سلطت وكالة الصحافة الفرنسية الضوء على مواقف النظام السوري من حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة، فنقلت مؤخراً عن أوساط دبلوماسية غربية أن رئيس النظام بشار الأسد كان قد تلقى تحذيراً واضحاً من الإسرائيليين، مفاده أن استخدام سوريا ضد دولة الاحتلال سوف يسفر عن تدمير نظامه.
وجاء في التقرير أيضاً أن الأسد يكره حركة «حماس» أصلاً، ولا يرغب في دعم المجموعات الإسلامية لأن فوزهم في المواجهة الراهنة يمكن أن يعزز مواقع نظرائهم في سوريا ذاتها، عدا عن أنه يأمل في الحصول على مكاسب عربية وغربية لقاء امتناعه عن الانخراط في أي جهد ضد دولة الاحتلال، خاصة وأن روسيا ودولة الإمارات العربية تشجعانه على «ضبط النفس» أو الحياد.
وقد لا يكون مراقبو موقف النظام السوري من حرب الإبادة الإسرائيلية الراهنة في حاجة إلى تقارير من النوع الذي نقلته وكالة الصحافة الفرنسية، أياً كانت صحتها في قليل أو كثير، لأن المؤشرات على الأرض تؤكد نأي النظام بنفسه عن أي تورط مباشر أو غير مباشر قد يُغضب دولة الاحتلال. وحال الانضباط هذه ظلت سارية المفعول على امتداد الأشهر الستة منذ ابتداء العدوان الإسرائيلي، رغم أن الغارات الإسرائيلية تواصلت ضد أهداف إيرانية في العمق السوري، فلم توفر مطاراً أو قاعدة أو ترسانة سلاح، وذهبت خطوة أبعد حين قصفت القنصلية الإيرانية في قلب العاصمة دمشق.
مؤشر آخر قد يكون أبسط من حيث المظهر وإن كان أكثر تعبيراً عن سلوك النظام التاريخي في مجال الاستعراض الكلامي والحروب اللفظية، إذ كان ملحوظاً تماماً عدم السماح بتسيير تظاهرات شعبية حاشدة للتضامن مع أهل غزة وإدانة حرب الإبادة الإسرائيلية، وكان يسيراً إطلاق العشرات من المظاهرات المليونية التي اشتُهرت بتنظيمها أجهزة النظام الأمنية والسياسية.
كذلك كان الأسد قد تقصد التصريح مؤخراً بأن نظامه يلتقي مع الأمريكيين «بين الحين والآخر» وأن تلك اللقاءات «لا توصلنا إلى أي شيء، ولكن كل شيء سيتغير» رغم أن أمريكا تحتل حالياً بعض أراضي سوريا كما أضاف. ولم تتأخر جهات أمريكية رسمية في نفي تصريحات الأسد، بل وشددت أكثر إجراءات «قانون قصير» لعام 2020 وزادت عليه حزمة إضافية من العقوبات، الأمر الذي لا ينتقص من حقيقة أن الأسد لم يوفر جهداً في التودد إلى واشنطن، والسعي إلى استرضاء الغرب عموماً.
وصحيح من جهة ثانية أن حركة «حماس» تصالحت مع نظام الأسد ابتداء من خريف 2022 وعدلت جذرياً مواقفها السابقة التي كانت أقرب إلى سياسات الإسلاميين السوريين في السنوات التي أعقبت انطلاق الانتفاضة السورية سنة 2011، إلا أن المياه لم تعد إلى مجاريها تماماً من جانب النظام، وظل الأسد يتشكك في نوايا الحركة وأنها طعنت نظامه في الظهر. وليس غريباً بالتالي أن يرد الأسد الطعنة المزعومة كلما سنحت له الفرصة، مع فارق أنه في انتهاج الحياد الضمني إزاء حرب الإبادة الإسرائيلية لا يثأر من «حماس» بقدر ما يوجع الشعب الفلسطيني أولاً.