تدخل تركيا استحقاقاً سياسياً جديداً متمثلاً بالانتخابات المحلية في 31 مارس/آذار الحالي، استكمالاً لمرحلة طويلة من الانتخابات التي شهدتها البلاد منذ العام الماضي، وتتنافس فيها الأطراف السياسية لتحديد مستقبل البلاد، ومستقبلها في الوقت نفسه خلال السنوات المقبلة.
وقبل نحو عام شهدت تركيا انتخابات رئاسية وبرلمانية استنفرت لها البلاد لأكثر من عام. وما إن انتهت تلك الانتخابات حتى تسارعت وتيرة المحاسبة والترتيبات للانتخابات المحلية، التي تجرى بعد أكثر من 10 أشهر من تلك الانتخابات الهامة، حيث تسعى الحكومة لاستكمال فوزها، وتحاول المعارضة تعويض ما خسرته في تلك الانتخابات.
أكثر من 61 مليون مواطن تركي يشاركون في الانتخابات البلدية التي تجرى في يوم واحد، وتبدأ صباحاً وتنتهي عصراً، ويعلن عن نتائجها الأولية في اليوم نفسه، قبيل انتهاء مراحل الاعتراض وإصدار النتائج النهائية.
الانتخابات المحلية التركية وأهميتها
الانتخابات المحلية التركية تجرى مرة كل خمس سنوات، وتشمل البلديات بمختلف مستوياتها، على مستوى المدينة الكبرى التي تضم عدة بلديات، وبلدية المدينة أو المنطقة نفسها. وتشمل انتخاب أعضاء المجلس البلدي والمخاتير.
تعتبر الانتخابات المحلية هامة، لأنها تعكس المزاج العام الشعبي تجاه الأحزاب السياسية، التي تحاول استغلال نتائجها. فعلى سبيل المثال تقدم المعارضة يدفع الحكومة للذهاب إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة.
الانتخابات المحلية التركية التي حصلت في العام 2019 أدت إلى فوز المعارضة، متحالفة في كبرى المدن وأهمها إسطنبول والعاصمة أنقرة، بإجمالي 11 بلدية كبرى. وكانت هذه النتائج غير مسبوقة بعد تولي حزب “العدالة والتنمية” الحكم في البلاد منذ العام 2002.
ودفعت هذه النتيجة أحزاب المعارضة للضغط بشكل مستمر ومتواصل من أجل الذهاب لانتخابات مبكرة، خصوصاً في ظل حصول متغيرات محلية ودولية، منها جائحة كورونا، وأزمة التضخم وارتفاع الأسعار، وكارثة الزلزال في العام 2023، لكن المعارضة لم تتمكن من تحقيق الأغلبية البرلمانية الكافية لذلك.
وخلال انتخابات نهاية الشهر الحالي، تسعى المعارضة لتعويض ما تعرضت له من خيبة أمل من نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية السابقة، وخسارة تحالف الشعب المعارض أمام التحالف الجمهوري. وتأمل المعارضة بالحفاظ على مكتسباتها في كبرى المدن، ومواصلة الضغط على الرئيس رجب طيب أردوغان بأن شعبيته على المحك وبحاجة إلى انتخابات مبكرة. ويوفر الفوز في إسطنبول وكبرى المدن مداخيل مالية كبيرة للأحزاب. فمدينة مثل إسطنبول لديها موارد مالية كبيرة جداً، تساهم في تمويل المشاريع وتقدم المعارضة عبر الخدمات، فيما يأمل التحالف الجمهوري الفوز بكبرى المدن مجدداً.
كيف تجرى الانتخابات
يمكن للأحزاب والأفراد المستقلين المشاركة في الانتخابات المحلية التركية عبر الترشح وفق الشروط المطلوبة. وتجرى من مرحلة واحدة، يفوز بها من يحقق أعلى نسبة من الأصوات بدون أن يكون هناك شرط محدد للوصول إلى نسبة معينة. والانتخابات هذه تبدأ على مرحلتين في يوم واحد، وتجرى داخل تركيا فقط عكس الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لأنها انتخابات إدارة محلية تشمل المقيمين داخل تركيا وعناوينهم مثبتة داخل البلاد.
الانتخابات تبدأ الساعة السابعة بالتوقيت المحلي (العاشرة بتوقيت غرينتش) في 32 من الولايات التي تقع شرقاً (من أصل مجموع 81 ولاية) بسبب مراعاة الظروف الجغرافية والاستفادة من ضوء النهار، وتنتهي الساعة الرابعة عصراً. وفي بقية المناطق الغربية تبدأ الانتخابات الساعة الثامنة صباحاً وتنتهي الخامسة عصراً. الانتخابات الرئاسية والبرلمانية السابقة جرت في وقت الربيع، وكانت ساعات النهار أطول، ولذلك كانت ساعات الانتخاب هي نفسها في عموم البلاد، ولكن حالياً لا يزال الشتاء مسيطراً على البلاد وساعات النهار أقصر.
