قواعد الاشتباك… الرؤية الأمريكية الإيرانية الإسرائيلية

قواعد الاشتباك… الرؤية الأمريكية الإيرانية الإسرائيلية

منحت الأحداث التي جرت في الأشهر الأخيرة من سنة 2023 وفي مناطق عديدة من العالم حظيت باهتمام عالمي ومتابعة من وسائل الإعلام الدولي والإقليمي وأعطتها مساحات واسعة من التغطية الميدانية والتفاعل الإنساني والمتابعة الجدية لأهمية الحدث ونتائجه على مستوى المتغيرات العسكرية والتجاذبات السياسية التي ستتمخض عنها حال الانتهاء من عملية المواجهات، وهنا نشير إلى أحداث فجر يوم السابع من تشرين الأول 2023 وما تلاها من مواجهات عسكرية وقتالية في الميدان وحرب بربرية وإبادة جماعية للأبرياء في قطاع غزة، مع استمرار القتال بين حركة حماس والقوات الإسرائيلية، وعندما نشير إلى هذه الوقائع لأنها أعطت مساراً واضحاً وبأبجديات دقيقة ومفهوم واسع للقتال واستخدمت فيها مصطلحات عسكرية وكلمات تحمل في مضمونها إجراءات تعبوية ومنها مصطلح ( قواعد الاشتباك) والتي أصبحت ذات دلالة واقعية يمكن ملاحظتها في طبيعة الفعاليات والعمليات العسكرية التي تقوم بها إسرائيل تجاه الأراضي السورية او الفعاليات التي تشنها الفصائل المسلحة على قواعد ومقرات القوات الأمريكية في العراق وسوريا والتي يمكن من خلالها فهم الإلتزام الميداني الذي تتبعه الأطراف المتصارعة في تمسكها بقواعد الاشتباك التي تعرف على أنها مجموعة السياسات والضغوط السياسية والتعبوية الرسمية التي تضبط السلوك القتالي لطرفي النزاع من حيث استخدامهم قدراتهم القتالية، بعدم التعرض على الأهداف التعبوبة داخل حدود اي منهما والمقصود هنا، أن إسرائيل وإيران ملتزمة بعدم شن أي هجمات تعرضية تستهدف أمنها الداخلي وضمن الحدود الجغرافية والجيو سياسية وإنما تستخدم أسلوب (المواجهة بالوكالة) عبر العديد من الفصائل المسلحة التي تمتلك نفوذاً على الأرض في بعض الاقطار العربية، ويمكن لها أن تستهدف المواقع والقواعد الأمريكية وبعض الأهداف الإسرائيلية، وكذلك الحال بالنسبة لإسرائيل فإنها لا زالت مستمرة في عملياتها الهجومية وفعالياتها الجوية في اغتيال مسؤولي النظام الإيراني العاملين في فيلق القدس والقيادات العسكرية في الحرس الثوري الإيراني، وهذا ما يمكن الاصطلاح عليه بمفهوم ( الصراع بالوكالة)، أي أن هناك أدوات ووسائل تستخدم من قبل المؤسسات الأمنية والعسكرية الإيرانية والإسرائيلية في مراحل معينة للحفاظ على حالة التوازن السياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط والحفاظ على مصالح الطرفين وتحقيق الغايات والأهداف التي تخدمهما.
تبقى قواعد الاشتباك قائمة بين طهران وتل أبيب وواشنطن دون أي تغيير في مساراتها وأهدافها وعبر العديد من العمليات التي لا زالت ضمن اهتمامات الحرس الثوري ومن أهمها ما يحدث من تعرضات مستمرة على محافظة أربيل باستهداف مقرات لأجهزة أمنية إقليمية حسب ادعائها أو عبر استخدام الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية متوسطة المدى في التعرض على قاعدة حرير الأمريكية عبر منصات تابعة لفصائل مسلحة ترتبط بالحرس الثوري الإيراني، وهي بذلك تعمل على عدم استهداف إسرائيل مباشرة او عدم قيام إيران التعرض على أهداف أمريكية في منطقة الشرق الأوسط وتركها لفعاليات تقوم بها فصائل مسلحة تعمل لصالحها.
يسعى النظام الإيراني لاثبات وجوده ويرى ان التوازن الإقليمي لا يسير ضمن أهدافه او اعتباره قوة عسكرية ذات تأثير مهم على مجمل الأحداث الجارية في المنطقة، ويرغب في الاعتراف به كقوة إقليمية لها إمكانياتها ويمكن لها ان تكون إحدى المفاصل الرئيسية التي تشكل أهمية بالغة في التوازنات الدولية في منطقة مهمة ذات أبعاد إستراتيجية ومصالح دولية لدول عظمى وكبيرة لها أهدافها وغاياتها في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي.
