العقوبات المنسقة ضد إيران تتطلب تنفيذاً منسقاً

العقوبات المنسقة ضد إيران تتطلب تنفيذاً منسقاً


في أعقاب هجوم إيران على إسرائيل، يسعى زعماء العالم إلى بناء تحالف من الراغبين في محاسبة طهران على أنشطتها الخبيثة – على الرغم من أنه لن يكون هناك التأثير المقصود للعقوبات دون وجود تعاون للشركاء في تنفيذها القوي أيضاً.

على غرار الدفاع الجوي المنسق الذي نجح في التصدي للجزء الأكبر من الهجوم الإيراني الضخم على إسرائيل في 13 نيسان/أبريل، جاءت الدفعة الأولى من الإجراءات الدولية ضد طهران على شكل عقوبات منسقة، على أن يستتبعها المزيد من التدابير المماثلة. وتركز هذه العقوبات على برامج الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية الإيرانية، من بين أهداف عسكرية أخرى. ومع ذلك، فإن الأمر الأكثر أهمية من الكيانات المحددة المذكورة هو الجهود المبذولة لبناء تحالف من الدول ذات التوجه المماثل، المستعدة لاتخاذ إجراءات منسقة ضد إيران، فضلاً عن العمل من خلال المنظمات متعددة الأطراف ومعها، مثل “مجموعة السبع” والأمم المتحدة. وهذا وحده يبعث رسالة واضحة إلى طهران، على الرغم من أنها لن تكون مجدية فعلياً ما لم تؤدِ إلى إنفاذ العقوبات بشكل منسق أيضاً.

من هم المصنّفين

أصدرت بريطانيا والولايات المتحدة إعلانات عقوبات موازية، حيث وصفت الأولى الإجراءات بأنها “حزمة منسقة” بينما وصفتها الثانية بأنها إجراءات “متزامنة”. والغرض المعلن منها هو “تشديد الخناق على الجهات الفاعلة الرئيسية في صناعات الطائرات المسيّرة والصواريخ في إيران والحد بشكل أكبر من قدرة إيران على زعزعة استقرار المنطقة”.

وصنفت بريطانيا سبعة أشخاص وستة كيانات على خلفية تسهيل “نشاط إيران المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط، بما في ذلك هجومها المباشر على إسرائيل”. وشملت الكيانات المصنَّفة “هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة” (الإيرانية)، و”البحرية التابعة للحرس الثوري الإسلامي الإيراني”، و”المقر المركزي لخاتم الأنبياء”. وقد سبق أن صنفت الولايات المتحدة هذه الكيانات باستثناء اثنين منها هي “شرکة آسمان پیشرانه للخدمات الهندسية” و”شركة مهتابال” لصناعة الطائرات بدون طيار.

واستهدف الإعلان الأمريكي ستة عشر شخصاً وكيانين مرتبطين ببرنامج الطائرات المسيّرة، إلى جانب خمس شركات أجنبية توفر عناصر إنتاج الفولاذ الإيراني. وتنتشر هذه الشركات الأخيرة في مختلف أنحاء العالم – في بريطانيا وألمانيا وهونغ كونغ وتركيا والإمارات العربية المتحدة. واستخدمت واشنطن أيضاً سلطات مكافحة الإرهاب لاستهداف عدد من الشركات في صناعة السيارات الإيرانية لدعمها “الحرس الثوري الإسلامي الإيراني”. وإلى جانب هذه الإجراءات التي اتخذتها وزارة الخزانة  الأمريكية، أصدر “مكتب الصناعة والأمن” التابع لوزارة التجارة الأمريكية ضوابط جديدة تقيّد وصول إيران إلى تقنيات محددة (على سبيل المثال، الإلكترونيات الدقيقة الأساسية من الدرجة التجارية).

تحالف الراغبين

ينطوي الجانب الأكثر أهمية في التصنيفات على الجهد المبذول لتقديمها كخطوة أولى ضمن جهود منسقة متعددة الجنسيات. فقد صرحت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين ما يلي: “اليوم، بالتنسيق مع المملكة المتحدة وبالتشاور مع الشركاء والحلفاء، نتخذ إجراءات سريعة وحاسمة للرد على هجوم إيران غير المسبوق على إسرائيل”؛ وأضافت بأنه سيتم اتخاذ المزيد من الإجراءات قريباً. وعلى نحو مماثل، أفاد وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون قائلاً: “تُظهر العقوبات التي أُعلن عنها اليوم إلى جانب الولايات المتحدة إدانتنا القاطعة للهجوم الإيراني على دولة ذات سيادة”.

