الخلافات الداخلية تحد من خيارات نتنياهو مع واشنطن

الخلافات الداخلية تحد من خيارات نتنياهو مع واشنطن

تؤثر الخلافات الداخلية في مجلس الوزراء الإسرائيلي حول أولويات الحرب، ودور “السلطة الفلسطينية”، والدبلوماسية العربية، على العلاقات مع البيت الأبيض.

مع دخول الحرب بين “حماس” وإسرائيل مرحلة جديدة، يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المزيد من الصعوبات في تحقيق التوازن في العلاقات داخل حكومته ومع البيت الأبيض. وعلى الجبهة العسكرية، سيطرت إسرائيل على معظم مناطق شمال قطاع غزة، على الرغم من أن ما يقدر بنحو 5000 إلى 6000 من مقاتلي “حماس” ما زالوا ينشطون في شبكات أنفاق متنوعة. وقد انتقلت العمليات القتالية الكبيرة بمعظمها إلى وسط القطاع وجنوبه، في حين سرّح جيش الدفاع الإسرائيلي معظم جنود الاحتياط البالغ عددهم 360 ألف جندي والذين تمت تعبئتهم في بداية الحرب، كما سحب بعض القوات لإعادة تدريبها.

ومع ذلك، يبدو الوضع أكثر ضبابية على الجبهتين الدبلوماسية والسياسية. ففي التاسع عشر من كانون الثاني/يناير، تحدث نتنياهو والرئيس بايدن مع بعضهما البعض للمرة الأولى منذ حوالي أربعة أسابيع، في حين تستمر الخلافات الجوهرية بين رئيس الوزراء وحزب “الوحدة الوطنية” الوسطي الذي أنشأه غانتس. ومن الجدير بالذكر أن غانتس ساعد بانضمامه إلى الحكومة بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر في تخفيف تأثير أحزاب اليمين المتطرف التي يقودها وزير المالية بتسلئيل سموتريش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وتوجيه تركيز مجلس الوزراء على الهدف المشترك المتمثل بإبعاد “حماس” عن السلطة في غزة. ومع ذلك، فقد أصبحت الخلافات السياسية أكثر بروزاً منذ ذلك الحين، إذ يبدو نتنياهو مقتنعاً بأن غانتس، الذي يشهد تأييداً متزايداً في استطلاعات الرأي، سيترك الحكومة قريباً لاستغلال تراجع شعبية رئيس الوزراء خلال الحرب في الانتخابات المبكرة المحتملة. ولذلك ازداد اعتماد نتنياهو على وزرائه في اليمين المتطرف، الأمر الذي يثير خوف البيت الأبيض.

أهداف الحرب ومصير الرهائن
في 18 كانون الثاني/يناير، أكد نتنياهو مجدداً أن إسرائيل تسعى إلى “انتصار كامل” على “حماس”، وأفادت بعض التقارير أنه أخبر القادة المحليين في المجتمعات الجنوبية المجاورة لغزة بأنه يتوقع استمرار القتال حتى عام 2025. ويرى وزير الدفاع، يوآف غالانت، أن إسرائيل لن تتمكن من تحرير الرهائن إلا بمواصلة ممارسة الضغط العسكري على “حماس”. إلا أنه على الرغم من العمليات الكبرى التي أدت إلى مقتل حوالي 9000 مقاتل من “حماس”، لم يتم إطلاق أي رهائن آخرين منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر.

أما غانتس وغادي آيزنكوت، رئيس أركان سابق آخر في جيش الدفاع الإسرائيلي الذي يمثل حزب “الوحدة القومية” في مجلس الوزراء الحربي، فيُقدّمان وجهة نظر معاكسة، إذ يعتبران أن الرهائن المتبقين، المقدر عددهم بـ132 رهينة والذين تُوفي منهم 27 على الأقل وفقاً لما يعتقده جيش الدفاع الإسرائيلي، محتجزون في ظروف صعبة منذ أكثر من 100 يوم ويجب أن يكونوا أولوية قصوى الآن، حتى وإن كان ذلك يتطلب تأمين إطلاق سراحهم تمديد وقف القتال. وفي هذا الإطار، ناقش مجلس الوزراء الإسرائيلي الأسبوع الماضي اقتراحاً قطرياً ينطوي على تحرير الرهائن تدريجياً مقابل وقف إطلاق النار الدائم ونفي قادة “حماس”. وعلى الرغم من أن “حماس” رفضت علناً أي خطة تتنازل بموجبها عن الحكم في غزة، يتساءل المراقبون عما إذا كانت الدوحة ستطرح هذه الفكرة، إذا كانت الحركة غير راغبة حقاً في النظر فيها.

وربما تكون واشنطن أكثر تعاطفاً مع موقف نتنياهو إذا تمكن من إقناع البيت الأبيض بأن إسرائيل تقف على أعتاب النصر، ولكن هذا ليس هو الحال حتى باعترافه الخاص. وفي الوقت نفسه، يحجم المسؤولون الأمريكيون عن إرغام إسرائيل على إنهاء الحرب نظراً لأنها ترى “حماس” كتهديد أمني لا يمكن تقبّله بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر. وبالتالي يبدو أن إدارة بايدن تأمل في أن يتم حل الخلاف الإسرائيلي الداخلي (أي إعطاء الأولوية لإطلاق سراح الرهائن أو استمرار القتال) بطريقة توفر مخرجاً دبلوماسياً من الحرب.

الخلاف حول “اليوم التالي”
صرح غالانت أن إسرائيل لا تريد توفير خدمات مدنية لقطاع غزة بعد الحرب، حيث أشار في الأسبوع الماضي إلى أن وجود “سلطة فلسطينية” قوية يصب في مصلحة الأمن القومي الإسرائيلي. وفي المقابل، يرفض نتنياهو منح أي دور “للسلطة الفلسطينية” في غزة بعد الحرب. وليس هناك شك في أن الخلافات السياسية تفاقمت بسبب العلاقة الشخصية السيئة بين الإثنين لدرجة أنهما لم يتقابلا وجهاً لوجه منذ بدء الحرب وفقاً لبعض التقارير.

ويثير هذا الخلاف على وجه التحديد تساؤلات جوهرية الآن بعد أن بدأت إسرائيل بالابتعاد عن تنفيذ عمليات قتالية كبيرة في أجزاء من شمال غزة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل يمكن أن يعود سكان شمال القطاع المقدر عددهم بمليون نسمة والذين هربوا إلى جنوب القطاع، إلى منازلهم قريباً؟ وإذا كان الأمر كذلك، فمن الذي سيفرض النظام العام ويؤمن الخدمات الأساسية؟ وإذا رفضت إسرائيل منح أي دور “للسلطة الفلسطينية”، فما هي الخيارات الأخرى؟ لقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكن، مؤخراً أن إسرائيل وافقت على السماح للأمم المتحدة بإجراء دراسة جدوى حول عودة المدنيين إلى شمال القطاع، لكن المسؤولين الأمريكيين يقولون إن القدس لم تسهل ذلك بعد.

صمت بايدن ونتنياهو
على الرغم من أن بايدن ونتنياهو أجريا ستة عشر اتصالاً هاتفياً في الأسابيع التي أعقبت هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر، إلّا أنهما لم يتحدثا مباشرة منذ حوالي شهر قبل الاتصال الذي جرى في التاسع عشر من كانون الثاني/يناير، حتى مع تعدد المواضيع التي تشملها الخلافات بين الطرفين، وأولها وقف وزير المالية الإسرائيلي سموتريش تحويل بعض عائدات ضرائب “السلطة الفلسطينية” التي تجمعها إسرائيل وتُستخدم بعد ذلك لدفع رواتب الموظفين في غزة. وفي معرض ردها، قالت “السلطة الفلسطينية” إنها لن توافق على تحويل العائدات جزئياً، الأمر الذي قد يحرم موظفي الضفة الغربية وعناصر الأمن من رواتبهم أيضاً. وقد أعطى الرئيس بايدن هذه المسألة الأولوية نظراً للمصلحة المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل والمتمثلة في تجنب اندلاع أعمال عنف في الضفة الغربية، ولكن لم يتم إحراز أي تقدم حتى الآن.

وينطبق الأمر نفسه على بعض المطالب الأمريكية الأخرى، مثل زيادة المساعدات الإنسانية بما يتجاوز الـ 200 شاحنة التي تدخل غزة يومياً، وضمان امتناع الجيش الإسرائيلي عن تنفيذ أي ضربات بالقرب من المخيمات في جنوب غزة. إلا أنه لم يتم حل هذه القضايا في الاتصال الهاتفي الذي جرى في التاسع عشر من كانون الثاني/يناير.

ويشعر مسؤولو الإدارة الأمريكية بالقلق من أن نتنياهو لن يقف في وجه سموتريش أو غيره من وزراء اليمين المتطرف في حين أن الرئيس بايدن خاطر سياسياً مع التقدميين في قاعدته بدعمه إسرائيل. وربما يعتقد نتنياهو أنه يجب الاحتفاظ بالمزيد من الخطوات الإنسانية كأوراق مساومة لتحرير المزيد من الرهائن. ولكنه صرّح أيضاً بأن قادة “حماس” غير مبالين بمعاناة سكان غزة، وبالتالي فإن قوة ورقة المساومة هذه موضع شك.

ترابط سعودي فلسطيني؟
تدرس واشنطن مبادرة دبلوماسية عربية – إسرائيلية أوسع نطاقاً بمجرد انتهاء الحرب، وستكون القدس في وضع يخوّلها رسم معالم هذه الخطة إذا حسّن نتنياهو علاقته مع بايدن. وفي هذا الإطار، أوضح مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، خلال تصريحاته في قمة “دافوس” السنوية التي انعقدت في 16 كانون الثاني/يناير، أن تحقيق تقدم في العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل مرتبط برسم أفق سياسي للفلسطينيين، وجاء فيها: ” قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر بفترة طويلة، كانت الولايات المتحدة منهمكة جداً في العمل على تأمين أفق سياسي للشعب الفلسطيني… ولقد رأينا أن الطريقة المثلى هي بالتوصل إلى صفقة شاملة تتضمن التطبيع بين إسرائيل ودول عربية رئيسية، إلى جانب إحراز تقدم ملموس ورسم أفق سياسي للشعب الفلسطيني… إنها المعادلة الأساسية، أي تحقيق السلام بين إسرائيل وجيرانها العرب وحل الدولتين مع ضمان أمن إسرائيل، فهذه الأجزاء… مترابطة منذ ما قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر وما زالت حتى يومنا هذا”. كما شدد سوليفان على أن هذه النتيجة ممكنة “على المدى القريب”، وأنها تنطوي على “مستقبل لن يتم فيه استخدام غزة مجدداً كمنصة للإرهاب”.

وفي اليوم نفسه، صرّح الوزير بلينكن لشبكة “سي إن بي سي” أن الدول العربية أكدت استعدادها لتقديم “ضمانات” إقليمية لإسرائيل إذا مضت قدماً مع الفلسطينيين. إلا أن المسؤولين الإسرائيليين لطالما اعتبروا أن الضمانات الأجنبية لا معنى لها ما دامت الجماعات المتطرفة مثل حركة “حماس” قادرة على التفوق على “السلطة الفلسطينية”، لا سيما عندما تحجم الدول العربية على الأرجح عن استخدام القوة لتقييد الحركة. وحتى الرئيس إسحق هرتسوغ، الزعيم السابق لـ”حزب العمل” الإسرائيلي المحسوب على اليسار الوسطي، ذهب إلى حد القول أمام الحضور في “دافوس” إنه لا يوجد إسرائيلي “بكامل قواه العقلية” الذي يفكر في حل الدولتين في الوقت الحالي.

الخاتمة
وفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة، لا يزال الجمهور الإسرائيلي ممتناً للغاية للدعم القوي الذي قدمه الرئيس بايدن خلال الحرب، وبذلك يدرك نتنياهو أنه لا يمكن أن يُنظر إليه على أنه يعتبر المساعدة الأمريكية التي لا يمكن الاستغناء عنها أمراً مفروغاً منه. ولكنه قد يعتقد في الوقت نفسه أن أي مبادرة دبلوماسية عربية قد تكون ذات آفاق محدودة على المدى القريب لأن الحرب لن تنتهي في أي وقت قريب. وبالتالي، من المحتمل أنه يفكر في اتباع مسار آخر.

وفي الوقت الحالي، تشهد الأصوات المؤيدة لنتنياهو تراجعاً كبيراً، ولذلك سيتفادى إجراء انتخابات على المدى القريب إذا أمكنه ذلك، على الرغم من أنه وفقاً لبعض المصادر يريد 63 في المائة من الإسرائيليين إجراءها الآن. ومع ذلك، إذا اضطر إلى خوض حملة سياسية، فسيقوم على وجه الافتراض بتصوير نفسه على أنه حامي إسرائيل من أي مسعى أمريكي لإقامة دولة فلسطينية، وهو ما يدّعي أنه سيجعل البلاد أكثر عرضة للخطر.

وعلى أي حال، لا تزال إسرائيل في حالة حرب ولا تزال أمريكا حليفتها العظمى الوحيدة. لذلك، يتعيّن على القادة في القدس وواشنطن البحث عن طرق لمنع النزاعات السياسية من إحداث ثغرات يمكن لخصومهما المشتركين استغلالها.

ديفيد ماكوفسكي

معهد واشنطن