إحدى المفارقات الكبرى للحرب التي تشنّها إسرائيل على الفلسطينيين أنه فيما يتعرّض أهالي غزة لخطة منهجية للتدمير الشامل للحياة، وصلت إلى حدود المجاعة والإبادة والتطهير العرقي، كانت هناك أطراف وجدت في هذه الحرب فرصة انتهازية هائلة، لابتزاز سكان غزة، والارتزاق من آلامهم، والتعويم السياسي على حسابهم.
أحد مظاهر هذه الانتهازية تمثّلت في الاستغلال الجائر لحاجة بعض من سكان غزة للخروج منها، سواء لأسباب صحية، أو عائلية، أو فردية، عبر تحصيل أموال طائلة منهم للسماح لهم بدخول الحدود المصرية، مما يعني نهب أشخاص نازحين منكوبين، وكثير منهم فقدوا أفرادا من عائلاتهم.
تتم هذه العمليات بتواطؤ بين السلطات المصرية وإبراهيم العرجاني، الذي هو ممثّل للعلاقة الشائكة بين شبكة كبيرة من الشركات والأجهزة الأمنية، والذي تتولى شركته الإدارة الحصرية لجميع العقود المتعلقة بجهود إعادة الإعمار في غزة، وهو كذلك أهم المرخص لهم بتصدير البضائع إلى غزة، إلى كونه صاحب شركة «هلا» التي تحتكر النقل التجاري عبر معبر رفح، وتفرض رسوما على البالغين تصل إلى 7500 دولار عن كل بالغ تؤمن خروجه من غزة (و2500 للطفل) وقد حصدت، منذ بدء النزاع الأخير، قرابة 90 مليون دولار من هذه «الخدمة» فحسب.
حظي العرجاني، قبل ايّام، على مكافأة جديدة على خدماته للدولة فأعلن عن رئاسته «اتحاد القبائل العربية» (مع رئاسة شرفية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي) الذي قال الناطق الرسمي له إنه «جزء لا يتجزأ من المنظومة الأمنية القومية» وبذلك انضاف المنصب الجديد إلى كونه رئيسا لـ«اتحاد قبائل سيناء» الذي عمل على مدى سنوات إلى جانب الأجهزة الأمنية في عملياتها داخل سيناء.
«مكافأة» أخرى ذهبت في اتجاه رئيس النظام السوري بشار الأسد، حيث عرقلت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مشروع قانون «مناهضة التطبيع مع النظام السوري» وقد لاحظ منتقدو هذا القرار إلى أن تعاطي الإدارة الأمريكية حاليا يسير في اتجاهين متعاكسين، الأول عبر فرض عقوبات علنية على النظام السوري، بينما تعمل في الكواليس على تخفيف الضغط عنه، وفي الوقت الذي يشدد فيه العقوبات على إيران، فقد فُهم الأمر على أنه تقدير لإبعاد النظام نفسه عن قضية غزة، وكذلك على وضعه مسافة من طهران، خلال المواجهة التي جرت مع إسرائيل.
تداعيات هذا التأخير أنه ما لم يقرّ هذا القانون قبل نهاية عام 2024، فإن مفاعيل العقوبات الحالية المفروضة على النظام، والتي أقرّها قانون «قيصر» في 2020، ستنتهي، وسينتهي بالتالي الضغط على كل من يسهم بالتطبيع مع الأسد. هناك قانون آخر ضد النظام السوري، ويعرف بقانون «الكبتاغون 2» وقد حوّل أيضا لإدارة بايدن لجعله نافذا، والمعلوم أن مواد المخدرات هذه صارت الصناعة الرئيسية للنظام السوري، والمورد المالي الأكبر له، فهل ستمتد مكافأة بايدن للأسد لترخيص هذا المورد المالي له أيضا؟