إيران وروسيا بين التوظيف المتبادل والرؤية المشتركة

إيران وروسيا بين التوظيف المتبادل والرؤية المشتركة

تعمل إيران وروسيا على توظيف علاقتهما ببعضهما بعضاً على النحو الذي يجعل كلاً منهما يستفيد من الآخر في مواجهة الغرب، أي أن الغرب والعلاقة مع واشنطن هي البوصلة الموجهة لعلاقة الطرفين.

وفى حين تطورت تلك العلاقة على نحو ضاعف قلق الغرب منذ الحرب الروسية في أوكرانيا، والتي على إثرها تداخلت أزمة كييف مع أزمات الشرق الأوسط، ومع أن روسيا تحاول أن تكون في موضع يجعلها توازن بين علاقتها مع إيران وخصوم طهران في الوقت ذاته من دول المنطقة مثل إسرائيل، إلا أن زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي أحمديان إلى عاصمة الشمال الروسي سان بطرسبورغ ومحادثاته مع نظيره الروسي نيكولاي باتروشيف جاءت لتحمل دلالات مهمة في أعقاب انتهاء جولة المواجهة العسكرية المباشرة ذات الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل.

وعلى رغم التصريحات الروسية الداعية طوال الوقت إلى تجنب التوترات والتصعيد في المنطقة، إلا أن روسيا تستفيد من توظيف الورقة الإيرانية المناوئة للغرب عندما تتأزم الملفات بين روسيا والغرب، أو عندما تريد تحقيق مكاسب في الشرق الأوسط.

وأُعلن في ختام الاجتماع عن توقيع مذكرة تفاهم بين مجلسي الأمن في روسيا وإيران ليضيف بعداً جديداً لحلقات تعزيز التحالف الروسي – الإيراني في المجالات المختلفة، وتركيز الاهتمام على المجال الأمني في التعاون عبر تأكيد القضايا المتعلقة بتطوير التعاون العملي الروسي – الإيراني في مجال الأمن.

وقد كانت حرب أوكرانيا نقلة في تعميق العلاقة بين روسيا وإيران، إذ اتسمت تلك المرحلة بنقل العلاقات بينهما من مرحلة استيراد الأسلحة الروسية إلى الشراكة الدفاعية، وتمحورت أهداف العلاقة بينهما حول اتخاذ التدابير وللالتفاف حول العقوبات الغربية، وتعزيز الأطر متعددة الأطراف خارج المؤسسات الغربية.
وفي حين يتشارك الطرفان رؤيتهما للنظام الدولي القائم على الهيمنة الغربية ومحاولتهما رفض النظام الدولي الحالي وإعادة هيكلته على نحو متعدد الأقطاب، لكن هذا لا يعنى أن الطرفين في حال شراكة إستراتيجية، فلا يزال الغرب محرك علاقة إيران مع روسيا، وتظل توترات العلاقة بين كل منهما مع الغرب هي من يرسم مسار التفاعلات.

وتظل إيران مستفيدة من التوترات بين روسيا والغرب والتي تدفعها للوقوف إلى جانبها في الملف النووي وتوظيف الـ “فيتو” الروسي في مجلس الأمن، كما أن إيران هي ورقة يمكن لروسيا التخلي عنها حال تفاهمت مع واشنطن في شأن أوكرانيا، فضلاً عن التنافس بين روسيا وإيران في الشرق الأوسط، ولا سيما في المسرح السوري الذي تُترك فيه إيران هدفاً للهجمات الجوية الإسرائيلية.

وفي ظل علاقة “الأعدقاء” تلك، فهل ثمة وسيلة يمكن لأوروبا وواشنطن من خلالها عرقلة توطيد العلاقات الروسية -الإيرانية؟

في إطار طبيعة التعاون بين موسكو وطهران الذي تعززه المخاوف من التهديد الوجودي بين النخب في كلا الدولتين، ربما لا تستطيع أوروبا أن تفعل الكثير لمنعهما من تطوير علاقات أوثق، خصوصاً في ظل توتر علاقات إيران مع الغرب وعدم الوصول إلى اتفاق نووي، ومع استمرار إيران في انتهاك حقوق الإنسان وإعدام المعتقلين بتهمة التظاهر، ومن ثم فهناك صعوبة في التفاهم بين الغرب وإيران مع استمراره في فرض عقوبات عليها في سياق الأسباب المذكورة، وبالتالي فإن ممارسة أقصى قدر من الضغط ومزيد من التدابير القسرية والعقوبات سيكون من الخيارات المطروحة على الطاولة، مما يزيد تصور إيران بالضعف ويساعد في تبرير التحوط تجاه روسيا، لكن تهدئة الوضع بين روسيا والغرب قد يدفعهما في إطار أية تسوية إلى التخلي عن إيران بقدر ما، لكن حتى تحين أية آفاق لتسويات بين روسيا والغرب فستظل إيران وروسيا أقرب عضوين في نادي العقوبات الغربية، وربما يكون التعاون بين واشنطن والصين لتحقيق الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط مساراً يمكن من خلاله تقييد المحور الروسي – الإيراني الراغب في السيطرة على ملفات المنطقة، وإخراج واشنطن منها للتحرك بحرية ورسم شرق أوسط مناسب للطموحات الروسية – الإيرانية.