إقليم كردستان العراق بين فكي كماشة إيرانية – تركية في غياب الدعم الأميركي

إقليم كردستان العراق بين فكي كماشة إيرانية – تركية في غياب الدعم الأميركي

السليمانية (العراق) – طالبت قيادة حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني دول جوار العراق بتبديد المخاوف والاحتكام للدبلوماسية بعد أن تحوّل إقليم كردستان إلى مسرح لتصفية الحسابات بين القوى المحلية والإقليمية والدولية المتصارعة، وبات خاضعا لضغوط تركية – إيرانية شديدة تجري بتواطؤ من قوى سياسية عراقية، وفي ظل حالة من التقصير والتقاعس من قبل الولايات المتّحدة وحلفائها الغربيين في دعم الإقليم بشكل عملي يتجاوز إطلاق المواقف اللفظية.

وقال رئيس الاتحاد الوطني بافل جلال طالباني إنّ الحزب “حريص على الحل السلمي للمشكلات التي تعيق استقرار المنطقة”. وأضاف خلال استقباله إلينا رومانسكي السفيرة الأميركية لدى العراق “نسعى من أجل وحدة الصف والموقف كي نتمكن من مواجهة التحديات معا ونحمي شعبنا وبلدنا”.

وجاء اللقاء في أعقاب تعرّض منطقة سكنية في مدينة أربيل مركز إقليم كردستان العراق لقصف صاروخي إيراني أوقع قتلى وجرحى مدنيين وخلّف حالة من الغضب الشديد داخل الإقليم وفي عموم العراق.

ومثّل الهجوم مظهرا آخر للضغوط الأمنية والعسكرية الشديدة التي يتعرّض لها الإقليم وتشارك فيها أيضا تركيا من خلال عملياتها العسكرية المتواصلة ضد عناصر حزب العمّال الكردستاني، والتي حولت الكثير من مناطق كردستان العراق إلى ميدان حرب وعقّدت حياة سكانها ومنعتهم من ممارسة أنشطتهم الحياتية اليومية من زراعة وغيرها.

وتندّد دول غربية من بينها المملكة المتّحدة والولايات المتحدة الحليفة الأولى لكردستان العراق وصاحبة الدور الأكبر في تحويله إلى كيان شبه مستقلّ، بالاعتداءات على الإقليم وتحافظ على مستوى مرتفع من التواصل مع قياداته، من دون تقديم ما يكفي من الدعم العملي له في مواجهة الضغوط والاعتداءات التركية والإيرانية.

والتقى رئيس حزب الاتحاد أيضا في أربيل بستيفن هيغن سفير المملكة المتحدة لدى العراق، وقال خلال اللقاء إنّه “ينبغي أن تنظر دول الجوار والمجتمع الدولي باهتمام إلى سيادة أراضي إقليم كردستان والعراق، حيث أن تكرار الهجمات يثير قلقنا والعنف لا يخدم الوضع ويجب أن تنصبّ جهودنا من أجل تحقيق السلام والاستقرار”.

كما استُقبل السفير البريطاني أيضا من قبل نائب رئيس حكومة الإقليم والقيادي في حزب الاتّحاد قوباد طالباني حيث جرى بحث الأوضاع الراهنة.

وقال طالباني خلال اللقاء إن “على دول الجوار تبديد مخاوفها عبر الاحتكام إلى السبل الدبلوماسية والنهج السلمي”، معتبرا أن “لا شيء يستدعي خرق السيادتين العراقية والكردستانية”.

كما شدّد على ضرورة “تكاتف الحكومتين في بغداد وأربيل من أجل السعي لإنهاء تلك الخروقات واتخاذ الإجراءات الضرورية لحل الخلافات، وتكثيف الجهود للحيلولة دون تكرارها”.

وتأتي هذه الدعوة الأخيرة فيما تشهد العلاقة بين الحكومتين حالة من عدم الاستقرار تكاد تصل في بعض الحالات حدّ التوتّر على خلفية ممارسة القوى الشيعية المقرّبة من إيران والمتحكّمة بزمام الحكومة الاتحادية لضغوط سياسية واقتصادية على الإقليم المحسوب من قبل لتلك القوى ضمن صف الموالاة لواشنطن.

وخلق تشدّد بغداد في ملف تحويل الأموال لأربيل صعوبات مالية واقتصادية واجتماعية في إقليم كردستان وذلك بسبب الخلافات على حصة الأخير من موازنة الدولة الاتّحادية، وكذلك على موارد النفط والمعابر الحدودية.

وخلق عدم حصول عمال الإقليم وموظّفيه على أجورهم بشكل منتظم حالة من التململ والغضب الشعبي في الشارع الكردستاني.

تشدّد بغداد في ملف تحويل الأموال لأربيل خلق صعوبات مالية واقتصادية واجتماعية في إقليم كردستان وذلك بسبب الخلافات على حصة الأخير من موازنة الدولة الاتّحادية

وكثيرا ما تتّجه الأنظار إلى واشنطن كوسيط محتمل في حلّ الخلافات بين بغداد وأربيل، على أساس أن الإدارة الأميركية تستطيع الضغط على الحكومة العراقية لثنيها عن التشدّد إزاء مواطنيها الأكراد، لكن ذلك لا يحدث في الواقع بسبب قوة النفوذ الإيراني داخل مفاصل السلطة العراقية.

كذلك لا تبذل الولايات المتحدة سوى مقدار ضئيل من الدعم المالي لكردستان العراق يوجّه لدفع جزء من مرتّبات البيشمركة التي تعتبر حليفا للقوات الأميركية في مواجهة الإرهاب. وقد تحدثت وسائل إعلام أميركية مؤخّرا عن تقليص قيمة تلك المساعدة الأمر الذي اعتبر تراجعا جديدا في الدعم الأميركي للإقليم.

وفي ظل هذه المعطيات يبدو كردستان العراق متروكا لمصيره بين فكي كماشة إيرانية – تركية لا تكف عن الضغط عليه من منطلق حسابات سياسية وأمنية، وأيضا من منطلق عداء قومي مستحكم.

وإذ تعمل طهران وتركيا كلّ لحسابها الخاص في كردستان العراق، فإنّهما تلتقيان عند هدف تحجيم دوره وإضعاف سلطاته منعا لتحوله إلى نواة دولة مستلقة للأكراد في المنطقة.

وكان هذا الهدف قد تجسّد بشكل عملي عندما تعاونت إيران وتركيا مع الحكومة الاتّحادية العراقية لإحباط الاستفتاء الشعبي الذي أجرته سلطات الإقليم حول استقلاله عن الدولة العراقية سنة 2017، من خلال تنفيذهما حصارا سياسيا واقتصاديا عليه وإغلاق منافذه وتعليق التعاون معه في عدّة مجالات.

العرب