عدد الولايات والمناطق والبلديات الكبرى
تقام الانتخابات البلدية التركية في عموم الولايات الـ81 التي تشكل محافظات البلاد. وتجرى الانتخابات في 30 بلدية كبرى، أبرزها إسطنبول وأنقرة وإزمير وبورصة وأضنة وقونيا وأنطاليا وهاتاي وغازي عنتاب، ومدن شمال البحر الأسود وغيرها. كما تقام في 51 ولاية و922 منطقة، إضافة إلى 390 بلدة، ليكون مجموع رؤساء البلديات الذين سيتم انتخابهم 1393، فضلاً عن انتخاب أكثر من 32 ألف مختار، وهؤلاء في الأحياء وعموم القرى في البلاد.
وفي انتخابات 2019 فاز حزب “العدالة والتنمية” في 15 بلدية كبرى، و24 ولاية، و535 منطقة و202 بلدة، محتلاً المرتبة الأولى بمجموع 776 بلدية، فيما فاز حزب الشعب الجمهوري في 11 بلدية كبرى، و10 ولايات و195 منطقة، و47 بلدة، بمجموع 263 بلدية. وفاز حزب “الحركة القومية” بمجموع 232 بلدية، و”الحزب الجيد” في 25 بلدية، وحزب “السعادة” في 21 بلدية، وحزب “الشعوب الديمقراطي” في 5 بلديات، إضافة إلى أحزاب أخرى. ولكن الحكومة أعلنت لاحقاً الوصاية على ولايات ذات أغلبية كردية، واعتقلت رؤساء بلديات بسبب ما سمته تحقيقات تثبت ارتباطهم بحزب العمال الكردستاني المحظور.
آلية التصويت والفرز
تتم عملية التصويت في الانتخابات المحلية التركية عبر ختم الأوراق الاقتراعية في صناديق محددة. ولم تعلن الهيئة العليا للانتخابات عن عدد الصناديق بعد، لكنها تقارب 180 ألف صندوق اقتراعي، فيما أعلنت أن كل صندوق يسجل فيه 350 ناخباً.
36 حزباً تركياً يحق له المشاركة في الانتخابات المحلية هذه السنة
وكل ناخب سيختم على عدة أوراق اقتراعية. ففي البلديات الكبرى سيكون الختم على ورقة لاختيار رئيس البلدية وورقة لاختيار رئيس بلدية المنطقة، وورقة أخرى لاختيار أعضاء المجلس البلدي، فضلاً عن ورقة لانتخاب المختار. وبالتالي فإن كل ناخب على الأقل سيختم 3 أوراق، وفي الولايات الكبرى 4 أوراق انتخابية. وبعد الختم بطريقة سرية في قاعة الانتخاب توضع الأوراق في ظرف مختوم مسبقاً، وتوضع في الصندوق.
تبدأ عملية فرز الأصوات مباشرة بعد انتهاء عملية التصويت عبر لجنة الصندوق، التي تضم ممثلي الأحزاب، بحضور المراقبين. كما يمكن لعامة الشعب مراقبة عمليات فرز الأصوات، قبيل أن تعلق الضبوط الانتخابية الموقعة على باب قاعة الانتخابات.
وتجرى الانتخابات عامة في المدارس بمختلف مناطق تركيا. كما أجرت سابقاً الهيئة العليا للانتخابات عملية قرعة من أجل ترتيب الأحزاب السياسية والمستقلين في الأوراق الاقتراعية. كما أن كل بلدية ومنطقة لديها أوراق اقتراعية مختلفة عن المنطقة والبلدية الأخرى.
عدد الأحزاب المشاركة في الانتخابات المحلية التركية
أعلنت الهيئة العليا للانتخابات في وقت سابق أن 36 حزباً تركياً يحق له المشاركة في الانتخابات المحلية، وهي حسب الترتيب الأبجدي، “العدالة والوحدة”، و”العدالة”، و”العدالة والتنمية”، و”وحدة الأناضول”، و”الوطن الأم”، و”الديمقراطية والإشراق”، و”الوطن المحايد”، و”الوحدة الكبرى”، و”تركيا الكبيرة”.
كما يحق المشاركة لكل من أحزاب “الشعب الجمهوري”، و”الديمقراطية والتقدم” (دواء)، و”اليساري الديمقراطي”، و”الديمقراطي”، و”العمل”، و”المستقبل”، و”الشباب”، و”القوة الموحدة”، و”الحقوق والحريات”، و”استقلال الشعب”، و”شعوب المساواة والديمقراطية”.
