تونس في مرمى ارتدادات هيكلة دعم الوقود في ليبيا

تونس في مرمى ارتدادات هيكلة دعم الوقود في ليبيا

تونس – حذر خبراء من ظهور علامات أشد وطأة على التوازنات المالية لتونس، المختلة أصلا، بفعل الخطوة التي تنوي ليبيا القيام بها في علاقة بإعادة هيكلة دعم الوقود لمحاصرة ظاهرة التهريب المتفشية في البلد النفطي.

واعتبر المعهد العربي لرؤساء المؤسسات في تقرير حديث نشرته وكالة الأنباء التونسية الرسمية أن القرار المثير للجدل، الذي أعلنت عنه الحكومة الليبية مؤخرا، ستكون له تداعيات مباشرة وغير مباشرة على تونس.

وتدور نقاشات بين المسؤولين الليبيين حاليا حول هذا الملف بهدف الوصول إلى صيغة توافق، قال عنها رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة إنها “ستضمن حق المواطنين بعيدا عن مصالح المهربين”.

وأكد الدبيبة في مقطع فيديو نشره على حسابه الرسمي عبر منصة فيسبوك، أن إقرار أي إجراءات “مشروط بقبول الناس، وأن يكون مردودها المالي مباشرا في جيب المواطنين”.

ويكلف بند دعم الوقود في ليبيا سنويا نحو 4 مليارات دينار (835.5 مليون دولار) من ميزانية الدولة، بحسب التقديرات الحكومية.

ووفق تصريحات سابقة للدبيبة، فإن نصف الميزانية تقريبا تذهب في دعم الوقود، حيث يتم شراء اللتر بنحو 3.5 دينار (0.73 دولار)، ويتم بيعه بنحو 0.15 دينار.

وتعد ليبيا، ثاني بلد يمتلك أرخص أنواع المحروقات في العالم بعد إيران، ويبلغ سعر اللتر الواحد للديزل، حاليا، نحو 0.03 دولار.

ورجح المعهد التونسي، وهو مركز دراسات مستقل، أن يؤدي هذا القرار، الذي تم الإعلان عنه في العاشر من يناير الجاري بهدف مكافحة التهريب “المفرط” في ليبيا، إلى زيادة الطلب على المحروقات التونسية.

وأرجع خبراء المعهد ذلك إلى أن العديد من التونسيين المقيمين على الحدود مع ليبيا سيلجؤون بموجب القرار إلى التزود بالوقود من السوق المحلية. وشددوا على أن تنامي الطلب ستترتب عليه آثار متناقضة.

وفسر الخبراء ذلك بأن التناقض سيتمثل في تسجيل زيادة في العائدات الضريبية للدولة، خاصة وأن هذا المنتج محتكر من قبل القطاع العام عن طريق الشركة التونسية لصناعات التكرير.

في المقابل، ستؤدي الزيادة على الطلب إلى ارتفاع واردات الوقود، الأمر الذي سيتولد عنه استنزاف الاحتياطات النقدية من العملات الأجنبية التي بلغت مع بداية العام الجاري نحو 26.3 مليار دينار (8.45 مليار دولار).

وتعد تونس من بين البلدان التي تعتمد بشكل كبير على واردات الطاقة باعتبارها لا تنتج النفط والغاز بما يسد الطلب المحلي، وهي تشتري شحنات من مصادر مختلفة وقد كثفت في الأشهر الأخيرة مشترياتها من الوقود من روسيا.

وتمكن البلد الذي يمر بأزمة اقتصادية حادة من السيطرة على مستوى العجز التجاري للطاقة العام الماضي، في مؤشر اعتبره البعض أنه قد يمنح السلطات دافعا للمزيد من خفض نفقات الاستيراد خلال 2024 مع تراجع الأسعار في الأسواق العالمية.

وأظهرت بيانات المرصد الوطني للطاقة والمناجم في مذكرة مؤخرا أن عجز الميزان التجاري للطاقة تقلص في الأشهر الأحد عشر الأولى من العام الماضي بواقع 6 في المئة بمقارنة سنوية ليبلغ 8.36 مليار دينار (2.7 مليار دولار).

ليبيا تحاول مكافحة ظاهرة التهريب التي تستنزف جزءا من دعم الوقود البالغ سنويا حوالي 835.5 مليون دولار

وأشارت الإحصائيات كذلك إلى انخفاض قيمة الصادرات بنسبة 27 في المئة، والواردات بنسبة 13 في المئة وخاصة على مستوى واردات النفط الخام التي تراجعت قيمتها مع نهاية نوفمبر الماضي بنسبة 36 في المئة.

ويرى خبراء المعهد أن تونس مطالبة بالحفاظ على احتياطاتها النقدية خلال الوضع الحالي من أجل تحسين نموها الاقتصادي والإيفاء بتعهداتها بسداد الدين الخارجي والمقدر بنحو 925.4 مليون دولار مستحقة في فبراير المقبل.

وإلى جانب ذلك، أشاروا إلى أن زيادة الطلب على المحروقات في تونس قد تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الدعم لتونس، التي تعمل حاليا “على موازنة ماليتها العمومية”. ويشكل إلغاء دعم الوقود في تونس أهم النقاط التي تشكل خلافا مع صندوق النقد الدولي والتي يتضمنها الاتفاق في أكتوبر 2022 بشأن قرض بقيمة 1.9 مليار دولار.

ويتراوح سعر البنزين بنوعيه العادي والممتاز في السوق التونسية بين 2.25 و2.85 دينار (0.8 و0.92 دولار)، أما الديزل بنوعيه العادي والممتاز فيتراوح بين 1.98 و2.55 دينار (0.65 و0.82 دولار).

وبالإضافة إلى التداعيات الاقتصادية على تونس، تبرز الآثار الاجتماعية جراء القرار الليبي، لاسيما وأن العديد من التونسيين يعيشون قرب المناطق الحدودية “ويعتمدون على القنوات غير المنظمة”، و”يمكن أن يجدوا أنفسهم في مواجهة وضعيات صعبة”.

ولمواجهة هذه المشكلة وتفاديها، دعا المعهد أصحاب القرار إلى ضرورة التحرك “السريع والعاجل” من أجل اعتماد القوانين المتعلقة بالطاقات المتجددة، بهدف تكريس السيادة الوطنية للطاقة وفي الوقت ذاته مكافحة التغيرات المناخية.

العرب