والجدير بالذكر أنه تم الإعلان عن هذه التصنيفات خلال اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع في إيطاليا. فقد صرح قادة المنظمة الحكومية الدولية بشكل مشترك بأنهم “يدينون بشكل لا لبس فيه وبأشد العبارات الهجوم الإيراني المباشر وغير المسبوق ضد إسرائيل”، كما التزموا بالعمل معاً “لتحقيق الاستقرار وتجنب المزيد من التصعيد”. وفي بيان لاحق، أفادوا قائلين: “سنحمّل الحكومة الإيرانية المسؤولية عن أفعالها الخبيثة والمزعزعة للاستقرار، ونحن على استعداد لتبني المزيد من العقوبات أو اتخاذ إجراءات أخرى، حالياً ورداً على المزيد من التحركات المزعزعة للاستقرار”. وبالمثل، أدان وزراء المالية وحكام المصارف المركزية لدول مجموعة السبع الهجوم، متعهدين “بضمان التنسيق الوثيق في إطار أي إجراءات مستقبلية لتقليل قدرة إيران على الحصول على الأسلحة أو إنتاجها أو نقلها لدعم الأنشطة المزعزعة للاستقرار في المنطقة”.

وفي مقر الأمم المتحدة، أصدرت مجموعة من 48 دولة عضو في المنظمة الدولية بياناً صحفياً مشتركاً أدانت فيه الهجوم وأشارت ضمناً إلى فرض عقوبات منسقة: “نحن نرحب بالجهود المبذولة لتجنب المزيد من التصعيد الفوري للعنف في المنطقة، في أعقاب الجهود المنسقة الناجحة لصد الهجوم الإيراني”. وهذا البيان جدير بالثناء، ولكن للأسف، تم إصداره بالتزامن مع اجتماع مجلس الأمن الدولي وليس كبيان أو قرار رسمي لمجلس الأمن. وقد دعمت الصين وروسيا طهران حتى بعد الهجوم، وستستمران على الأرجح في عرقلة قرارات مجلس الأمن بشأن العقوبات. وبناءً على ذلك، لابد أن تحظى التدابير الدولية التي تستهدف إيران بدعم واسع النطاق وأن تكون منسقة جيداً لكي تكون فعالة.

الحاجة إلى التنفيذ المنسق

على الرغم من أن العقوبات المشتركة تبعث برسالة قوية إلى طهران فيما يتعلق بالوحدة الدولية ضد أنشطتها الخبيثة، إلّا أن هذه التدابير لن تحقق تأثيرها المنشود ما لم يكن التنفيذ قوياً ومنسقاً بالكامل أيضاً. ولتوضيح المسألة، بلغت صادرات النفط الإيرانية مؤخراً أعلى مستوياتها منذ ستة أعوام على الرغم من العقوبات القائمة، حيث بلغ متوسطها 1.56 مليون برميل يومياً في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، وذهبت جميع هذه الصادرات تقريباً إلى الصين. ووفقاً لبعض التقارير يمثل ذلكحوالي 35 مليار دولار سنوياً من الإيرادات الإضافية لطهران. وبالمثل، لم تمنع العقوبات الحالية نمو الصادرات الألمانية إلى إيران بنسبة 22 في المائة، إذ بلغت 241 مليون يورو في الشهرين الأوّلين من عام 2024.

وتسلط التصنيفات الجديدة الضوء أيضاً على كيفية تحايل إيران بشكل متكرر على العقوبات من خلال استعانتها بوسطاء لشراء المواد عن طريق دول ثالثة. وكما هو مذكور أعلاه، كانت شركات تعمل من دبي ودوسلدورف وهونغ كونغ وإسطنبول ولندن من بين الشركات التي تم تصنيفها على خلفية توفيرها قطعاً ومواداً لصناعة الفولاذ الإيرانية. ومع ذلك، فإن تطبيق العقوبات الحالية هو الطريقة الأكثر فعالية لاستهداف أنشطة إيران الخبيثة، حتى أكثر من إدراج كيانات جديدة على قوائم التصنيف.