التصعيد في البحر الأحمر يعقد جهود السلام ويعمق الأزمة الإنسانية في اليمن

التصعيد في البحر الأحمر يعقد جهود السلام ويعمق الأزمة الإنسانية في اليمن

تعز (اليمن) – حمل التصعيد الجاري في البحر الأحمر بسبب تعرّض جماعة الحوثي للسفن التجارية وردّ تحالف حارس الازدهار الذي تقوده الولايات المتحدة عليهم، تعقيدات جديدة للصراع في اليمن وزاد من تعميق الأزمة الإنسانية التي كانت تصنّف أصلا من ضمن الأسوأ في العالم.

وأصبحت الأطراف المتحمّسة لإطلاق مسار سلمي ينهي الصراع الطويل والدامي في اليمن تعبّر عن تشاؤمها بسبب ما طرأ على الملف من تعقيدات.

وقدّم المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ في أحدث إحاطة له أمام مجلس الأمن الدولي بشأن الملف اليمني، صورة قاتمة لجهود حل الأزمة اليمنية لافتا إلى أن عملية الوساطة باتت أكثر تعقيدا.

وقال في إحاطته إنّ على الرغم من الجهود التي بذلت لحماية عملية السلام من التأثيرات الإقليمية للحرب في غزة، فإن ما يحدث على المستوى الإقليمي يؤثر على اليمن، وما يحدث في اليمن يمكن أن يؤثر على المنطقة.

وتطرق غروندبرغ للتبعات الإنسانية المترتّبة على تواصل الصراع في اليمن قائلا “كنا نأمل أن قبل مجيء شهر رمضان أن يأتي الشهر وقد حظينا باتفاق لوقف إطلاق النار في جميع أرجاء اليمن وتدابير لتحسين الظروف المعيشية في البلاد”.

وأضاف “كان يجب أن يكون موظفو القطاع العام في جميع أنحاء البلاد قد تقاضوا رواتبهم ومعاشاتهم التقاعدية، وكان من المفترض أن تُستأنف صادرات النفط ما كان يمكن أن يسمح بتوفير الخدمات بفاعلية أكبر وبتحسين الظروف الاقتصادية، وكان ينبغي أن نتوصل إلى اتفاق آخر بشأن إطلاق سراح المحتجزين ما يتيح لهم العودة إلى ديارهم مع أحبائهم في رمضان.. لكنّ هذه الآمال والتوقعات لم تتحقق”.

وكان مجيء شهر رمضان في ظروف تصعيد وتوتر الأزمة الاقتصادية أشد وطأة على سكان اليمن الذين باتت الغالبية العظمى منهم مضطرة إلى التقشّف متخلية عن العادات الغذائية والاحتفالية التي دأبت على اتّباعها في رمضان.

وقال أمين غالب، وهو من سكان مدينة تعز بجنوب غرب اليمن، إنّه لا يقدر على شراء أي شيء بسبب الغلاء الشديد في أسعار مختلف السلع. وساهم الانهيار الكبير في قيمة الريال اليمني في المناطق التابعة للسلطة الشرعية اليمنية في موجة الغلاء غير المسبوقة في تلك المناطق. وسجلت العملة اليمنية منذ الخميس تراجعا جديدا في قيمتها حيث بلغ سعرها مقابل الدولار الأميركي أكثر من 1700 ريال للدولار الواحد.

وأضاف غالب الموظف الحكومي الذي يعول أسرة من ستة أطفال براتب شهري لا تتجاوز قيمته 35 دولارا متحدّثا لوكالة فرانس برس “كيف يمكنني أن أسدد إيجار المنزل أو فاتورة الكهرباء والغاز والماء وثمن الأكل وكساء الأولاد والدواء”.

ويعاني اليمن وهو أصلا أفقر دول شبه الجزيرة العربية، إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، بحسب الأمم المتحدة. وتشهد البلاد منذ قرابة عقد، نزاعا بين الحكومة المدعومة من تحالف عسكري تقوده السعودية والمتمرّدين الحوثيين المدعومين من إيران الذين يسيطرون على مساحات شاسعة من البلاد أبرزها صنعاء. ومنذ نوفمبر الماضي يستهدف الحوثيون سفنا في البحر الأحمر وبحر العرب بذريعة التضامن مع قطاع غزة في الحرب الإسرائيلية عليه.

وأثرت هجمات الحوثيين على حركة الملاحة في المنطقة الإستراتيجية التي يمرّ عبرها 12 في المئة من التجارة العالمية، وتسببت بمضاعفة كلفة النقل نتيجة تحويل شركات الشحن مسار سفنها إلى رأس الرجاء الصالح في أقصى جنوب أفريقيا، ما يطيل الرحلة بين آسيا وأوروبا لأسبوع على الأقل. وانعكست تداعيات التصعيد العسكري على يوميّات نحو 33 مليون يمني يعتمد ثلثاهم أصلا على المساعدات.

الأطراف المتحمّسة لإطلاق مسار سلمي ينهي الصراع الطويل والدامي في اليمن باتت تعبّر عن تشاؤمها بسبب ما طرأ على الملف من تعقيدات

ويوضح كبير محللي الشرق الأوسط لدى مجموعة نافانتي الاستشارية الأميركية محمد الباشا أن ارتفاع أسعار نقل البضائع المستوردة جراء التوترات في البحر الأحمر، يساهم في التضخم المتسارع أصلا في اليمن بسبب الأزمة الاقتصادية الناجمة عن النزاع. وفي سوق المدينة التي يحاصرها الحوثيون منذ سنوات يعبّر البائعون عن استيائهم من تباطؤ الحركة التجارية وهو أمر غير مألوف خلال شهر رمضان.

ويقول التاجر يوسف عبدالجليل “نحن نتأثر عندما لا يأتي المواطن ليشتري، فيحصل ركود شديد للبضائع وبعضها يتعفّن”. ويخشى البعض أن تتسبب مواصلة الحوثيين هجماتهم على السفن بنقص في المواد الغذائية على المدى الطويل في بلد يستورد 90 في المئة من حاجاته الغذائية.

ويقول الإعلامي اليمني عبدالواسع الفاتكي “يمكن أن تتوقف الموانئ اليمنية عن استقبال البضائع نتيجة ارتفاع منسوب المخاطر الأمنية”. وفي مدينة الحُديدة الساحلية في غرب اليمن الخاضعة لسيطرة الحوثيين، تبدو حركة البيع خفيفة أيضا في السوق. وتعرّضت المحافظة المطّلة على البحر الأحمر للعديد من الضربات التي تشنّها الولايات المتحدة وبريطانيا منذ منتصف يناير على مواقع للحوثيين ردا على هجماتهم على السفن.

وأثّر ذلك على قطاع الصيد البحري الذي يشكل أحد أهم الأنشطة الاقتصادية في الحديدة. ويؤكد الصيادون في المنطقة أنهم باتوا عرضة للخطر كلما أبحروا سعيا لتأمين لقمة عيشهم.

العرب