استراتيجية “محور المقاومة” في الحرب بين إسرائيل و”حماس”

استراتيجية “محور المقاومة” في الحرب بين إسرائيل و”حماس”

لم تواجه طهران الكثير من العواقب على تصرفات وكلائها في زمن الحرب، لذا يجب على الولايات المتحدة وحلفائها تكثيف عقوباتهم والعمل في “المنطقة الرمادية” ضد النظام الإيراني.

أدى الهجوم الإرهابي الوحشي والاعتداء على إسرائيل الذي نفذه تنظيم “حماس” الجهادي في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وقتل فيه حوالي 1200 شخص واختطف 240 آخرين، إلى اشعال الحرب المستمرة مع إسرائيل. وبالإضافة إلى الصراع المحتدم الذي اندلع أولاً في جنوب إسرائيل والآن في غزة، شهدت الحرب معارك نشطة في المناطق المحيطة في لبنان وسوريا والضفة الغربية، وحتى في العراق واليمن. ويضم “محور المقاومة” الذي أنشأته وقامت برعايته جمهورية إيران الإسلامية مجموعة منظمات ترعاها إيران في مختلف هذه المناطق وتهدف إلى توسيع نطاق النفوذ الإيراني وتدمير إسرائيل. ومن هذه المنظمات “حماس” و”حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين” وغيرها من الجماعات المتمركزة في غزة، أما “حزب الله” اللبناني، و”أنصار الله” في اليمن (الحوثيون)، والميليشيات العراقية – “بدر”، و”كتائب حزب الله”، و”عصائب أهل الحق”، و”حركة النجباء”، وغيرها – فهي فروع إضافية للمحور.

وتدعم جميع هذه الجماعات حركة”حماس” في الحرب ونفذت عمليات قتالية مختلفة لمساندتها. وفي هذا السياق، يستعرض هذا المقال النُهج المتنوعة التي تعتمدها هذه الجماعات للتأثير على الصراع، بدءاً من مركز الحرب في غزة وحتى النظر في المسارح الأخرى. وعلى الرغم من قيام إيران بتمكين هذه الجماعات، إلا أنها حظيت بأقل قدر من الاهتمام؛ ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها بذل جهود أكبر لمواجهة الجمهورية الإسلامية مع تزايد التهديد الذي تشكله.

“حماس” تهدف إلى إشعال المنطقة

تشكل “حماس” محور هذه الحرب حيث أشعلت القتال عندما هاجمت إسرائيل، وبذلك قضت على اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه سابقاً مع إسرائيل في عام 2021. وتشير الأدلة التي جُمعت من ساحة القتال إلى أن “حماس” سعت بسرعة إلى احتلال مساحات كبيرة من الأراضي في جنوب إسرائيل، وفي الوقت نفسه إثارة انتفاضة في صفوف العرب المقيمين في الضفة الغربية الخاضعة لسيطرة إسرائيل، وداخل الحدود السيادية لإسرائيل. كما كانت تأمل في أن ينضم “حزب الله” إلى الحرب ويفتح جبهة شمالية ضد إسرائيل. ووفقاً للجيش الإسرائيلي قامت “حماس” وجماعات إرهابية أخرى في غزة بنشر ما لا يقل عن 3 آلاف مقاتل مدججين بالسلاح لاختراق السياج الحدودي الإسرائيلي بواسطة المركبات البرية والمظلات الشراعية والقوارب، واقتحام المجتمعات المحلية على عمق وصل إلى 25 كيلومتراً داخل الأراضي الإسرائيلية، وتم ذلك بالتزامن مع إطلاق وابلاً هائلاً من 3 آلاف صاروخ لإرباك الدفاعات الإسرائيلية. واستغلت الحركة مكاسبها لارتكاب الفظائع بحق سكان المجتمعات الحدودية، إلا أن ما حققته من نجاح أولي وما ارتكبته من أعمال شنيعة لم يؤدّ إلى تمرد عربي، كما تصدّت إسرائيل حتى الآن بفعالية للنشاط الإرهابي المتزايد الذي يُحرّض عليه نشطاء “حماس” بالدرجة الأولى في الضفة الغربية. وقد استغرق الأمر عدة أيام للجيش الإسرائيلي لهزيمة المهاجمين وشن هجوم مضاد.