وإضافة لما سبق يمكن المشاركة في الانتخابات كل من أحزاب “الدعوى الحرة”، و”الجيد”، و”البلد”، و”الأمة”، و”الحركة القومية”، و”الطريق الوطني”، و”السعادة”، و”اليسار”، و”العمل التركي”، و”الحركة الشيوعية”، و”الشيوعي التركي”، و”الوطن”، و”الرفاه من جديد”، و”التجديد”، و”تركيا الجديدة”، و”النصر”.
وإضافة للأحزاب هناك مشاركة كبيرة من المستقلين في الانتخابات. ففي إسطنبول لوحدها يشارك 27 مرشحاً مستقلاً، إضافة إلى 22 حزباً. وفي أنقرة 5 مستقلين، وفي باقي الولايات أيضا.
التحالفات السياسية
الانتخابات المحلية لا تشهد بشكل رسمي تحالفات بين الأحزاب السياسية، كما حصل في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. والتحالف يكون عبارة عن عملية تعاون مشترك بدعم مرشح الحزب في حال توافق الأحزاب.
وفي هذه الانتخابات تكاد أغلب الأحزاب تخوضها بشكل منفصل، وهناك تعاون محدود ينحصر بين عدد محدد من الأحزاب، وليس كما حصل في الانتخابات المحلية السابقة، أو الانتخابات البرلمانية والرئاسية. “التحالف الجمهوري” حافظ على أهم طرفيه، وهما “العدالة والتنمية” و”الحركة القومية”.
والتحالف بينهما يتجسد بتقديم “العدالة والتنمية” لمرشحيه في عدد كبير من الولايات بينها إسطنبول وأنقرة على أن يتم دعمهم من قبل “الحركة القومية”، مقابل تقديم الأخير مرشحين في عدد محدد من الولايات، مثل مانيسا وقرقلا إيلي، أو داخل الولاية نفسها على أن يدعمهم “العدالة والتنمية”. أما “تحالف الشعب” المعارض فتفرق بشكل كبير وتكاد أطرافه تخوض الانتخابات منفردة. فالحزب “الجيد” رفض التعاون مع “الشعب الجمهوري”.
كما أن الأحزاب الصغيرة كـ”المستقبل” و”دواء” و”الديمقراطي” تخوض الانتخابات منفردة، وحزب “ديم” الكردي قدم مرشحيه، لكنه تحدث عن تعاون مع “الشعب الجمهوري” بشكل محلي محدود.
وتجلى هذا التعاون بتغيير “الشعب الجمهوري” مرشحه في منطقة أسنيورت، وتقديم مقرب من الحزب الكردي، مقابل عدم ترشيح الحزب في بقية المناطق، في ظل حديث إعلامي عن انسحاب مرشحي “ديم” في إسطنبول ميرال دانش بيشتاش ومراد تشبني لصالح رئيس البلدية الحالي أكرم إمام أوغلو مرشح “الشعب الجمهوري”.
عدد الناخبين
أعلنت الهيئة العليا للانتخابات يوم السبت الماضي أن عدد الناخبين في الانتخابات المحلية يبلغ 61.441.882 بزيادة 1.032.610 ناخبين جدد عن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية السابقة.
وينتظر أن يشارك قرابة مليون ناخب جديد بلغوا سن 18 عاماً، أو حصلوا على الجنسية التركية حديثاً، في الانتخابات التي تجرى بعد أقل من عام على الانتخابات السابقة. ولا يمكن للناخب أن يصوت إلا في الصندوق المحدد له من قبل الهيئة العليا للانتخابات.
وتعتمد العناوين المسجلة في دائرة النفوس في تحديد أعداد الناخبين وأماكن الانتخاب. ويتم إرسال ورقة تبين للناخب عنوان مركز الاقتراع، فضلاً عن إمكانية معرفة ذلك عبر نظام الدولة الإلكتروني. وتقدم الهوية وبطاقات محددة، مثل جواز السفر وإجازة القيادة، كأوراق ثبوتية معتمدة يجب إبرازها قبل عملية الانتخاب.
الإعلان عن النتائج
تعلن نتائج الانتخابات المحلية التركية بشكل أولي في وقت متأخر يوم الاقتراع، أو في ساعات اليوم التالي. وبحسب تقويم الهيئة العليا للانتخابات فإن هناك مرحلة اعتراض، وعقب استكمالها تعلن النتائج بشكل نهائي. ويعقب ذلك تسلم الفائزين ضبوط فوزهم، ما يخولهم تسلم حقيبة البلدية كل في المكان الذي فاز فيه، ما لم يتقرر إعادة الانتخابات، كما حصل في انتخابات بلدية إسطنبول في العام 2019.