الصين تواصل سحب اختصاص التوسط بين إيران وخصومها من يد سلطنة عمان

الصين تواصل سحب اختصاص التوسط بين إيران وخصومها من يد سلطنة عمان

الصداقة التي أقامتها عمان مع إيران لم تعد تشكّل ميزة خاصّة للسلطنة ولا وسيلة كافية للدبلوماسية العمانية لتحقيق مزيد من الإنجازات في حلحلة الملّفات وإنهاء الصراعات التي يكون الإيرانيون طرفا فيها، بينما أصبحت لغة المصالح التي تجيد الصين استخدامها أبلغ في مخاطبة الإيرانيين ودفعهم إلى مربعات التهدئة وإنهاء الصراعات.

مسقط – قطعت الصين بدخولها على خطّ جهود خفض التصعيد في البحر الأحمر خطوة جديدة على طريق منافسة سلطنة عمان في تخصّصها التقليدي بحلحلة الملفات ونزع فتائل الصراعات التي تكون إيران طرفا فيها، وذلك بعد أن كانت الدبلوماسية الصينية قد لعبت الدور الأوّل في ردم هوّة الخلاف بين الغريمتين إيران والسعودية وإنجاز المصالحة بينهما.

وأظهر توّجه الولايات المتّحدة الأميركية نحو الصين للضغط على إيران لإقناع وكلائها الحوثيين لإنهاء هجماتهم على السفن التجارية، وجود قناعة لدى واشنطن بتراجع قدرات سلطنة عمان على التأثير في الموقف الإيراني، في مقابل قوّة التأثير الصيني المستند إلى مصالح حيوية بين بكين وطهران.

وقال مسؤول أميركي كبير إن واشنطن طلبت من الصين استخدام نفوذها على إيران لإقناعها بكبح جماح الحوثيين، وذلك في عدّة مناسبات منها المحادثات التي أجراها وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان في وقت سابق من الشهر الجاري مع ليو جيان تشاو رئيس الدائرة الدولية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.

ورأى مراقبون أنّ علاقات الصداقة التي احتفظت بها سلطنة عمان مع إيران، في فترات بلغ فيها التوتّر بين طهران وغالبية عواصم الخليج والعديد من العواصم العربية أشدّه، لم تعد ميزة تنفرد بها السلطنة، كما لم تعد كافية لاستجابة الإيرانيين لجهود “أصدقائهم” العمانيين.

وقال مصدر سياسي خليجي إنّ افتقار السلطنة للحياد في الصراع الذي فجّره الحوثيون باستهدافهم السفن التجارية، أضعف موقف الدبلوماسية العمانية وحدّ من قدرتها على المساهمة في حلحلة الأزمة وجعل إدارة بايدن تفضّل الاستعانة بالصين، رغم ما بين بكين وواشنطن من خلافات حادّة وتنافس شديد في عدّة مجالات.

وأظهرت بعض الدوائر العمانية تعاطفا مع العمليات العسكرية الحوثية ضد حركة الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب وبحر العرب والموضوعة تحت عنوان مناصرة قطاع غزة خلال الحرب بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية.

وأثنى مفتي الدولة العمانية أحمد الخليلي في وقت سابق على استهداف الحوثيين للسفن التجارية وشكرهم على تصديهم “للسفن الصهيونية”، داعيا “الشعب اليمني الشقيق كلّه” إلى الالتفاف حولهم “في مناصرة المظلومين والمضطهدين”.

كما أبدت الخارجية العمانية موقفا سلبيا من التحرك العسكري الأميركي – البريطاني ضدّ الحوثيين. وأدانت في بيان “قصف عدة مدن” في اليمن وعبّرت عن قلق السلطنة حيال ذلك، مذكّرة بأنّ مسقط “حذرت مرارا من اتساع دائرة الصراع والمواجهة في المنطقة نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر على الأراضي الفلسطينية المحتلة”.

ويجادل متابعون للشأن اليمني بأنّ الدبلوماسية العمانية ما تزال تحتفظ بكامل قوّتها وقدرتها على التوسّط في الملفات المعقّدة، بدليل دورها في التهدئة في اليمن وفي تحقيق التقدّم المسجّل في جهود السلام بالبلد.

لكنّ مراقبين ينبّهون إلى أنّ التهدئة المذكورة لم تبن على أساس إقناع الحوثيين وداعمتهم إيران بالتنازل والاستجابة لمقتضيات الحلّ السلمي، بقدر ما بنيت على رغبة سعودية كبيرة في الخروج من الحرب في اليمن وطي الملف سلميا، وهو ما مهّد الطريق أمام النجاح الدبلوماسي العماني المذكور.

ويقوم مسار التهدئة في البحر الأحمر على أساس مختلف يتمثّل في إقناع إيران بكف يد وكلائها الحوثيين عن التصعيد، وذلك باستخدام التقاء المصالح وتشابكها.

وتمتلك الصين هذه الوسيلة غير المتوفّرة بما يكفي لدى سلطنة عمان.

وطلب مسؤولون صينيون من نظرائهم الإيرانيين المساعدة في كبح الهجمات التي يشنها الحوثيون المتحالفون مع طهران على السفن في البحر الأحمر، وإلاّ فإن ضررا قد يلحق بالعلاقات التجارية مع بكين.

وقالت أربعة مصادر إيرانية ودبلوماسي لوكالة رويترز، إنّ المناقشات بشأن الهجمات والتجارة بين الصين وإيران جرت خلال عدة اجتماعات عقدت مؤخرا في بكين وطهران.

