خرجت حرب الظل أو الحرب بالوكالة التي استمرت لسنوات بين إسرائيل وإيران إلى العلن عندما شنت إيران هجوماً بالصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل رداً على غارة إسرائيلية في سوريا أدت إلى مقتل عديد من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني.
ومع انخراط القوات الأميركية المنتشرة بالمنطقة في الدفاع عن إسرائيل ومطالبتها الطرفين بعدم التصعيد، يبقى السؤال هو ما حدود الدور الذي ستلعبه الإدارة الأميركية؟ وهل تستجيب حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمطالب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن؟ وإلى أي مدى يمكن أن تشارك الولايات المتحدة في حرب إقليمية أوسع؟
على شفير حرب أوسع
منذ هجوم حركة “حماس” على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، سعت الإدارة الأميركية إلى كبح جماح كل من إسرائيل وإيران عن الانزلاق في حرب أوسع، حتى عندما قتلت الميليشيات التابعة لإيران ثلاثة جنود أميركيين في يناير (كانون الثاني) الماضي، ردت الولايات المتحدة بطريقة منضبطة ومحسوبة، أدت إلى ردع إيران وميليشياتها الوكيلة، وحالت في الوقت نفسه دون اتساع نطاق الحرب من غزة إلى مساحات أوسع.
غير أن هجوم إيران على إسرائيل باستخدام ما بين 200 و300 من الصواريخ الباليستية وطائرات الدرون، يضع المنطقة على شفا حرب أوسع لا يبدو أن أحداً يريدها فعلياً، لكن الواقع هو أن ما حدث ليس توسيعاً للحرب في غزة، وإنما نتيجة طبيعية لذلك.
ولأن هذه هي المرة الأولى التي تشن فيها إيران هجوماً مباشراً على إسرائيل، فإنها تحطم عتبة الصراع السابقة في الحرب الطويلة الأمد بين البلدين، مما يخرجها من الظل إلى النور، وفي أحسن الأحوال يكاد يكون من المؤكد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيرد ويتخذ خطوات لمهاجمة أهداف داخل إيران، بطريقة محددة بحيث لا تؤدي إلى رد إيراني كبير.
لكن في أسوأ الأحوال قد يكون الرد الإسرائيلي مكثفاً، ويشمل قصف مواقع إيرانية مهمة، وفقاً لضابط الاستخبارات الوطنية الأميركية السابق للشرق الأدنى جوناثان بانيكوف، على اعتبار أننا في بداية حقبة جديدة، تكون فيها إيران مستعدة للرد مباشرة على الهجمات الإسرائيلية، وبذلك تخاطر بالانتقام.
التوازن والردع
يمثل الهجوم الإيراني بالصواريخ الباليستية وطائرات الدرون على إسرائيل المرحلة التالية من البحث عن التوازن والردع المتبادل في الشرق الأوسط، ذلك أن السبب المباشر للهجوم الإيراني هو الغارة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في سوريا، والتي أسفرت عن مقتل عديد من كبار ضباط الحرس الثوري الإيراني، مما جعل الرد الإيراني حتمياً، كما كان الهجوم الإسرائيلي في الأول من أبريل (نيسان) الجاري نتيجة لمحاولاتها المستمرة لإعادة بناء الردع ضد إيران في أعقاب هجوم “حماس” في السابع من أكتوبر 2023، بحسب العضو السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي دانييال موتون.
AFP__20240413__34PD8GG__v3__HighRes__TopshotIsraelIranPalestinianConflict.jpg
أثار الهجوم الإيراني قلق إسرائيل على رغم التحذيرات المسبقة (أ ف ب)
وفي حين حذرت إسرائيل والولايات المتحدة إيران من تنفيذ الهجوم، إلا أن قيادتها أدركت أن ثمن عدم الهجوم أعلى من الهجوم نفسه، لأنه كان يتعين على طهران إعادة توازن معادلة الردع في مواجهة إسرائيل، ومع ذلك فإن نجاح الولايات المتحدة وإسرائيل في اعتراض جميع طائرات الدرون والصواريخ القادمة من إيران يمكن أن يسمح لإسرائيل الرد بعقلانية وربما إغلاق الصراع الحالي بين البلدين.
الدور الأميركي
ومن الواضح أن الرئيس الأميركي جو بايدن حاول لجم حكومة نتنياهو عن الرد على طهران، إذ أكد في بيان أصدره البيت الأبيض أن إسرائيل أظهرت قدرة عالية على هزيمة الهجمات الإيرانية غير المسبوقة، وبعثت برسالة واضحة لخصومها بأنهم لا يستطيعون فعلياً تهديد أمن إسرائيل، كما كشفت وسائل إعلام أميركية عن أن بايدن أوضح لنتنياهو في مكالمة هاتفية عقب الهجوم الإيراني أن الولايات المتحدة لن تشارك إسرائيل في أي هجوم ضد إيران، وإن كانت لا تزال ملتزمة الدفاع عنها.
اقرأ المزيد
الاستخبارات الأميركية: طهران لديها أكبر عدد من الصواريخ الباليستية بالمنطقة
مواجهة إسرائيلية – إيرانية في مجلس الأمن وغوتيريش: الوقت حان لتهدئة التوترات
إيران تقصف إسرائيل بأكثر من 300 مسيرة وصاروخ وواشنطن على الخط
غير أن إسرائيل التي بدت منذ هجومها على القنصلية الإيرانية بدمشق غير مبالية بالتداعيات، تدرك أنها تتمتع بميزة موقتة تتمثل في زيادة القوات العسكرية الأميركية في المنطقة، التي تعد بمثابة بوليصة التأمين لإسرائيل، فقبل عام واحد فقط، كان لدى الولايات المتحدة جزء صغير من الطائرات العسكرية والسفن الحربية الموجودة الآن في المنطقة.
