منذ أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، نشط العراق دوره السياسي والدبلوماسي في دول الإقليم والعالم للعب دور الوسيط لتهدئة التوترات في المنطقة وعدم جرها إلى حرب جديدة بسبب النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي.
ويرتبط العراق بعلاقات مميزة مع الجانبين الأميركي والإيراني مما يؤهله للعب دور الوسيط للحد من التوتر في المنطقة والضغط باتجاه التهدئة.
ويؤكد متخصصون في الشأن العراقي لـ”اندبندنت عربية”، أن “العراق يملك كل مقومات القوة الجيوستراتيجية للعب دور فاعل ومؤثر في أحداث الشرق الأوسط والعالم، ويمكن أن يكون طاولة حوار لجميع الفرقاء الإقليميين والدوليين”.
ضرورة تخفيف التوترات
وبحث الرئيس العراقي عبداللطيف جمال رشيد، خلال لقائه مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي ومسؤولين في مستشارية الأمن القومي، التطورات الأخيرة في المنطقة والتداعيات الناجمة عنها، حيث شدد الرئيس على “ضرورة تخفيف التوترات وعدم الانجرار إلى توسيع دائرة الصراع”، مؤكداً أن “الحروب لن تجلب الحلول للشعوب وستعمق المشكلات بين البلدان”. وأشار رئيس الجمهورية إلى “ضرورة وقف العدوان على قطاع غزة، وإيجاد حل جذري للقضية الفلسطينية باعتبارها عنصراً أساسياً لاستقرار المنطقة، عبر منح الشعب الفلسطيني كامل حقوقه المشروعة”.
من جانبه، قدم مستشار الأمن القومي للرئيس عرضاً حول الوضع الأمني والخطط الموضوعة للحفاظ على الاستقرار في البلد. وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ذكر قبيل توجهه إلى واشنطن تلبية لدعوة من الرئيس الأميركي جو بايدن، أن هذه الزيارة تأتي “في ظرف دقيق وحساس على مستوى العلاقات مع الولايات المتحدة، وكذلك على مستوى ظروف المنطقة وما يحصل في الأراضي الفلسطينية من جرائم تجاه الأبرياء، فضلاً عن المخاوف من اتساع نطاق الصراع”.
كما أشار السوداني إلى أن “اللقاء بالرئيس بايدن سيتناول ظروف المنطقة وما تشهده من تصعيد، والدور المشترك في العمل على التهدئة ومنع الصراع من الاتساع بما يؤثر على الاستقرار في العالم، وسيستعرض اللقاء عمل اللجنة العسكرية العليا بين العراق والتحالف الدولي، الهادفة للوصول إلى جدول زمني لإنهاء مهمة التحالف والانتقال إلى علاقات ثنائية مع الدول المشاركة”.
في السياق، قال الأكاديمي العراقي خالد العرداوي، إنه “يمكن للعراق أن يلعب دوراً مؤثراً أكبر في تهدئة الأوضاع الإقليمية، إذا ازداد وضوح وحياد واستقلالية سياسته الخارجية، وقويت جبهته الداخلية، بحيث تكون حكومته الاتحادية هي الممسكة الحقيقية بقراره السياسي الذي يحفظ مصالحه العليا الداخلية والخارجية”.
ورأى العرداوي أن “لدى العراق كل مقومات القوة الجيوستراتيجية للعب دور فاعل ومؤثر في أحداث الشرق الأوسط والعالم وأنه يمكن أن يشكل طاولة حوار لجميع الفرقاء الإقليميين والدوليين، والوسيط الإقليمي الموثوق فيه من الجميع، إذا ما وظف مقومات قوته بشكل صحيح، وكان مشاركاً أساسياً في تحديد جدول الأعمال الإقليمي، لا أن يكون مجرد ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية أو كان دوره هامشياً مقتصراً على التأثر بأفعال الآخرين”.
الاعتداءات الإسرائيلية
من جهة أخرى، كشف المتحدث باسم “ائتلاف النصر” (تحالف سياسي يتزعمه رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي)، عقيل الرديني، أنه “لا شك في أن ما يحصل في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط هو تحد خطير وتصاعد وتوتر كبير في المنطقة، وهذا ناتج عن الاعتداءات الإسرائيلية واحتلالها فلسطين. كذلك فإن عدم الالتزام بالقرارات الدولية ضعف الإرادة الدولية لفرض حلول عادلة في المنطقة”، مبيناً أنه “يجر المنطقة إلى تحد كبير وتوسع الرقعة في العمليات العسكرية وربما تدخل أطراف أخرى”.
وتابع المتحدث ذاته أنه “من الممكن أن يلعب العراق دوراً في هذا الصدد باعتبار أنه يمتاز بامتلاك علاقات ثنائية مع الولايات المتحدة وإيران، يمكنه استثمارها ولعب دور الوساطة، كما لعب في وقت سابق دوراً كبيراً في الوساطة بين دول إقليمية والحد من خلافاتها”، مؤكداً أن “المنطقة في حال استمرار التوتر ستجر إلى حروب وأزمات كبيرة، ستضعف التواصل الدولي وسيكون الاقتصاد العالمي والإقليمي في خطر باعتبار أن منطقة الشرق الأوسط منطقة غنية وأكثر من 60 في المئة من النفط العالمي يخرج منها”.
حل الأزمات الإقليمية
من جهته، قال الباحث السياسي واثق الجابري، إن “العراق يملك عنصر التوازن في طبيعة العلاقات الدولية ولا يميل إلى محور من المحاور”، مبيناً أنه “بعد الضربات الإيرانية الأخيرة على إسرائيل، فإن وجود رئيس الوزراء العراقي في واشنطن قد يلعب دوراً مهماً في تقريب وجهات النظر ومحاولة احتواء هذه الأزمة. وكان العراق جسراً لتقريب وجهات النظر وحل كثير من الإشكاليات، إذ إن الحروب لا تخدم أحداً والنزاعات ستؤدي إلى خسارة كل الدول المشتركة فيها”. وأضاف أن “رئيس الوزراء من خلال مباحثاته مع الجانب الأميركي سيطرح قضية حل الأزمات الإقليمية لا سيما ما يتعلق بغزة”، مشدداً على أن “العراق يسعى إلى انطلاق مشروع طريق التنمية الذي يبين وجهات النظر ضمن طاولة الحوارات المطروحة في المفاوضات مع الجانب الأميركي، وطرح في هذا الصدد رؤية بناء تكتل اقتصادي يربط مصالح المنطقة ويقلل الخلافات في ما بين دولها”.
سياسة المحاور
في المقابل، كشف الباحث السياسي العراقي علي البدر، أن “العراق يمسك العصا من المنتصف ويقترب من جميع الأطراف ويقف على مسافة واحدة من جميع الخطوط والتوجهات، بعيداً من سياسة المحاور والأقطاب، لذلك يمثل العامل المشترك الأهم والأكبر في القدرة على صناعة واقع أفضل في المنطقة وامتصاص زخم جميع المواقف ووجهات النظر المتوترة وحتى عمليات التصعيد”.
واعتبر البدر أن “الساحة العراقية أصبحت محط اهتمام أنظار العالم الذي بدأ يفكر في تأسيس وصناعة استثمارات جديدة في الشرق الأوسط. ويعمل العراق على الانتقال من حالة امتصاص الصدمة إلى حالة الفعل ورد الفعل والمبادرة”.