وعندما بقيت “حماس” محصورة في قطاع غزة دون فتحها جبهة رئيسية أخرى، انتقلت الحركة إلى استراتيجية الدفاع عن الأرض وتحديداً في المراكز الحضرية، بهدف كسر العزيمة الإسرائيلية على مواصلة الحرب. وهنا تبرز شبكة الأنفاق الضخمة التابعة لـ “حماس” تحت الأرض في غزة – والتي تزعم الحركة أنها تمتد لمسافة 300 ميل وتصل إلى 20 طابقاً –وتمكّن مقاتليها من التحرك في الخفاء وتجنب الغارات الجوية والمدرعات وسلاح المدفعية الإسرائيلية بينما يقومون أيضاً بنصب الكمائن للوحدات الإسرائيلية المتقدمة من فتحات مخفية. وفي الوقت نفسه، تضع الحركة الصواريخ والأسلحة الصغيرة والمتفجرات وغيرها من الأصول فضلاً عن النشطاء في مساكن وأحياء مدنية، وتستخدم المدنيين كدروع بشرية لتعقيد عمليات الجيش الإسرائيلي. كما تستخدم الرهائن الذين احتجزتهم في 7 تشرين الأول/أكتوبر كوسيلة للضغط على إسرائيل لإبطاء عملياتها أو وقفها. وبالإضافة إلى ذلك، تدعو “حماس” المتعاطفين معها إلى “الانتفاضة” في الخارج وتخطط لشن هجمات إرهابية في (الدول) الغربية لممارسة المزيد من الضغوط.

وبشكل عام، وبعد فشل الاستراتيجية العسكرية الهجومية التي تهدف إلى ضغط متعدد الجبهات على إسرائيل، انكفأت “حماس” إلى استراتيجية دفاعية تسعى إلى إلحاق الأذى بالقوات الإسرائيلية المتقدمة وتحويل الرأي العام الدولي ضدها لإرغامها على وقف الهجوم المضاد الذي يشنه جيش الدفاع الإسرائيلي. ويذكّر نهج “حماس” الحالي بما أسماه الجنرال الإسرائيلي المتقاعد، إيتاي برون، “ثورة في الشؤون العسكرية من نوع آخر”، وهو “أسلوب حربي” ابتكرته إيران و”حزب الله” ويركز على القدرة على استيعاب الضربات والقدرة على البقاء لكسب “الحرب من خلال عدم خسارتها”. وتختبر الآن الحرب الحالية هذا النهج، حيث أعلنت إسرائيل أن هدفها هو تفكيك “حماس” في غزة، ويبدو أنها مستعدة لدفع ثمن باهظ لتحقيق هذا الهدف.

“حزب الله” يُبقي الجيش الإسرائيلي مشغولاً في شمال البلاد

يُعد “حزب الله” اللبناني، الوكيل الأقدم لإيران، أفضل تجهيزاً من “حماس” وأقوى وأكبر منها. ويمتلك الحزب ترسانة تضم ما يصل إلى 150 ألف صاروخ، أي عدة أضعاف ما تمتلكه “حماس”، ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة “هآرتس” عام 2016، يبلغ عدد أفراد قوته ما لا يقل عن21 ألف مقاتل بدوام كامل وعدد مماثل من جنود الاحتياط. واستفاد الحزب من الرعاية الإيرانية والتمويل الإيراني السخي على مدى سنوات، فضلاً عن الخبرة القتالية في التمرد والحرب مع إسرائيل بالإضافة إلى “الحرب الأهلية السورية”. وقد استضاف “حزب الله” حركة “حماس” في لبنان وقام بتدريب بعض مقاتليها، وكانت هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر تشبه إلى حد كبير خطة عملياتية لـ “حزب الله” تم الكشف عنها في عام 2012 للاستيلاء على شمال إسرائيل.

وعلى الرغم من آمال “حماس” وقوة “حزب الله”، فقد أثبت الحزب تردده في الدخول في الحرب بشكل كامل، حيث كان راضياً بدلاً من ذلك بالانخراط في هجمات على نطاق أصغر على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية لإبقاء الجيش الإسرائيلي منشغلاً. وقد تفاخر زعيم “حزب الله”، حسن نصر الله، (بسياسته التي أسفرت عن) حشد “ثلث” الجيش الإسرائيلي في شمال البلاد، في إشارة من الحزب إلى جمهوره بأن أنشطته الحالية كافية. ومع أن الحزب لم يؤثر على الأرجح بشكل كبير على اتجاه الحرب في غزة، إلا أنه شن الكثير من الهجمات المتواصلة بالقذائف والصواريخ المضادة للدبابات والرصاص مما دفع إسرائيل إلى إخلاء العشرات من المجتمعات الحدودية الشمالية للبلاد التي تضم عشرات الآلاف من الأشخاص. ويفرض ذلك تكاليف على إسرائيل حيث كان عليها تخصيص موارد كبيرة لدعم ما يقرب من 200 ألف شخص نزحوا من جنوب البلاد وشمالها بسبب الحرب. وطالبت إسرائيل بسحب قوات “حزب الله” من الحدود اللبنانية وواصلت أيضاً جهوداً دبلوماسية لحمله على القيام بذلك. ويبقى هذا الوضع غير مقبول بالنسبة لإسرائيل، مما يزيد من احتمالات التصعيد في ظل غياب أي حل (في الوقت الحالي).

