مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية الإيرانية مطلع مارس (آذار) المقبل، يبدو أن الجهات المقررة في منظومة السلطة لم تبدِ أي إشارات إلى إمكان التراجع عن السياسات التي اتبعتها في التعامل مع المرشحين من خارج القوى الموالية للنظام، أي القوى الإصلاحية والمعتدلة (من المحافظين والإصلاحيين).
سياسة استبعاد كل مصادر الخطر التي تهدد المسار أو الخطة التي وضعتها هذه المنظومة لإيصال النواب الأكثر ولاء للنظام ومؤسساته، اتضحت بصورة كبيرة بعد انتهاء مجلس صيانة الدستور من عملية دراسة أهلية وصلاحية المرشحين، والتي تعتبر المصفاة الأخيرة بعد التصفية التي قامت بها اللجان الانتخابية التابعة لوزارة الداخلية.
وعلى رغم تأكيد المرشد الأعلى على أهمية هذه الانتخابات لجهة المشروعية الشعبية التي تمنحها للنظام في مواجهة الضغوطات الخارجية التي تستهدفه وتستهدف شرعيته التمثيلية، من خلال الدعوة إلى انتخابات حماسية وتنافسية ومشاركة شعبية واسعة، فإن الجهات الممسكة بمفاصل هذه الانتخابات والمستهدفة بهذا الخطاب تبدو وكأنها غير معنية في ترجمة ما جاء في كلام المرشد، وذهبت إلى تكريس مصلحة القوى التي تمثلها من التيار المتشدد في المحافظين باعتبارها مصلحة النظام العليا، وأن ما تقوم به هو جزء من واجبها وتكليفها الديني للحفاظ على النظام من التحديات التي قد يواجهها في حال أبدت نوعاً من التراخي في تطبيق رؤيتها أو استراتيجيتها في الإمساك بالسلطة.
وفي محاولة لتخفيف حدة الاتهامات، سعت الجهات المعنية، ومن خلال أداة مجلس صيانة الدستور إلى آلية جديدة في هندسة المشهد الانتخابي، من خلال توسيع قاعدة المرشحين بعد خضوعهم لعملية غربلة واختيار دقيق، بحيث تضمنت لائحة المرشحين شخصيات أساسية من جماعات النظام، تحديداً تلك التي ما زالت في دائرة الولاء للمنظومة وتعتبر جزءاً منها، في مقابل الموافقة على شخصيات ثانوية من الصف الثالث أو الرابع من القوى الإصلاحية التي لا تمتلك القوة التمثيلية أو القادرة على التعبير عن المشروع الإصلاحي بالشكل الذي يجعل منها مصدر خطر أو قلق للنظام.
ومن جهة أخرى، لجأت هذه المنظومة إلى توسيع قاعدة المرشحين أو المشاركين في السباق الانتخابي بصورة لافتة، إذ وصل عدد الأشخاص الذين وافقت لجنة دارسة الأهلية في مجلس صيانة الدستور على ملفات ترشحهم إلى أكثر من 15 ألف مرشح، من المفترض أن يتنافسوا على 290 مقعداً هي عدد كراسي البرلمان، أي إن التنافس سيكون حامياً بين هؤلاء، والمعركة ستدور بين 52 مرشحاً على كل مقعد نيابي.
هذا الحجم من المرشحين للتنافس على كل معقد يضمن لمنظومة السلطة أن تتحكم بالنتائج لمصلحة المرشح الذي تريده أو تدعمه وتسعى إلى إيصاله للبرلمان، من خلال تمرير كلمة السر إلى الكتلة البشرية المؤيدة لها لانتخاب هذا المرشح دون غيره، خصوصاً أن هذه الكتلة البشرية ثابتة ومؤدلجة أو ترتبط مع النظام بمنظومة مصالح، تجعلها قادرة على التحكم بالنتيجة وانتخاب من يريده النظام ومنظومته السلطوية.
في المقابل، فإن توسيع مروحة المرشحين، سيسهم في توزيع الأصوات المعارضة أو غير الموالية بين المنافسين الآخرين، وبذلك فإن هذا التوزيع والتشتت في الأصوات يسمح للمرشح المطلوب بالنفاذ والوصول.
وفي ظل المخاوف التي تسيطر على النظام والتي تحولت إلى مصدر قلق لدى المرشد الأعلى، جراء القناعة التي تكرست لديه بحال النقمة الشعبية من الانتخابات واللاجدوى من عملية المشاركة التي لن تسهم في إحداث تغيير وسط الإجراءات التي تقوم بها الجهات المعنية بالإعداد للانتخابات (مجلس صيانة الدستور مع وزارة الداخلية)، والتي من المفترض أن تترجم بعزوف واسع وكبير عن المشاركة، يبدو أن النظام ومن أجل مواجهة هذه المخاوف والتراجع الكبير في المشاركة الشعبية، فإنه سيعمد إلى استغلال لعبة الأعداد الكبيرة من المرشحين وتوظيفها في رفع نسبة هذه المشاركة، بخاصة في المدن الصغيرة والأرياف التي تتراجع فيها المواقف الأيديولوجية والسياسية والاجتماعية أمام المسائل والأبعاد العائلية والعشائرية التي تشكل المحرك الأبرز في توسيع دائرة المشاركة.
لذا ربما تسهم الأبعاد العائلية والعشائرية في رفع نسبة المشاركة بغض النظر عن المرشح الذي سيكون على لائحة الفوز، وتسمح للمنظومة بمعالجة مخاوف قيادة النظام وأزمة مشروعيتها التمثيلية الشعبية، خصوصاً أن أجهزة الدولة العميقة تتقن آليات اللعبة في تظهير حجم المشاركة والتركيز على الأرقام الكلية، بغض النظر عن حجمها في المدن الكبيرة، لا سيما العاصمة طهران التي تعتبر المؤشر الأساس على حجم هذه المشاركة.
ومن المسائل التي تراهن عليها منظومة السلطة في رفع نسب المشاركة، الجدل الدائر بين بعض القوى المحسوبة على التيار الإصلاحي، أو تلك التي يطلق عليها اسم “إصلاحيو السلطة” حول المشاركة بالحد الأدنى والتي تعتمد على بعدين أساسيين، الأول يقول بإمكان تشكيل لوائح غير مكتملة من الأسماء التي يعتقد بأنها تمثل القوى الإصلاحية ودعمها والاقتراع لها، والثاني في الدعوة التي أطلقها بعض الإصلاحيين إلى المشاركة في الانتخابات تحت عنوان “الاقتراع السلبي” بالورقة البيضاء، مع إدراك هذه القوى بعدم قدرتها على إحداث فارق، إلا أن الهدف الأساس من وراء كل ذلك لدى هذه القوى هو الحفاظ على استمراريتها في الحياة السياسية والمساعدة في خروجها من دائرة الاتهام بالمقاطعة التي تضعها في مواجهة مباشرة مع النظام ومنظومة السلطة.