بعد يوم من قصف صاروخي لـ«الحرس الثوري الإيراني» على مواقع في العراق وسوريا، نفّذت إيران، يوم الأربعاء الماضي، غارات ضمن باكستان استهدفت، حسب طهران، مقرّين لتنظيم «جيش العدل» وهو تنظيم تعتبره إيران والهند وأمريكا إرهابيا ويصنّف نفسه على أنه «مدافع عن حقوق السنة في إيران» وينشط في إقليمي سيستان وبلوشستان على الحدود الإيرانية مع باكستان وأفغانستان.
سببت الغارات مفاجأة في إسلام أباد فالعلاقات بين البلدين كانت إيجابية في السنوات الأخيرة، ورغم الاتهامات الإيرانية القديمة لباكستان بدعم حكومة طالبان في أفغانستان، واتهامات باكستان لإيران بتمويل الشيعة في باكستان، فقد كان التعاون الاستخباراتي الباكستاني مع إيران سببا في القبض على عبد الملك ريجي، زعيم التنظيم آنف الذكر، عام 2009، كما أن البلدين لم يتورطا في مواجهات كبيرة، ولم تقع بينهما أحداث بحجم القصف الإيراني الأخير والرد الباكستاني عليه.
أكد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أن الضربات الجوية التي نفذتها بلاده في العراق وباكستان «لا علاقة لها بغزة» لكنها «تستهدف إسرائيل» وأنها لم تستهدف العراق بل «قاعدة للموساد» فيه، ولم تستهدف «مواطنين وأصدقاء وأشقاء من جيراننا في باكستان» بل استهدفت «تنظيما إرهابيا إيرانيا» فيها.
ردّت إسلام أباد دبلوماسيا، في يوم الغارة الإيرانية نفسه، عبر طرد السفير الإيراني لديها، واستدعاء سفيرها في طهران، ثم ردّت أمس الخميس، عسكريا، عبر هجوم صاروخي على قرية بعمق 20 كيلومترا من المنطقة الحدودية للبلدين قائلة إنه ضد مخابئ يختبئ فيها إرهابيون من «جيش تحرير بلوشستان» الحركة المسلحة الموجودة داخل إيران، وبذلك استخدمت إسلام أباد الحجج نفسها التي استخدمها عبد اللهيان، وعاد الرئيس الباكستاني، عارف ألفي، للتأكيد، بعد الضربة، أن باكستان وإيران شقيقتان «لكننا نتخذ كافة الإجراءات للدفاع عن أراضينا».
بدوره، قام العراق، بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة، ورفض رئيس وزرائه، محمد شياع السوداني، «أي عمل يتسبب بانتهاك سيادة» البلاد، كما أدانت «الجامعة العربية» الهجوم، فيما وجدت واشنطن، في الأمر مناسبة لعرض «تعزيز الروابط الأمنية» مع بغداد، رغم أنها كانت قد قصفت هي أيضا العراق قبل أيام قليلة!
أعلنت الدول الثلاث سقوط ضحايا مدنيين ومصرع نساء وأطفال في الهجمات التي تعرّضت لها، أما التداعيات الجسيمة التي أعقبتها فلا تشير إلا إلى خسائر سياسية للجميع، وخصوصا أن البلدان الثلاثة ليست في أحسن أحوالها، فإيران خاضعة لعقوبات اقتصادية وسياسية وعسكرية غربية كبيرة، وهي تخوض معارك على أكثر من جبهة، بشكل مباشر، كما يحصل في البحر الأحمر والخليج العربي، حيث صادرت ناقلة النفط «سانت نيكولاس» أو عبر التنظيمات الحليفة لها، في لبنان واليمن وسوريا والعراق.
باكستان أيضا لم تخرج من الأزمة السياسية الأخيرة، التي نجمت عن اعتقال رئيس الوزراء السابق عمران خان، والتي أضرّت بهيبة الجيش، وضربت مصداقية الديمقراطية الباكستانية، كما أن البلاد تعاني من تراجع متصاعد لمؤشرات التنمية البشرية والحكم الرشيد والأمن والقانون، إضافة إلى أنها تعاني من نسب نمو اقتصادي متدنية وارتفاع مستويات الفقر والبطالة والتضخم، بالإضافة إلى علاقاتها المتوترة تاريخيا مع الهند.
كشفت الضربات الأمريكية والإيرانية الأخيرة على العراق الهشاشة الكبرى للنظام السياسي فيه، وإلى تذبذبه بين القوتين الإيرانية والأمريكية، وقد فاقمت العشريتين الأخيرتين مظاهر أزمة هذا النظام، على الصعد الاقتصادية والاجتماعية وأظهرت هول الفساد العام، مما ساهم في الإحباطات المتكررة للحراكات الاجتماعية والسياسية التي حاولت التغيير.
أدّت الضربات الأخيرة إلى توتر إضافي بين دول متجاورة، وأخرجت الصراع الحقيقي الجاري في غزة، والشرق الأوسط، عن سكّته. الغارات كانت، باختصار، رسائل في المكان والزمان الخطأ، وهو ما يفسّر تداعياتها المؤسفة.