أخطار التجاهل
ويخشى عديد من الخبراء الاستراتيجيين في الولايات المتحدة ألا تمتثل حكومة نتنياهو اليمينية المتشددة لطلبات الإدارة الأميركية، بسبب رغبتها في عدم الظهور بموقف ضعيف إقليمياً وعالمياً في مواجهة إيران بصرف النظر عن نجاح أو فشل الهجوم الإيراني، لأن إسرائيل تشعر بأن عليها أن تتحرك وترد على إيران بينما تتمتع بوجود قوي للقوات الأميركية في الشرق الأوسط، وهي تدرك تماماً أنه لا توجد ضمانات بعدم حدوث دورة تصعيدية أخرى في مرحلة لاحقة، في وقت أوضح فيه كبار المسؤولين في البنتاغون مراراً أنهم يريدون سحب القوات الأميركية من الشرق الأوسط وإعادة نشرها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وأوروبا.
وفيما طالب مسؤولو وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) نظراءهم الإسرائيليين باطلاعهم على أي خطط للرد من جانب إسرائيل، تبرز قضية لم يتم حلها بين واشنطن وتل أبيب وهي الافتقار إلى الشفافية، إذ لم يخطر القادة الإسرائيليون الولايات المتحدة بضربتهم القنصلية الإيرانية في مطلع أبريل الجاري، ويخشى الأميركيون أن تعمد حكومة نتنياهو إلى تكرار تجاهل النصائح الأميركية بما قد يؤدي إلى عواقب تورط الولايات المتحدة في صراع إقليمي أوسع.
وما يزيد من أخطار التصعيد أن إيران تشعر أنها ردت بما فيه الكفاية على الهجوم الإسرائيلي على منشآتها، وروجت ما تصفه بالانتقام المرير ضد إسرائيل لدى الميليشيات الوكيلة لها بهدف حفظ ماء الوجه والزعم بالانتصار، وهو ما يعكسه حرص النظام الإيراني على دفع مؤيديه إلى الاحتفال في الشوارع بهذا الرد العسكري، وحشد الإيرانيين المؤيدين للنظام عند قبري قائد فيلق القدس قاسم سليماني الذي اغتالته الولايات المتحدة في 2020، وقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في لبنان وسوريا العميد محمد رضا زاهدي، الذي اغتالته إسرائيل في الأول من أبريل الجاري.
تأثير دائم
ويعتقد البعض في الولايات المتحدة أنه كان بإمكان إيران أن تختار رداً أقل على الهجوم الذي وقع في الأول من أبريل الجاري على قادة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في دمشق، لأنه بغض النظر عن نجاح أو فشل الهجوم الإيراني من منظور عسكري، فإنه من منظور سياسي سيكون هناك تأثير دائم لإطلاق مئات الصواريخ وطائرات الدرون من الأراضي الإيرانية على الأراضي الإسرائيلية، أكثر من تأثير الهجمات الأخيرة وما آلت إليه.
AFP__20240414__34PC7BW__v3__HighRes__PalestinianIsraelIranConflict.jpg
يمثل الهجوم الإيراني المرحلة التالية من البحث عن التوازن والردع المتبادل (أ ف ب)
ويعود هذا التأثير الدائم إلى أن إيران اعتمدت على مدى سنوات طويلة سياسة إنكار مسؤوليتها عندما تستخدم وكلاءها لمهاجمة أهداف داخل إسرائيل ودول أخرى، لكن الآن أزيل هذا القناع باستهداف إسرائيل مباشرة من الأراضي الإيرانية لتصبح المعركة مكشوفة للجميع، وفقاً لنائب مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لمكافحة الإرهاب توماس واريك.
“حماس” في الميزان
مع إعلان حركة “حماس” رفضها المقترحات الإسرائيلية لتبادل الأسرى والتوافق على هدنة وإدخال المساعدات في نفس يوم توجيه إيران هجومها على إسرائيل، تكون رسالة مباشرة قد وصلت إلى حكومة نتنياهو مفادها أن توسع الصراع مع إيران سيؤدي إلى نتائج عكسية لأهداف لإسرائيل المعلنة مسبقاً في التخلص من “حماس” في قطاع غزة إذا كانت إسرائيل لا تزال تعطي الأولوية لذلك، لأن حرباً موسعة مع إيران ستحول أولويات تل أبيب باتجاه طهران وحلفائها في لبنان وسوريا والعراق واليمن فضلاً عن “حماس” في غزة.
وإذا كان النظام الإيراني أوضح عبر الهجوم الأخير الذي تعتبره طهران انتصاراً أن إسرائيل في حاجة إلى بذل كل ما في وسعها لتحقيق السلام، فقد ترى حكومة نتنياهو الأكثر تشدداً في تاريخ إسرائيل أن القضاء على التهديد الذي تمثله “حماس” هو السبيل الأفضل الآن، وإلا فإن إسرائيل ستواجه موجات أخرى من الهجمات الصاروخية من الدول والأراضي المجاورة، وليس من مسافة عدة ساعات.