ان الولايات المتحدة الأمريكية ليس لها أي توجهات في إضعاف النظام الإيراني وإنما احتوائه وتأكيد رغبتها في بقائه كأداة مهمة في مواجهة منافسيها الإقليمين وابقاءالوضع العام في المنطقة بحالة من التأزم وعدم استقرار الأوضاع الأمنية فيها حتى لا تكون هناك أي إمكانية لاستثمارات مالية كبيرة ذات عوائد إقتصادية تخدم مشاريع تنموية تحرص عليها دول منافسة لها كالصين وروسيا.
كما ان إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عملت على عدم التوسع في سياسة الاحتواء لإيران وإنما استندت لسياسة جديدة ساهمت في تقديم المحفزات لابقاء مساحة من التوافق الأمريكي الإيراني ضمن محاور الاتفاق الاستراتيجي في المنطقة بتقديم تنازلات من قبل واشنطن لطهران كما حدث في صفقة السجناء والابتعاد عن مناقشة التطور الكبير في برنامج الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة وطبيعة التمدد والنفوذ الإيراني في بعض الاقطار العربية، كل ذلك من أجل الإنتهاء من صفقة البرنامج النووي الإيراني وإيجاد إتفاق جديد يرضى جميع الأطراف وعدم تصعيد التوتر في العلاقات بل ابقائها عند مستويات من التفاهم الذي يحقق المصالح المتبادلة، وهذا ما حدث في الحرب القائمة في قطاع غزة والاتفاق الضمني بعدم التوسع في جبهات أخرى وحصر المواجهة والقتال بين مقاتلي حماس والقوات الإسرائيلية ضمن المحيط الجغرافي والمساحة الممتدة في مجمل قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية.
وتعتبر غزة نموذجاً حياً لقواعد الاشتباك بين إيران وامريكا إذ أعلنت إدارة بايدن أن إيران ليس لديها علاقة بطوفان الأقصى، كما حرصت إيران على عدم الاشتباك في المأساة التي يعيشها القطاع والاكتفاء بشعارات التأييد المعنوي، لا تريد إيران أن تخسر ما جنته من صفقتها مع واشنطن التي استطاعت فيها الحصول على 10 مليارات من الأموال المجمدة، وتسعى للاستمرار في عقد صفقات معها للحصول على مزيد من المحفزات التي تساهم في رفع العقوبات عنها واستحصال المزيد من الأموال المجمدة،
وتوسعت حالة قواعد الاشتباك بين طهران وواشنطن بعد الأحداث التي طالت البحر الأحمر وخليج عدن وحجز السفن والتعرض عليها من قبل الحوثيين، فوجهت الإدارة الأمريكية رسائل الي المسؤولين الإيرانيين وحسب ما أوضحت جريدة ( أرمان أمروز) في العاشر من كانون الثاني 2024 ( بأن طهران تلقت في الأيام الأخيرة رسالة من الولايات المتحدة الأمريكية تتضمن أطراً متعددة من تراجع وتشجيع وردع وتحذير في الوقت نفسه)، وهذا مايدل على أن الطرفين لابرغبان في توسيع نطاق المواجهة بينهما وامتداد الحرب في المنطقة العربية.
وهذا ما أكده وأشار اليه المسؤول السابق في الخارجية الأمريكية ديفيد شينكر بقوله ( أن إيران تواصل تقديم الدعم والتوجيه الإستراتيجي لوكلائها في شن حرب الظلال هذه واذا كانت واشنطن وشركاؤها الإقليميون والدوليون يأملون في احتواء هذا المحور أو دحره فسيتعين عليهم التركيز على الراعي وليس فقط عملائه)،
وهنا المقصود الراعي هو النظام الإيراني وتوجهاته وتمسكه بمشروعه السياسي في النفوذ والتمديد والهيمنة ودعم فصائلها المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري والتي تتلقى الدعم والمساندة لتنفيذ الغاليات والأهداف الإيرانية.

وحدة الدراسات الايرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية