إيران تخشى فتح باب المقاطعة الشعبية العراقية لمنتجاتها

إيران تخشى فتح باب المقاطعة الشعبية العراقية لمنتجاتها

الدعوة الصادرة من إقليم كردستان العراق لمقاطعة إيران اقتصاديا وتجاريا تعتبر أقوى ردّ على قصفها الصاروخي لمدينة أربيل، ذلك أنّها تتوجّه مباشرة إلى رجل الشارع الذي يظل مزاجه عصيا عن التحكّم فيه وتوجيهه من قبل طهران رغم كل ما تمتلكه من سطوة ونفوذ داخل أروقة السياسة الرسمية العراقية.

أربيل (العراق)- عكس الردّ الإيراني على دعوة مقاطعة المنتجات الإيرانية في إقليم كردستان العراق إثر قصف الحرس الثوري الإيراني لحي سكني في أربيل، وجود مخاوف حقيقية لدى طهران من فتح باب المقاطعة الاقتصادية الشعبية لها في العراق.

وصاغت غرفة تجارة طهران بيان الردّ على دعوة المقاطعة التي صدرت عن غرفة تجارة وصناعة أربيل بلهجة تصالحية ناعمة تغاضت عن حالة العداء التي أججها القصف الصاروخي الإيراني الذي طال منتصف الشهر الجاري منزل رجل أعمال في أربيل وأسفر عن مقتل وجرح مدنيين.

ودعا البيان الصادر عن ممثلي القطاع الخاص في غرفة التجارة والصناعة والتعدين والزراعة في طهران إلى “استمرار التعاون الاقتصادي بين الشعبين الإيراني والعراقي”، مستذكرا “الأواصر التاريخية العريقة والوشائج الثقافية التي تربط الشعبين منذ آلاف السنين”.

ويُدرك الإيرانيون مدى فاعلية سلاح المقاطعة الشعبية لمعرفتهم بمدى نقمة العراقيين على سياساتهم التي ألحقت أضرارا فادحة بالعراق مسّت مواطنيه بشكل مباشر.

وخلال الانتفاضة الشعبية العارمة التي تفجّرت في العراق سنة 2019 ضدّ حكم الأحزاب الشيعية، بدت تلك النقمة واضحة من خلال رفع المتظاهرين لشعارات مناوئة لإيران من قبيل “بغداد حرّة، إيران على برّة”.

كما يدركون حدّة المنافسة على السوق الاستهلاكية العراقية الواسعة، ومدى تحفّز الصناعيين والتجّار الأتراك للانقضاض عليها لترويج منتجاتهم الرخيصة والمقلّدة في غالبيتها العظمى والتي تناسب المقدرة الشرائية للعراقيين.

وتنظر طهران إلى العراق باعتباره مجالا حيويا لها ومتنفسا من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل الولايات المتّحدة حيث تستفيد من حركة التجارة النشطة معه بقنواتها الرسمية والموازية، وتحصل منه على عملة الدولار، كما تحصل على كميات هامة من المشتقات النفطية التي تصل إليها عبر التهريب.

وتستطيع طهران توجيه السياسة الرسمية العراقية عن طريق حلفائها المحليين المتمكّنين من مختلف مفاصل الدولة، لكنّها تجد صعوبة في التحكم بالمزاج الشعبي المضاد لها والناقم على التجربة السياسية التي قادها حلفاؤها من قادة الأحزاب والفصائل الشيعية والتي أفضت إلى تراجع العراق على مختلف الصعد الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

وعلى هذه الخلفية تعتبر الدعوة إلى مقاطعة منتجاتها في إقليم كردستان سابقة تحملها طهران على محمل الجدّ.

وكانت غرفة تجارة وصناعة أربيل قد دعت جميع التجار والمواطنين في إقليم كردستان إلى مقاطعة استيراد واستخدام المنتجات الإيرانية، وتعليق جميع علاقاتهم الاقتصادية وتجارتهم مع إيران.

ووصفت في بيان القصف الإيراني لأربيل بـ”الظالم وغير المشروع”. وأشارت إلى استهدافه “دون أيّ سبب مواطنين مدنيين أبرياء في محل سكنهم”، وذكّرت بأنّه أودى بحياة بيشرو دزيي الذي كان من أصحاب رؤوس الأموال البارزين في أربيل وعضوا فاعلا في الغرفة، وكذلك بحياة كرم ميخائيل وهو رجل أعمال عراقي نشط وبارز أيضا.

وردّت غرفة تجارة طهران ببيان أعربت فيه عن “الأسف العميق” إزاء دعوة المقاطعة لمنتجاتها في إقليم كردستان.

ووصف البيان الذي نقلته، الثلاثاء، وسائل إعلام إيرانية دعوات المقاطعة بأنها تسيء إلى التعاون بين الجانبين في المستقبل.

وأشار البيان إلى أن حجم التجارة بين إيران والإقليم يبلغ نحو ثلاثة مليارات دولار سنويا.

وطالب رجال الأعمال والتجار في الإقليم بأن “لا ينسوا المعاناة التي طال أمدها لتحقيق المنجزات الموجودة الآن، والتفكير في تطوير التعاون الثنائي من خلال فهم روابط الحاضر بعقل مفتوح”، محذّرا من أن “الأشرار” يريدون إغلاق باب التعاون.

وطغت الرغبة في التهدئة على لغة البيان الذي ذكّر بـ”الأواصر التاريخية والثقافية بين الشعبين والممتدة منذ آلاف السنين وهي سراج ينير الدرب نحو مستقبل وضّاء وواعد في خضم الأحداث السياسية”.

كما عبّر البيان عن تفاؤل أصحابه “بأن نشطاء القطاع الخاص في إيران والعراق سيخرجون مرفوعي الرأس من هذا الاختبار مثلما حدث على الدوام، ولن يتم التفريط برأس المال الثمين الذي بني طوال آلاف السنين بمعاناة الشعبين”.

الإيرانيون يدركون مدى فاعلية سلاح المقاطعة الشعبية لمعرفتهم بمدى نقمة رجل الشارع العراقي على سياساتهم

ويناقض البيان بشكل جوهري الخطاب العدائي لإيران وحلفائها العراقيين تجاه كردستان العراق المتّهم من قبل طهران بإيواء عملاء وجواسيس لإسرائيل على أراضيه، وهي الذريعة التي استخدمها الحرس الثوري الإيراني في تنفيذ قصفه الصاروخي لأربيل.

وتسبب القصف في توتير العلاقات بين إيران وحكومة الإقليم، كما أثار غضب الحكومة الاتّحادية العراقية التي أدانت القصف واعتبرته “انتهاكا صارخا لسيادة العراق وسلامة أراضيه وأمن شعبه”، كما رفعت شكوى بشأنه إلى مجلس الأمن الدولي والأمانة العامة للأمم المتحدة.

وتجاوزت حالة الغضب من إيران أروقة ومنابر السياسة الرسمية في كردستان العراق إلى الشارع، وهو الأمر الذي يمثّل أرضية لنجاح دعوة المقاطعة الشعبية للمنتجات الإيرانية.

وشهدت عدة مدن كردية عراقية من بينها السليمانية وحلبجة، الثلاثاء، احتجاجات شعبية على القصف الإيراني لأربيل، طالب المحتجون خلالها المجتمع الدولي بمحاسبة إيران وكف اعتداءاتها المتكرّرة على الإقليم.

العرب