إيران بعد 45 عاما من عمر النظام

إيران بعد 45 عاما من عمر النظام

خلال الأشهر والسنوات الأولى من الثورة الإيرانية وحتى بعد 45 عاماً لم يتأقلم كثير من الإيرانيين بعد مع الهجرة والانتقال من مكان إلى مكان آخر. أما الذين صادروا منازل وحياة المواطنين من خلال الخداع وتربعوا على كراسي السلطة فلم يهنؤوا ولم يشعروا بالاستقرار ولم يصبحوا أصحاب المنازل الحقيقيين.

النظام الإيراني ومن خلال الإعدامات والكبت وإرعاب الشعب هيمن على زمام الأمور قبل 45 عاماً، والآن بعد مضي أكثر من أربعة عقود يراهن على إطلاق مسرحية من المسيرات في الشوارع من أجل التباهي بشرعيته أمام شاشات التلفزيون الحكومي وعدسات المصورين.

وكانت مسيرات “يوم الثورة” خلال العقدين الأولين من عمر النظام يشارك فيها مناصرون للنظام ونساء يرتدين اللباس الأسود ولا يظهر من أجسامهن إلا الأنف، كما عمل النظام على إرسال الجنود وطلبة المدارس وموظفي الدولة إلى المشاركة في هذه المسيرات.

الثورة الإيرانية مليئة بالحقد وروح الانتقام وأظهرت صورة من إسلام لم نشهده قبل الثورة حتى بين الأسر الملتزمة دينياً. فهذا النوع من السلوك والحجاب كان غير مسبوق في الثقافة الإيرانية.
وبعد سنوات من ذلك السلوك ونوع الحجاب وترويجه في الإذاعة والتلفزيون، فإن النظام لجأ هذه المرة وبعد 45 عاماً من عمر الثورة إلى إطلاق مسيرات حكومية تشارك فيها فتيات يرتدين ملابس يرغب بها عامة الشعب، وهذا النوع من الحجاب يمكن أن يؤدي إلى الاعتقال في الأيام العادية، لكن في الأوقات التي يحتاج النظام إلى الدعاية الحكومية فإنه لا يمانع المشاركة بمثل هذا اللباس ويحرص على تصويرهن أمام عدسات الكاميرات الحكومية ويسمح بوسائل الإعلام الخارجية بتغطية مشاركة هذه الفتيات في الاحتفالات التي ينظمها النظام في أرجاء البلاد.

لكن ما هدف النظام الإيراني من استغلال هذه النساء والفتيات؟ هل لأنه يرغب بإرسال رسالة إلى الغرب والدول المجاورة بأن النظام الإيراني قد تغير، وأن نوع اللباس للنساء أصبح حراً أو أنه يرغب بالتظاهر بوجود شعبية للنظام بين الطبقات التي لا تشبه الثورة وله رصيد شعبي بين جميع فئات الشعب؟

يعلم قادة إيران جيداً أن القوى الخارجية تراقب تغيير النظام في البلاد كما أنهم يدركون أن الأمن والاستقرار مهم لجيرانهم العرب.

النظام الإيراني يتأرجح على كفتي الميزان

ينهمك العالم الغربي بعض الأحيان في المشكلات والأزمات التي يخلقها النظام الإيراني في المنطقة، ويرى أن مصالحه تكمن في تغييره، لكنه عند ما تقترب ساعات الحسم يخشى من الفوضى وعدم الاستقرار الذي يحكم إيران بعد سقوط النظام وآثارها المدمرة في المنطقة والبلد بعد التغيير.
هذا التناقض تحوَّل على مر الزمن إلى ورقة رابحة للنظام يستخدمها عند الضرورة من أجل تعزيز ظروف بقائه ويعمل لإيجاد تغييرات شكلية للحفاظ على مصالحه، فكيف يمكن للنظام الإيراني أن يستمر في المنطقة في حين أن الإصلاحات الاجتماعية بالبلدان المجاورة تؤدي إلى يأس الشباب والشعب من أداء النظام الذي يفرض عليهم نمطاً خاصاً من الحياة؟

ربما نكون قد حكمنا منطقياً إذا قلنا إن 70 مليون إيراني يتمنون نمط حياة مختلفاً مما يرغب به النظام الإيراني الذي يفشل في تلبية مطالب الشعب.