ومع ذلك، دفع “حزب الله” ثمناً حتى مقابل هذه الأعمال المحدودة، إذ أدت الضربات الانتقامية الإسرائيلية إلى مقتل أكثر من 150 عنصراً من عناصره حتى الآن. وعند مشاهدة تطور الأحداث في غزة، حيث يزعم الجيش الإسرائيلي أنه قتل ما لا يقل عن 8 آلاف عنصر من “حماس”، ومع قدوم حاملات الطائرات الأمريكية إلى البحر الأبيض المتوسط، يخشى “حزب الله” على الأرجح مما قد يتعرض له إذا قرر التصعيد. وإذا كان هذا صحيحاً، فإن التقارير التي تفيد بأن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أخبر رئيس المكتب السياسي لـ “حماس” إسماعيل هنية، في تشرين الثاني/نوفمبر، أن إيران لن تنضم إلى الحرب، تشير إلى أن “حزب الله” لن يُصعّد الحرب. وبالتالي، من المرجح أن يستمر الحزب في مضايقة مواقع الجيش الإسرائيلي على طول الحدود لإبقاء القوات الإسرائيلية منشغلة.

اختبار العزم الأمريكي والدولي من العراق واليمن

أعربت الجماعات الوكيلة لإيران في العراق واليمن، أيضاً عن تضامنها مع “حماس” وحاولت إضعاف الدعم الدولي لإسرائيل. وقد أحصى خبراء من “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” (حتى تاريخ كتابة هذه السطور) 144 هجوماً بالصواريخ والطائرات المسيّرة وقذائف الهاون على قواعد أمريكية في العراق وسوريا منذ 18 أكتوبر/تشرين الأول، تبنتها الميليشيات العراقية المدعومة من إيران. وفي 10 تشرين الأول/أكتوبر، هدد قائد ميليشيا “منظمة بدر”، هادي العامري، بمهاجمة “جميع الأهداف الأمريكية” إذا “تدخلت الولايات المتحدة في المعركة مع «حماس»“. وفي 24 أكتوبر/تشرين الأول، هددت مجموعة تابعة لميليشيا “كتائب حزب الله”بمهاجمة القوات الأمريكية في الإمارات العربية المتحدة والكويت.

وفي حين استمرت الميليشيات بضرب القواعد الأمريكية بوتيرة ثابتة (لم تتوقف إلا لفترة وجيزة التزاماً بالهدنة بين إسرائيل و”حماس” في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر)، إلا أنها لم تؤثر على الدعم الأمريكي لإسرائيل. وفي الواقع، ظلت الولايات المتحدة تقف بقوة وراء إسرائيل في الحرب. وفي الوقت نفسه، من الضروري أن تكون القوات الأمريكية في حالة تأهب قصوى في حالة سعي الميليشيات إلى تصعيد الهجمات، وقد أدى الانتقام الأمريكي ضد الميليشيات في العراق إلى إثارة التوترات مع الحكومة العراقية، التي أدانت ضربة 22 تشرين الثاني/نوفمبر التي أسفرت عن مقتل ثمانية من أعضاء “كتائب حزب الله” ووصفتها بأنها “تصعيد خطير”. وبعد يوم من الضربة الانتقامية الأمريكية في 4 كانون الثاني/يناير في بغداد والتي أدت إلى مقتل أحد كبار أعضاء ميليشيا “حركة النجباء”، أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عن نية حكومته سحب القوات الأمريكية من العراق.

