيا مؤخراً إلى أحد وسائل الضغط التي تمارس ضد الحكومات لدوافع اقتصادية نتيجة لتردي الأوضاع في العديد من المدن والمناطق الليبية، وخاصة المناطق الجنوبية.

وشهد العام الماضي العديد من الإقفالات لموانئ وحقول نفطية شرق وجنوب البلاد ارتبطت أغلبها مباشرة بالخلاف السياسي. وقبل أيام أُغلق حقل الشرارة النفطي جنوب ليبيا، بعد دخول المحتجين إليه، احتجاجا على نقص النفط في الجنوب.

ويقع حقل الشرارة النفطي، الذي كان يبلغ معدل إنتاجه 340 ألف برميل يوميا، في صحراء مرزق (800 كلم جنوب طرابلس)، واكتشف عام 1980. ودخلت إدارة الحقل في مفاوضات مع المحتجين الذين دخلوا إلى الحقل، ولكن محاولة التفاوض معهم فشلت، مما اضطرّ إدارة الحقل إلى إغلاقه بشكل كامل.

وطالب المحتجون بتفعيل قرار إنشاء مصفاة الجنوب، وصيانة الطرق المتهالكة، وتعيين أبناء الجنوب في الشركات النفطية، ومعالجة نقص الوقود في الجنوب. ورغم وصف العديد من المراقبين مطالب المحتجين بأنها “مشروعة” إلا أنهم لم يستبعدوا في الوقت نفسه الدوافع السياسية وراء الاحتجاج من قبل بعض الأطراف.

يرى المحلل السياسي الليبي السنوسي إسماعيل أن “إغلاق حقل الشرارة النفطي هذه المرة ليس مدفوعا بدوافع سياسية مباشرة باعتبار أن الحالة المعيشية المتردية في فزان هي السبب الأساسي وراء الإغلاق”.

واعتبر إسماعيل أن تردي الوضع المعيشي هو “انعكاس لحالة الانسداد السياسي الذي طال أمده دون وجود خطة اقتصادية شاملة للبلاد وإنقاذ فزان من تردي الوضع المعيشي إلى حد لا يطاق مع أنه (الإقليم) يعوم فوق بحار من الماء والنفط والغاز وثروات معدنية لم تستثمر بعد”.

وأضاف إسماعيل أن “توقيت الإغلاق لا يعني الكثير إلا من حيث ملل سكان المدن والمناطق في الجنوب من انتظار الحل السياسي الذي كلما حصل فيه تقدم برزت من جديد عراقيل واعتراضات تطيل عمر الأزمة وتؤجل تنفيذ الحل السياسي، وهذا يدفع الكثير من سكان فزان إلى اليأس من جدوى انتظار إنجاز أي استحقاق سياسي حتى ذلك المتوافق عليه بين مجلسي النواب والدولة”.

وتابع “هذه المرة يبدو أن الإغلاق جاد وغير مرتبط بأي جهة سياسية وأن حالة الضغط في الجنوب تعطي مؤشرات عالية جدا بالنظر إلى تردي الحالة المعيشية دون وجود حلول دائمة بدلا من الحلول الجزئية التي تعتمدها الحكومتان المتصارعتان على السلطة في بلد مزقته الحروب والنزاعات وأرهقته التدخلات الدولية السلبية”.

ولفت إسماعيل إلى أن “احتياجات أهالي الجنوب لا تقتصر على توفير الوقود وبعض الخدمات وإنما يتطلب الأمر إصدار التشريعات لكي تحفظ حقوق الإقليم من حيث التنمية”. وفي أكتوبر الماضي أصدر مجلس النواب الليبي قوانين الانتخابات التي أقرتها لجنة “6+6” ليجري بموجبها انتخاب رئيس الدولة وانتخابات مجلس الأمة.

ولجنة “6+6” المشكلة من مجلسي النواب والدولة كانت قد أصدرت في 6 يونيو الماضي، عقب مباحثات في مدينة بوزنيقة المغربية، القوانين التي ستجرى عبرها الانتخابات المنتظرة، إلا أن بنودا فيها لاقت معارضة من بعض الأطراف.

وتتمثل النقاط الخلافية في شروط الترشح للانتخابات الرئاسية حيث يصر مجلس الدولة وبعض الأحزاب السياسية على منع العسكريين ومزدوجي الجنسية من الترشح لرئاسة البلاد، في حين يصر مجلس النواب على عكس ذلك.

وتأتي تحركات مجلسي النواب والدولة ضمن جهود محلية وأخرى أممية لإيصال ليبيا إلى انتخابات تحل أزمة صراع بين حكومتين، إحداهما عينها مجلس النواب مطلع 2022 والأخرى حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، الذي يرفض التسليم إلا لحكومة تأتي عبر برلمان جديد منتخب.

يرى الناشط السياسي وسام عبدالكبير أن “إغلاق حقل الشرارة يأتي في ظل استمرار الانسداد السياسي وانقطاع فرص التسوية بين حكومة الوحدة الوطنية في الغرب والقيادة العسكرية والبرلمان في الشرق، لذلك سيكون إغلاقه ورقة من أوراق الضغط السياسي والتي تمارس على الدبيبة”.

وأضاف عبدالكبير عضو تجمع القوى السياسية لإقليم فزان (جنوب) أن “إغلاق الحقل سيؤدي إلى فقد الإنتاج الليبي حوالي 340 ألف برميل يومياً ما يعني فقدان ثلث الإنتاج من إجمالي ما تنتجه ليبيا (مليون و214 ألف برميل يوميا)، لهذا سيشكل إيقاف حقل الشرارة ضغوطا كبيرة على حكومة الوحدة الوطنية في مثل هذا التوقيت”.

وأوضح عبدالكبير أن “الظروف الاقتصادية موجودة في الجنوب وكان في السابق يعاني من انعدام الوقود والخدمات ولكن لم يصل الأمر إلى التهديد بإغلاق الحقل؛ ودائما ما تستخدم الحقول كورقة سياسية من قبل العديد من الأطراف، بالرغم من أن الإغلاق سيوثر على الميزانية العامة لدولة ليبيا، في وقت يحتاج فيه نظامها الاقتصادي إلى تطوير”.

وبحسب عبدالكبير فإن “سقف المطالب السياسية غير معلن حتى الآن، أما بالنسبة إلى المطالب الاقتصادية فهناك بعض البيانات التي أصدرها المحتجون توضح مطالبهم الاقتصادية أو ذات الطبيعة الخدمية المتعلقة بتطوير مناطقهم. لكن الأمور السياسية لم تطرح حتى الآن”.

وأضاف أن “المطالب السياسية غير المعلنة ربما تكمن في إعادة تشكيل المؤسسة الوطنية للنفط وربما هناك أمور متعلقة بالمطالبة بكميات أكبر من الإيرادات النفطية المخصصة للشرق وكل هذه التسويات غير معلنة ولكن تبقى الكثير من الأمور التي يمكن التفاوض حولها بعد إغلاق حقل الشرارة”.

وتابع عبدالكبير “بالتأكيد هناك دوافع اقتصادية كذلك نظرا إلى افتقاد مناطق وقرى فزان للعديد من الخدمات، ومشكلة الوقود من الأعراض وليست المشكلة الأساسية، لكن الإشكال السياسي هو ما تسبب في عدم نيل المواطنين حقوقهم في تلك المناطق وهذا يعود إلى طبيعة النظام السياسي والمركزية الموجودة والتي لم يتمكن أي اتفاق سياسي من تفكيكها”.

العرب