فتحت الحرب الدائرة في غزة منذ هجمات «حماس» يوم السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي الجرح الفلسطيني عالميّا، وأعادت وضع المسألة الفلسطينية على أجندة البشريّة بشكل لا يمكن تجاهله، وفضحت دولة إسرائيل باعتبارها استعمارا استيطانيا عنصريا في مرحلة لاحقة على تفكيك أشكال الاستعمار الاستيطاني العنصريّ.
الحرب هي جرح فلسطيني مفتوح أولا، لأن حكومة اليمين العنصري المتطرّف في إسرائيل استخدمت هجوم «حماس» لتبدأ حرب إبادة جماعية لسكان غزة، عبر ترسانتها العسكرية المهولة، مما أدى لتدمير هائل للبنى التحتية للقطاع، ولارتقاء قرابة 24 ألف شهيد فلسطيني، ولسقوط 60 ألفا و582 جريحا حتى الآن، مع خطط فاشيّة معلنة لإجراء تطهير عرقي وتهجير جماعي لمواطني القطاع.
بعد الهجوم الذي أدى، حسب المصادر الإسرائيلية، إلى مقتل 1200 شخص، وأسر 240 رهينة، تكبّدت إسرائيل بعد مئة يوم من عدوانها، حسب مصادرها الرسمية أيضا، 188 قتيلا من الجنود والضباط، كما أصيب 1118 عسكريا (12 في معارك الـ24 ساعة الماضية) 240 منهم حالتهم خطرة.
أدت الحرب لنزوح عشرات الآلاف من الإسرائيليين من الشمال، وإجلاء سكان غلاف غزة، وتكلّفت الحرب على غزة، حسب محافظ بنك إسرائيل المركزي، نحو 56 مليار دولار، وحسب الصحف العبرية فإن تل أبيب لم تحقق أيا من أهدافها العسكرية حتى الآن، وأن الصراع هزّ أركان إسرائيل الاقتصادية والأمنية وجعلتها تواجه، من جديد، قضيّتها الوجودية كجسم طارئ وناتئ مزروع بالقوة في المحيط العربي.
على الصعيد العربي، ورغم تماسك مواقف الجامعة العربية، والقمة العربية ـ الإسلامية التي جرت في السعودية في التعبير عن دعم الفلسطينيين، فقد كان هناك بعض الدول المطبّعة، التي أظهرت، في دوائر دبلوماسية، تعاطفا سريا مع إسرائيل، ومثّل الأردن ومصر الجبهة الثانية المتوجسة من أهداف إسرائيل في تهجير الفلسطينيين، وإضافة إلى بعض الدول المتعاطفة في الحد الأدنى، فقد تعرّضت إسرائيل لهجمات مؤثّرة عسكريا أو اقتصاديا أو سياسيا من جبهات عديدة، أبرزها لبنان، عبر «حزب الله» واليمن، عبر «أنصار الله» الحوثيين، كما ساهمت هجمات ميليشيات محسوبة على إيران على قواعد في العراق وسوريا، في الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الرئيسي لإسرائيل، وأدت هجمات البحر الأحمر لمنع وصول سفن لإسرائيل، إلى فتح احتمالات حرب إقليمية، ولضغوط على الاقتصاد العالمي.
وضّحت الحرب التموضعات العالمية المعهودة، فمقابل الموقف الأمريكي الراعي رسميا لدولة الاحتلال، ظهر موقف الصين المتميّز لصالح الفلسطينيين، حيث رفضت بكين إدانة هجوم «حماس» فيما اعتبرت روسيا ما يحصل حدثا مفيدا لها بعد الإنهاك الذي تعرضت له في أوكرانيا نتيجة الدعم الغربي الكبير لكييف، وقد عكست المواقف السياسية الروسية تجاه غزة هذا الوضع.
أدت جرائم الحرب الإسرائيلية وعدد الضحايا الهائل من المدنيين إلى اندلاع احتجاجات واسعة في مختلف أنحاء أوروبا، مما كشف انقساما واضحا بين الحكومات والشعوب، كما أظهرت انقساما ضمن الحكومات نفسها، فمقابل الدعم المطلق الذي تلقته إسرائيل من بريطانيا وألمانيا، تابعت أيرلندا موقفها الذي تتماهى فيه مع الدول التي كانت خاضعة للاستعمار، كما أظهرت إسبانيا، التي تحكمها حكومة اشتراكية موقفا مشابها.
كان موقف الاتحاد الأفريقي لافتا، ورغم وجود دول، مثل كينيا وغانا، التي انحازت صراحة لإسرائيل، فإن الاتحاد، الذي يضم 55 دولة، أصدر أحد أكثر البيانات تأييدا صريحا للشعب الفلسطيني، ثم جاءت جنوب افريقيا، التي وجدت تشابهات كبيرة بين نضال الفلسطينيين ونضالها ضد الاستعمار الاستيطاني العنصري، لتقدّم أمثولة عالميّة في التضامن، ولتضع الجواب الصحيح على المسألة الإسرائيلية.