وجه مشوش وصوت غليظ وملل في التعبير، هذا ما نراه ونسمعه في خطابات المرشد الإيراني علي خامنئي في العامين الماضيين.
ويعتبر خامنئي آخر ما تبقى من مجموعة روح الله الخميني التي استولت على السلطة بعد عام 1979. وفي بداية تشكيل نظام “الجمهورية الإسلامية”، كان خامنئي سياسياً مهمشاً وغير بارز، إلا أنه سرعان ما أصبح من الشخصيات المقربة جداً من الخميني بعد القضاء على منافسيه. وفي نهاية الأمر، استطاع أكبر هاشمي رفسنجاني، ومن خلال خدعته المعروفة التي مررها على مجلس الخبراء، أن يجلس خامنئي على كرسي مرشد النظام.
مجتبى.png
بدأ مجتبى التدريب في مدرسة والده منذ التحضير للانتخابات الرئاسية عام 2005 (رويترز)
المرشد خامنئي الآن هو صاحب السلطة في النظام الإيراني منذ 34 عاماً، لكن يبدو أنه سيفقدها قريباً. ومثل جميع الطغاة في التاريخ لم يبق منه سوى الاسم. وهذا ما حاول خامنئي محاربته في العقدين الماضيين. ومن دون أدنى شك، لا يستطيع أن يتصالح مع الموت، لكنه سيحاول ألا يكون مجرد اسم جديد في قائمة الديكتاتوريين الذين ماتوا. ولهذا، فإن خامنئي يعتقد أن عملية اختيار الخليفة هي مشروع شخصي أكثر من كونها مرتبطة بعلاقات السلطة فحسب، بل مشروع يجب أن تكون مخرجاته استمراراً لإرثه القيادي من دون أي نقص وفي الاتجاه نفسه تماماً.
هذا المسار الذي يتبعه خامنئي في اختيار الخليفة ظهر جلياً وبوضوح في لقائه مع أعضاء مجلس خبراء القيادة في فبراير (شباط) الماضي، إذ تحدث المرشد عن أهمية مجلس الخبراء الذي لم يكن له أي دور في اختيار خليفة المرشد قائلاً “يجب على مجلس خبراء القيادة في اختياراته أن يحرص على المبادئ الثابتة للجمهورية الإسلامية ولا يمكن إهمالها، لأنها مهمة جداً. أي إن اختيار المرشد يجب أن يتم على أسس ثابتة، وهي في الجمهورية الإسلامية تعتبر من المسلمات والثوابت”.
وخلاصة هذا الاقتراح الذي وجهه إلى أعضاء مجلس خبراء القيادة هو: أن المرشد الثالث يجب أن يستمر بالآلية نفسها التي حكمت البلاد بها، وما فعلته يسمى المبادئ الثابتة لـ”الجمهورية الإسلامية”، ومن يحلم في إعادة النظر والمراجعة، لن يكون له مكان في السلطة في المستقبل بعد وفاتي.
لن يقام مؤتمر الـ20
لقد تعلم مرشد النظام الإيراني هذا الدرس من التاريخ وهو أن المراجعة من قبل الخلفاء هي من نسل الديكتاتوريين. لقد عانى جوزيف ستالين، الذي كان، ذات يوم، رمزاً للسلطة المطلقة في الاتحاد السوفياتي، مصيراً يخشى خامنئي من تكراره عندما يتوقف قلبه فجأة عن الحركة. وقد تكون حاله حال ستالين يخاف من الموت، لكن خوف خامنئي الأكبر ليس تلك اللحظة الحتمية التي يتوقف فيها قلبه وعقله إلى الأبد، بل ظهور شخص مثل نيكيتا خروتشوف بعد دفن جثته الهامدة.
ألقى خروتشوف، خليفة ستالين، خطاباً سرياً في المؤتمر الـ20 للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي، الذي سرعان ما تسرب إلى وسائل الإعلام الغربية، إذ كان قد ركز الخطاب العاطفي على فترة ستالين القاسية وانتقد شخصيته بشدة، واعتبر خطاب خروتشوف من قبل عديد من المؤرخين بمثابة بداية عملية انهيار نظام الاتحاد السوفياتي، وهذا ما يخشى خامنئي تكراره في نظام “الجمهورية الإسلامية”.
وفي العقدين الماضيين، كان خامنئي يبحث عمن يعتبر المرشد الثاني (خامنئي) معلمه وقائده، وأن يكون ملتزماً مبادئه ومنهجه في الحكم ويستمر في ما كان يفعله ويحرم ما كان يتجنبه. لكن كيف يمكن التأكد من استمرار الخليفة على المسار نفسه بعد وفاة خامنئي؟
وخلال حياة ستالين، لعب خروتشوف دوراً مماثلاً للأشخاص الذين هم الآن في الدائرة المقربة لخامنئي، إذ أطاع خروتشوف بصورة عمياء كل ما أمر به ستالين، ولم يعتد على قدسية الديكتاتور حتى في الخفاء، إلا أن القصة أخذت صورة مختلفة بعد أن توفي ستالين.
عام 2024 قد يكون عام وفاة خامنئي، إذ ذكرت عديد من الأسماء لخلافته في العقدين الماضيين، ومنهم: أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمود شاهرودي وعلي أكبر ناطق نوري وحسن روحاني وصادق آملي لاريجاني، إلا أنه، اليوم، إما تم تهميشهم وإقصاؤهم بسبب اتهامات الفساد الاقتصادي أو ماتوا قبل أن يموت خامنئي.
ولدى المرشد سياسة خاصة به، ويدين بصعوده من سياسي علي الهامش إلى ديكتاتور مطلق إلى درسين وأسلوبين رئيسين. أولاً، إذا كنت لاعباً ضعيفاً، فعليك أن تنافس وتقارع الأقوياء حتى تستهلك طاقتهم وتصبح الخيار الوحيد عند الضرورة. وأما ثانياً، في الأنظمة الفاسدة، يمكن للشخص الذي يتحكم في الأجهزة الأمنية والعسكرية أن يكون المحرك الرئيس للسلطة.
من الذي لن يخون خامنئي؟
ومن أجل أن يكون تقديرنا لخيار خليفة المرشد خامنئي قريباً من الواقع، علينا أن نتبع هذا النموذج، من هو الفاعل الأساس في مشروع إقصاء المنافسين والمسموح له أن يتواصل مع القوات العسكرية والأمنية بصورة مباشرة اليوم؟ هل الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي قادر على أن يكون مهندساً لهذه اللعبة المعقدة؟ أو هناك خيار آخر؟
ولعل مثل هذا الخيار يمكن أن نجده بين خطوط السياسة في نظام “الجمهورية الإسلامية”، إذ منذ عام 2015، كلما دار الحديث عن إمكانية الوصول غير المحدود إلى القوات العسكرية والأمنية، وكذلك تعيين أو إقصاء الأشخاص في مؤسسات النظام، يبرز لنا اسم واحد فقط ألا هو مجتبى خامنئي نجل المرشد.
بدأ مجتبى التدريب في مدرسة والده منذ التحضير للانتخابات الرئاسية عام 2005، إذ كشف مهدي كروبي في الرسالة التي وجهها إلى علي خامنئي في الـ19 من يونيو (حزيران) 2005، بوضوح، مستوى الدعم الذي قدمه علي خامنئي لابنه وانخراطه في الشؤون السياسية.