دخول باكستان اللعبة يغيّر قواعد الترهيب الإيراني

دخول باكستان اللعبة يغيّر قواعد الترهيب الإيراني

إسلام أباد – ردت باكستان بسرعة على الهجوم الإيراني داخل أراضيها بهجوم مضاد على مواقع لمجموعات مسلحة مدعومة من طهران، ما يشير إلى أن دخول إسلام أباد اللعبة سيغير قواعد الترهيب الإيراني في المنطقة.

واستفاد الإيرانيون بشكل كبير من ارتباك الإدارات الأميركية المتعاقبة ما شجعهم على التدخل في عدة دول بالمنطقة، سواء أكان ذلك بشكل مباشر أم عن طريق وكلاء محليين.

وأظهرت الضربات التي استهدف بها الحرسُ الثوري قبل أيام مواقعَ في إقليم كردستان العراق أن إيران باتت تتصرف دون مراعاة لسيادة دول المنطقة، خاصة إثر اتساع دائرة تدخلاتها عبر الوكلاء في العراق وسوريا واليمن ولبنان.

وأرسل الرد الباكستاني السريع، وما تلاه من تنبيه صريح لإيران يحذّرها من مغبّة القيام بأي “مغامرة غير محسوبة”، إشارة مباشرة إلى إيران تؤكد أن باكستان تختلف كليا عن الدول التي تجرّأت طهران على استهدافها أو اخترقتها عن طريق وكلائها لاعتبارات طائفية أو بتوظيف شعارات “المقاومة”.

الجيش الباكستاني، صاحب الكلمة الفصل، قد يكون تحرك حتى من دون إذن رئيس الحكومة وربما باطلاع الرئيس فقط

وما يفسر التحرك القوي لإسلام أباد أن الجيش الباكستاني هو صاحب الكلمة الفصل في القضايا الكبرى، وأنه قد يكون تحرك حتى دون إذن رئيس الحكومة أنوار الحق كاكر وربما باطلاع الرئيس عارف علوي فقط لتأكيد أن باكستان لا تساوم في قضايا الأمن القومي، وأن البلد الذي لديه استعداد على مناطحة الهند من أجل كشمير ووحدة أراضي باكستان لا يمكن أن يسكت على عدوان إيراني قد يمهد الصمت عليه لهجمات أخرى وتدخلات أكثر وضوحا كما يحصل في العراق وسوريا.

وقالت وزارة الخارجية الباكستانية إن إسلام أباد نفذت الخميس ضربات داخل إيران استهدفت مسلحين انفصاليين من البلوش بعد مرور يومين على إعلان طهران أنها هاجمت قواعد تابعة لمسلحين داخل الأراضي الباكستانية.

وقال مصدر من المخابرات الباكستانية إن الضربات نفذتها طائرات عسكرية. ويشن الجيش الباكستاني منذ عقود هجمات على مجموعات انفصالية في منطقته الحدودية ذات الكثافة السكانية المنخفضة.

وذكرت وسائل إعلام إيرانية أن عدة صواريخ أصابت قرية في إقليم سيستان وبلوشستان المتاخم لباكستان، مما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص على الأقل.

وشهدت العلاقات بين باكستان وإيران توترا في الماضي، لكن الضربات العسكرية هي أكبر عملية توغل عبر الحدود في السنوات القليلة الماضية.

وأضافت وزارة الخارجية الباكستانية في بيان أن “الهدف الوحيد من تحرك اليوم (الخميس) كان السعي لتحقيق أمن باكستان ومصالحها الوطنية، وهو أمر بالغ الأهمية ولا يمكن المساس به”.

وقال مسؤول أمني باكستاني كبير إن الجيش في حالة تأهب قصوى وسيواجه أي “مغامرة غير محسوبة” من الجانب الإيراني بقوة.

ويعتقد محللون سياسيون أن إيران لن تغامر بالتصعيد لعدة اعتبارات؛ من أبرزها أنها تعرف جدية التهديد الصادر عن الجيش الباكستاني، وكذلك عدم جاهزيتها لحرب قد تُشغلها عن تنفيذ تدخلاتها الأخرى في الإقليم والاستمرار في مشاغلة الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية عبر وكلائها المحليين، وهو أسلوب ضَمن لها اهتماما دوليّا ومكاسب ميدانية، من ذلك قدرتها على تهديد الملاحة في البحر الأحمر.

واستعرضت إيران عضلاتها في المنطقة قبل توغلها عبر الحدود في باكستان. وشنت هجمات على سوريا ضد ما تعتبره مواقع لتنظيم داعش، وعلى العراق ضد ما قالت إنه مركز تجسس إسرائيلي. وسبق أن قصفت مواقع في العراق بزعم استهداف معارضين أكراد إيرانيين.

وإذا لم تجد من يوقفها عند حدها، مثلما فعلت باكستان، فإن إيران ستتمادى في أنشطتها العسكرية المباشرة وغير المباشرة، وقد تشمل دولا أخرى في الإقليم. ولا يقيم الإيرانيون وزنا لبيانات التنديد التي تصدر عن الولايات المتحدة أو بعض الدول الأوروبية مثل بريطانيا، ويعرفون أن تلك البيانات لا تتجاوز مجرد تسجيل الحضور.

ديفيد كاميرون حث إيران على استخدام نفوذها لدى الحوثيين لمنع المزيد من التهديدات في البحر الأحمر
ندد بالهجمات التي وقعت في أربيل وأودت بحياة المواطن البريطاني العراقي كرم سريدار
والتقى وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان الأربعاء في دافوس.

وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية البريطانية إن كاميرون ندد بالهجمات التي وقعت في أربيل بالعراق وأودت بحياة المواطن البريطاني العراقي كرم سريدار، وإنه حث إيران على استخدام نفوذها لدى الحوثيين لمنع المزيد من التهديدات في البحر الأحمر.

وتشير تعليقات باكستان بعد ضرباتها الانتقامية إلى الرغبة في إبقاء الخلاف تحت السيطرة، لكن محللين حذروا من سيناريو مختلف.

وقال إسفنديار مير، الخبير البارز في أمن منطقة جنوب آسيا بالمعهد الأميركي للسلام، “إن الدوافع التي جعلت إيران تهاجم باكستان مازالت غامضة، لكن يمكن أن تتصاعد الأمور في ضوء التصرفات الإيرانية في المنطقة”.

وأضاف “ما سيقلق طهران هو أن باكستان تجاوزت خطا بضربها داخل الأراضي الإيرانية، وهو خط حرصت حتى الولايات المتحدة وإسرائيل على عدم تجاوزه”.

وقال خواجة آصف، وزير الدفاع الباكستاني حتى أغسطس الماضي، “إن الإجراء كان انتقاميا”. وأضاف في حديثه لقناة جيو التلفزيونية “الرد كان مدروسا ومهما… ويجب أن تستمر الجهود منْعا للتصعيد”.

وأدانت إيران الضربات واستدعت القائم بالأعمال الباكستاني “لتقديم احتجاج وطلب تفسير من الحكومة الباكستانية”.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني “إن إيران تدين بشدة الضربات”، مضيفا أنه تم استدعاء القائم بالأعمال الباكستاني، وهو أكبر دبلوماسي باكستاني في طهران، لتقديم تفسير.

العرب