وقال مسؤول إيراني مطلع على المحادثات “بشكل أساسي تقول الصين إذا تضررت مصالحنا بأي شكل من الأشكال، فسيؤثر ذلك على أعمالنا مع طهران. لذلك اطلبوا من الحوثيين ضبط النفس”.

وأدت الهجمات التي يقول الحوثيون إنها تهدف لدعم الفلسطينيين في غزة، إلى ارتفاع تكلفة الشحن والتأمين نتيجة لما تسببت فيه من اضطراب لمسار تجاري رئيسي بين آسيا وأوروبا تستخدمه السفن التي تبحر من الصين على نطاق واسع.

ورغم أن الصين كانت أكبر شريك تجاري لإيران على مدى العقد الماضي، فإن علاقاتهما التجارية غير متوازنة. فعلى سبيل المثال، اشترت شركات تكرير النفط الصينية أكثر من 90 بالمئة من صادرات النفط الخام الإيرانية العام الماضي، وفقا لبيانات تتبع الناقلات من شركة التحليلات التجارية كبلر، في وقت يبتعد فيه العملاء الآخرون عن النفط الإيراني نتيجة للعقوبات الأميركية، فيما استفادت الشركات الصينية من الخصومات الكبيرة.

الصين تبحث عن موطن قدم جديد

ومع ذلك، فإن النفط الإيراني لا يشكل سوى 10 بالمئة من واردات الصين من النفط الخام، ولدى بكين مجموعة من الموردين الذين يمكنهم سد أي نقص.

وقالت المصادر الإيرانية إن بكين أوضحت أنها ستشعر بخيبة أمل كبيرة تجاه طهران، إذا تعرضت أي سفن مرتبطة بالصين لهجوم أو تأثرت مصالح البلاد بأي شكل.

ولفت أحد المصادر الإيرانية المطلعة إلى أنه رغم أن الصين مهمة لإيران، فإن لدى طهران حلفاء في غزة ولبنان وسوريا والعراق، إلى جانب الحوثيين في اليمن، وأن تحالفاتها وأولوياتها الإقليمية تلعب دورا رئيسيا في صنع قرارها.

وجاء دخول الصين على خطّ أزمة البحر الأحمر في وقت فشل فيه قصف القوات الأميركية والبريطانية أهدافا للحوثيين في اليمن هذا الشهر في وقف هجمات الجماعة على السفن.

ويلقّى الحوثيون تسليحا وتمويلا وتدريبا من إيران، وهم جزء مما يسمّى “محور المقاومة” المناهض للغرب وإسرائيل.

وقال فيكتور قاو الأستاذ بجامعة سوتشو الصينية إن بكين، باعتبارها أكبر قوة تجارية في العالم، تأثرت بشكل كبير من اضطراب الشحن وإن استعادة الاستقرار في البحر الأحمر تمثل أولوية بالنسبة لها.

وذكر دبلوماسي مطلع أن الصين تتحدث مع إيران حول المسألة، ولكن من غير الواضح مدى جدية طهران في الأخذ بنصيحة بكين.

بكين أوضحت أنها ستشعر بخيبة أمل كبيرة تجاه طهران، إذا تعرضت أي سفن مرتبطة بالصين لهجوم أو تأثرت مصالح البلاد بأي شكل

وقال المحللان غريغوري برو من مجموعة أوراسيا وعلي فايز من مجموعة الأزمات الدولية، إنه قد يكون لبكين نفوذ على إيران بسبب مشترياتها من النفط ولأن طهران تأمل في جذب المزيد من الاستثمارات الصينية المباشرة.

وقال المتحدث باسم الحوثيين محمد عبدالسلام، الخميس، إن إيران لم تنقل أي رسالة من الصين بشأن الهجمات. وأضاف “حتى الآن لم يصلنا أي تعليق من الإيرانيين وأعتقد أنهم لن يبلغونا بمثل هذا الطلب، لا سيما أن إيران موقفها المعلن هو مساندة اليمن”.

وبالنسبة لإيران هناك الكثير على المحك، إذ تعد الصين من القوى القليلة القادرة على توفير الاستثمارات التي تقدر بمليارات الدولارات والتي تحتاجها طهران للحفاظ على قدرة قطاعها النفطي وإبقاء الاقتصاد صامدا.

وظهر نفوذ الصين جليا في عام 2023، عندما سهلت التوصل إلى اتفاق بين إيران ومنافستها الإقليمية السعودية لوضع حد لسنوات من العداء.

وقال إثنان من المصادر الإيرانية إنه بينما لا يمكن تجاهل الصين، فإن لدى طهران أولويات أخرى يجب أخذها في الاعتبار وتتشكل قراراتها من خلال تداخل معقد بين العوامل. وذكر أحدهما أنّ “التحالفات والأولويات الإقليمية، وكذلك الاعتبارات الأيديولوجية تسهم بشكل كبير في قرارات طهران”.

وقال الآخر إن على حكام إيران تبني إستراتيجية دقيقة عندما يتعلق الأمر بحرب غزة وكذلك هجمات الحوثيين، مضيفا أنها لن تتخلى عن حلفائها.

وأفادت المصادر الإيرانية بأن دور إيران كزعيم “لمحور المقاومة” الذي يضم الحوثيين وجماعة حزب الله اللبنانية وحماس وفصائل مسلحة في العراق وسوريا، يجب أن يكون متوازنا مع تجنب الانجرار إلى حرب إقليمية بسبب غزة.

وذكر أحد المصادر أن رسائل طهران إلى الحوثيين وعنهم تتطلب قدرا من الإنكار في ما يتعلق بمدى سيطرتها عليهم، ولكنها تستلزم أيضا القدرة على نسبة بعض الفضل لنفسها في أفعالهم المناهضة لإسرائيل.

العرب