تتنوع المآزق التي يواجهها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وتتكاثر معها الملفات الملحة التي تتطلب اتخاذ قرارات عاجلة يتكفل معظمها بتضييق الخناق على حاضره ومصيره المستقبلي، إزاء استحقاقات سياسية وعسكرية وائتلافية وقضائية قد تنتهي به إلى السجن والخروج نهائياً من لعبة السلطة.
وضمن منطق المطرقة والسنديان الذي بات يحكم خيارات نتنياهو ثمة مطارق واضحة الشكل من حيث الإلحاح، ولكن مضامينها تتفاوت بين مطالب عائلات الرهائن الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية الضاغطة في اتجاه قبول صفقة التبادل المقترحة أخيراً لإطلاق سراحهم، وبين مزاعم نتنياهو بأن الحل العسكري هو وحده السبيل إلى تحريرهم، وبين فشل جيش الاحتلال في تحرير أي منهم بعد أكثر من ثلاثة أشهر على حرب الإبادة الإسرائيلية، وصولاً أخيراً إلى مزالق عسكرية إسرائيلية أودت بحياة العديد منهم.
مطارق أخرى تتولى رفعها فوق رأس نتنياهو مجالس البلديات في مستوطنات غلاف غزة، التي تعسكر أمام مكاتب رئيس حكومة الاحتلال ومقار إقامته، مطالبة بحلول فورية ناجعة لمعالجة أوضاع السكان الذين هُجروا وتعاني شروط معيشتهم من تدهور متواصل، إلى جانب ما يرشح تباعاً من تقارير ونتائج تحقيقات حول مسؤولية الجيش الإسرائيلي ذاته عن مقتل عدد منهم داخل مستوطناتهم صبيحة 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
مطارق من طراز ثالث يحملها الوزراء المتطرفون في حكومة نتنياهو نفسه، أمثال إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموترتش، سواء لجهة التحريض ضد صفقة التبادل المقترحة تحت طائلة مغادرة الائتلاف والتسبب في انهيار أغلبية الكنيست الهشة أصلاً، أو التهجم على الولايات المتحدة والرئيس الأمريكي شخصياً والتي بلغت مؤخراً مستوى لجوء نجل بن غفير إلى اتهام جو بايدن بفقدان الذاكرة.
النوع الرابع من المطارق تعمد إليه الأحزاب الإسرائيلية التي تنسب إلى ذاتها صفة المعارضة، والتي تقرع رأس نتنياهو بإيقاع أول يشرف عليه أمثال بيني غانتس الذي وافق على الانضمام إلى حكومة طوارئ شكلها نتنياهو في أعقاب «طوفان الأقصى» ولكنه لم يتوقف عن التنغيص على رئيس الحكومة كلما وجد إلى ذلك سبيلاً. الإيقاع الثاني يديره يائير لبيد زعيم حزب «هناك مستقبل» الذي رفض الانضمام إلى حكومة الطوارئ، ولكنه يلوّح لرئيسها بالعصا والجزرة كما في عرضه مؤخراً إمكان توفير «شبكة أمان» للحكومة إذا تهددها بن غفير وسموترتش.
وتحت وطأة هذه وسواها من المطارق يتابع نتنياهو التمسك بسندان أول وأكبر هو مصيره الشخصي والسياسي، إذ يدرك بوضوح أن ما يُطرح عليه من خيارات أحلاها مرّ في نهاية المطاف، لأنها سوف تنتهي إلى هذه الصيغة أو تلك من وقف إطلاق النار من دون تحقيق أي من الأهداف التي أعلن عنها وتعهد بتنفيذها. كذلك لا يغيب عنه أن ما تعرضه عليه المعارضة ليس أطواق نجاة بقدر ما هي مطارق مبطنة.
وهو على الأرجح يعي أن ركونه إلى الموازنة بين المطرقة والسندان لن يدوم طويلاً، ولن يبعد كوابيس محاكمة أولى بتهم الرشوة والاحتيال وخيانة الثقة، ومحاكمة تالية بتهمة التقصير الفادح في درء «طوفان الأقصى».