وفي السياق نفسه، أطلق الحوثيون، من أراضيهم في شمال اليمن،صواريخ بعيدة المدى على جنوب إسرائيل وهاجموا سفن الشحن التجارية قبالة الساحل اليمني. إلّا أنه لم يكن لهذه الضربات تأثير مادي كبير، باستثناء بعض الحالات المهمة، حيث اعترضت السفن الحربية الأمريكية وحتى الدفاعات الجوية السعودية بعض الصواريخ والطائرات المسيّرة التي كانت تقترب من الأراضي الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، أطلق الحوثيون، على الرغم من فشلهم في التسبب في أي ضرر، صاروخين باليستيين على الأقل على إسرائيل، وهو تهديد لم تواجهه إسرائيل منذ أن أطلق العراق صواريخ “سكود” على إسرائيل في عهد صدام حسين في عام 1991. كما أسقط الحوثيون طائرة مسيّرة أمريكية من طراز “إم كيو-9 ريبر”، وقصفوا السفن التجارية التي تعبر البحر الأحمر بالصواريخ، حتى أنهم اختطفوا بواسطة طائرة مروحية سفينة شحن واحدة على الأقل مرتبطة بإسرائيل. وتؤثر هذه الهجمات سلباً على التجارة البحرية العالمية، حيث أوقفت الشركات الدولية الكبرى، مثل “بريتيش بتروليوم”، مؤقتاً عمليات الشحن في البحر الأحمر رداً على هجمات الحوثيين وبدأت في استخدام طريق “رأس الرجاء الصالح” الأطول مسافة والأكثر تكلفة. ولوضع هذا التهديد في منظوره الصحيح، تقدر “الغرفة الدولية للشحن” أن 12% من التجارة البحرية العالمية تمر عبر البحر الأحمر.

إيران تغذي عدم الاستقرار

على الرغم من من الدور المحوري الذي تضطلع به الجمهورية الإسلامية في تسليح هذه الجماعات من “محور المقاومة” وتدريبها وتمويلها وبنائها، إلا أن إيران لم تواجه عواقب تُذكر نتيجة لأعمالها المزعزعة للاستقرار في الحرب الحالية. وفي الواقع، واصلت إيران دعم هذه الجماعات؛ بالإضافة إلى ذلك، وفقاً “للوكالة الدولية للطاقة الذرية”، زادت إيران إنتاجها من المواد النووية التي تكاد تكون صالحة لصنع أسلحة ذرية. وردت إسرائيل على ضربات “حماس” و”حزب الله”، في حين ردت الولايات المتحدة على الميليشيات في العراق، وشكلت تحالفاً من عشر دول لمواجهة الحوثيين في البحر الأحمر. وفي المقابل، لم تواجه إيران حتى الآن أي رد انتقامي جدي، باستثناء رد واحد مهم تمثل في شن غارة جوية إسرائيلية على ما يبدو في سوريا أدت إلى مقتل جنرال في “الحرس الثوري الإسلامي الإيراني”.

يجب على إيران أن تواجه عواقب سلوك الجماعات التي ترعاها. فالصواريخ والقذائف التي تملكها هذه الجماعات تأتي من إيران، أو أنها تعلمت كيفية تصنيعها برعاية إيران. وقد مكّن التدريب العسكري وتهريب الأسلحة من جانب إيران، برعاية “الحرس الثوري الإيراني”، حركة “حماس” و”حزب الله” والحوثيين والميليشيات العراقية الرئيسية وغيرها من ترهيب إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائها. ويشكّل إضعاف هذه المنظمات مهمة هامة، لكنها ستستمر في التجدد وتشكل تهديدات كبيرة ما لم يعاني النظام الإيراني أيضاً.

هناك العديد من مسارات العمل التي يمكن للولايات المتحدة وحلفائها اتخاذها لمواجهة هذا التهديد. أولاً، قد يسهل عليها بصورة أكثر العمل في “المنطقة الرمادية” ضد إيران، من خلال القيام بأعمال تخريبية أو عمليات استخباراتية أو غيرها من الإجراءات التي لا ترقى إلى مستوى الحرب لإلحاق الضرر بالجمهورية الإسلامية. وقد تستهدف هذه العمليات أصول “الحرس الثوري الإسلامي الإيراني” أو البنية التحتية النووية داخل إيران. ثانياً، بإمكان الولايات المتحدة تشديد نظام العقوبات ضد إيران والاستفادة من الدبلوماسية الصارمة لإجبار المزيد من الدول على الامتثال. ومن شأن هذه الإجراءات أن تبعث برسالة واضحة إلى إيران مفادها أنها لا تستطيع الاستمرار في نشاطها الضار دون أن تتحمل تكلفته. فالمحاربة الحقيقية لـ”محور المقاومة” تعني تفكيكه من رأسه، وليس مهاجمة أذرعه فقط.