جردة حساب سبعة أشهر لحرب إبادة إسرائيل على غزة!!

جردة حساب سبعة أشهر لحرب إبادة إسرائيل على غزة!!

من أهم إنجازات عملية طوفان الأقصى، وحرب إبادة إسرائيل على غزة وانتقامها الوحشي بعملية «السيوف الحديدية» نهاية شهرها السابع بحصاد دموي غير مسبوق بطول مدته وكلفته، إسقاط مسلمات وسرديات الاحتلال، وفرض واقع ومعطيات جديدة تؤكد واقع الصراع بعد عملية طوفان الأقصى لن يكون كما قبله.
ومن أهم الإنجازات أيضا إعادة تشكيل معرفي للرأي العام الجماعي العالمي، بإدراك بالصوت والصورة وحشية وتنكيل الاحتلال ومأساة الشعب الفلسطيني لعقود. وأتت عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر كرد طبيعي مقاوم على سادية الاحتلال. ويعبر عن التضامن الشعبي، بالمظاهرات المليونية في عواصم ومدن أوروبا وأمريكا الكبرى، وباحتجاجات واعتصامات داخل حرم جامعات النخبة الأمريكية: نيويورك وكولومبيا وهارفارد وييل، وغرباً، جامعات كاليفورنيا مروراً بجامعة تكساس في الوسط الجنوبي. وهذا ما يعزز الصحوة والتضامن والتفاعل الطلابي ويؤسس لواقع جديد يتعاطف مع معاناة الفلسطينيين.
شكل اقتحام وقمع واعتداءات الشرطة لحرم الجامعات الأمريكية واعتقال 2300 طالب انتكاسة لسمعة الولايات المتحدة وخواء دفاعها عن حقوق الإنسان المدنية والحريات. كما شكلت مصادقة مجلس النواب الأمريكي على قانون Antisemitism Awareness Act بمحاكمة من ينتقدون إسرائيل بأنه عداء للسامية سقطة وانتكاسة أخلاقية كبيرة للولايات المتحدة لتقييدها حرية وحق التعبير والاختلاف والرأي الآخر!
من أهم إنجازات عملية طوفان الأقصى إيقاظ معركة الوعي الجماعي للجيل العربي الشاب- كان بعضهم يردد «فلسطين ليست قضيتي»!، وتمدد الوعي لشعوب وأجيال شباب العالم بتعرية ورفض الاحتلال! بتوثيق كلفة انتقام إسرائيل الوحشية المنتشرة حول العالم.
حتى الرئيس بايدن انتقد قبل أشهر «قصف إسرائيل غزة العشوائي، ما يفقدها الدعم الدولي». فقد قصفت إسرائيل غزة بصواريخ وقنابل في 6 أشهر ما يعادل 4 قنابل نووية بحجم التي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما وناغازاكي نهاية الحرب العالمية الثانية.. تسببت باستشهاد 35 ألف شهيد و10.000 مفقود تحت الأنقاض و80 ألف مصاب وجريح، 70٪ منهم نساء وأطفال، ومليوني مهجر وتدمير البنى التحتية، و72٪ من المساكن والشقق دمرت كلياً أو جزئياً، وتدمير القطاعين التعليمي والطبي-مدارس ومستشفيات بشكل كلي. وحسب تقرير حديث للأمم المتحدة- تُقدر كلفة إعادة إعمار دمار غزة بين 30 و40 مليار دولار!!
يُحسب لطوفان الأقصى نجاحه بإيقاظ الوعي وتعرية وفضح سردية الصهاينة بحرق ورقة الضحية التي يتآمر العرب ضدها ويريدون «رميها في البحر» في إحياء وتكرار لتهديدات جمال عبدالناصر في خمسينيات القرن العشرين. كما ينسف طوفان الأقصى ما روجت له إسرائيل على مدى عقود بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط و«جيش دفاعها» الأكثر أخلاقية في العالم! وجهاز الاستخبارات الإسرائيلي «الموساد» من أكثر أجهزة الاستخبارات مهنية وخبرة في إحباط التهديدات واستهداف واغتيال أعداء إسرائيل حول العالم! وأن كفاءة قدرات أنظمة الدفاع الصاروخية وأنظمة الأسلحة والتنصت – ليسقط طوفان الأقصى تلك السرديات!