ليس سهلاً التخلص من نظام عمل على إيجاد منظومة استخباراتية أمنية مرعبة في الداخل وينشط خارج حدود الدولة ويتحدى القوى الغربية، لكن النظام يخشى مواجهة الشعب أكثر من قلقه من التدخل الخارجي من أميركا مثلاً أو من إسرائيل.
عمليات القمع والإعدامات والاعتقالات في حق المعارضين والمحتجين أحد الحلول التي يراهن عليها النظام لمواجهة الشعب.
أما الجزء الثاني الذي يراهن عليه النظام فهو بث الرعب بين الناس من آثار سقوط النظام وإيجاد فوضى أو حرب داخلية أو وصول نظام أكثر رعباً من الحالي. ويحاول النظام ترسيم هذا الوضع من خلال الإشارة إلى الوضع الليبي والسوري بعد الثورات العربية، وكذلك التدخل الخارجي في إسقاط نظام صدام حسين في العراق أو عدم الاستقرار في أفغانستان الذي تحول في الوقت الحالي إلى موطن لإنتاج وتصدير المخدرات. إنه يحاول إرسال رسائل إلى الشعب لكيلا يضحوا بالاستقرار والأمن من أجل مستقبل مجهول.

لكن لماذا يقيم النظام الإيراني علاقات حميمة مع “طالبان” الإرهابية والمتشددة ويحرص على نشر صور من تبادل الزيارات معها وتقديم شاي الزعفران لبعضهم بعضاً. ومن ناحية أخرى ترد أخبار وصول إرهابيين شاركوا في التفجيرات التي وقعت، أخيراً، في إيران من أفغانستان؟
كان النظام الإيراني يشعر بالخطر عندما كانت الولايات المتحدة مستقرة في أفغانستان، وعمل مع “طالبان” بشكل سري من أجل إخراج القوات الأميركية من هذا البلد.

أما ماذا الآن؟ فإن القوات الأميركية غادرت أفغانستان في 2021، وتشير الظواهر إلى أنه لا توجد هناك أوجه شبه بين النظام الإيراني و”طالبان”.

يدعم النظام الإيراني “طالبان” من أجل أهداف معينة لمنع ترسيخ أسس ديمقراطية على أساس الانتخابات في البلد المجاور له. مثلما فعل عام 2002 على منع وصول ظاهر شاه إلى الحكم بعد سقوط “طالبان” من أجل إبعاد شبح تفكير الإيرانيين بإعادة النظام الملكي في البلاد.

ومصلحة النظام حالياً تكمن في وجود “طالبان” في السلطة من أجل أن يعتبر الإيرانيين من خلال المقارنة بينهم وبين النظام. لأن حكم القانون والديمقراطية في أفغانستان يهدد بقاء النظام الإيراني ومن شأنه أن يتحول إلى مصدر للتطورات والمطالب بالحرية في البلاد.

بعد الاحتجاجات الوطنية في إيران ومقتل مهسا أميني في سبتمبر (أيلول) عام 2022 شهدنا انضمام عدد كبير ممن يوصفون بالإصلاحيين المعتدلين إلى المنتقدين للنظام من بينهم مسؤولون سابقون كانوا من أشد المناصرين للنظام في السبعينيات. إنهم تحولوا إلى مطالبين بالإصلاحات الداخلية وإيجاد تغييرات أساسية في الحكم بدلاً من تغيير النظام.
لكن من خلال نشر صور لنساء وفتيات يرتدين ملابس عادية ويرتدين القبعات بدلاً من الحجاب لا يمكن خداع الشعب الإيراني. فالنظام في طهران شهد خلال الـ45 عاماً الماضية، تغييرين فقط… وفاة الخميني، وبدء ولاية المرشد علي خامنئي.
أما التغيير الثالث الذي يطالب به أنصار النظام وكذلك المنتقدون ربما يقتصر على منصب مرشد النظام. أي إذا ما توفي خامنئي أو طلب التقاعد بشكل طوعي، فإن النظام سيشهد حياة جديدة.

تنحي خامنئي من منصبه يؤدي إلى تهيئة الأجواء من أجل خلافة ابنه مجتبى خامنئي، إذ إن انتقال السلطة خلال حياة المرشد ونفوذه بين “الحرس الثوري” من شأنه أن يضمن استمرار حكم نجله من دون أي مشكلات أو عواقب كبيرة. لهذا السبب يروج خامنئي كثيراً من أجل المشاركة في انتخابات مجلسي خبراء القيادة والشورى لأنه يرى بقاءه في ترسيخ منصب المسؤول الأول في البلاد من أجل استغلال الوضع لإيجاد إصلاح جديد في هيكل النظام لضمان استمراره.

ومن خلال هذا التغيير يعمل كبار المسؤولين الإيرانيين بهدوء على الاستمرار بالبرنامج النووي من أجل تضمين بقاء النظام وتمهيد الأمور من أجل خلافة المرشد الشاب وبقاء النظام.
إنهم يعرفون قوة الشعب ولا يستهينون بها لذلك يمارسون القمع الشديد ضدهم. القلق الذي يساور النظام في الوقت الحالي يشبه القلق الذي مر به النظام بعد الثورة قبل 45 عاماً. إنهم بنوا منازل فوق مواطن شعب استقر فيها لقرون عديدة وهذا الشعب لا يريد ترك وطنه أو أن ينسى ما حدث.

نقلاً عن “اندبندنت فارسية”