شكل اقتحام وقمع واعتداءات الشرطة لحرم الجامعات الأمريكية واعتقال 2300 طالب انتكاسة لسمعة الولايات المتحدة وخواء دفاعها عن حقوق الإنسان المدنية والحريات

وأثبتت عملية «الوعد الصادق» ـ الرد الانتقامي الإيراني ليل 13 ـ 14 أبريل 2024 بقصف إسرائيل بـ330 مسيرة وصاروخ باليستي ومجنح أسقطت معظمها الدفاعات الأمريكية والفرنسية والبريطانية والأردنية قبل وصولها المجال الجوي وإصابة أهدافها داخل كيان الاحتلال أن إسرائيل لا تملك القدرة الدفاع والتصدي للهجمات الصاروخية بمفردها، بل في حاجة لتحالف دولي يسندها ويدافع عنها! فكيف ستقصف منشآت إيران النووية؟!
هذا يعني أن انكفاء الولايات المتحدة عن المنطقة، وتنصيب إسرائيل الوكيل المعتمد، وتشكيل تحالف بين الدول العربية ضرب من الخيال! ما يكرس بقاء الولايات المتحدة العسكري، برغم اعترافها بتبدل أولوياتها لمواجهة صعود وتحدي الصين في شتى المجالات، وتهديدات روسيا لأمن أوكرانيا وأوروبا.
فإذا بعملية طوفان الأقصى تحول تلك الثوابت إلى سراب. فلا الاستخبارات الإسرائيلية توقعت عملية طوفان الأقصى ولا الجدار العازل بكلفة مليار دولار صمد أمام المقاومة التي اقتحمته وغزت مستوطنات غلاف غزة المحتلة، واشتبكت وقتلت واحتجزت 240 رهينة لمبادلتهم مع السجناء المعتقلين الفلسطينيين ظلماً في سجون الاحتلال.
كما تعمقت معضلة نتنياهو الفاسد ـ كان يواجه قضايا فساد وخيانة أمانة وتكسب ـ وتقييد القضاء، بفشله في تحقيق أهداف حربه الوحشية على غزة. فلا هزم حماس وفصائل المقاومة، ولا حرر المحتجزين الإسرائيليين، ولا نجح بتحييد وإنهاء غزة من تهديد أمن كيان الاحتلال مستقبلاً. وبرغم ذلك الفشل يحشد نتنياهو لاقتحام رفح التي يتكدس فيها 1.5 مليون نازح فلسطيني فارين من حرب الإبادة، ويفرض عقابا جماعيا وحرب تجويع ويخالف ويحرج بايدن علناً!
كما كشفت عملية طوفان الأقصى ازدواجية معايير ومواقف الغرب الذي هب وتجند في الدفاع عن أوكرانيا وفرض عقوبات على روسيا بعد غزوها واحتلالها شرق أوكرانيا- مقابل الاصطفاف وتقديم الدعم العسكري والمالي والغطاء السياسي وحتى الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن وآخره إسقاط فيتو أمريكي مشروع قرار منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. ووصل الأمر بتشكيك وزارة الخارجية الأمريكية أن إسرائيل ترتكب حرب إبادة على غزة. ما يسقط ويعري إدارة بايدن أخلاقياً في ساحة الرأي العام الشعبي حول العالم.
وخسرت إسرائيل في عملية طوفان الأقصى بفشل عقيدتها القتالية، بإنهاء الحرب وتحقيق انتصار سريع، وبتفجر صراع وانقسامات سياسية ومجتمعية وتصدع الجبهة الداخلية، والمطالبة بإقالة نتنياهو وحكومته الفاشية المتطرفة. ما يعني نهاية مذلة لحياة نتنياهو السياسية، وحتى محاكمته وربما سجنه.
ولكن الخسارة الاستراتيجية الأكبر لإسرائيل، هو بتآكل وسقوط قوة ردعها التي أرهبت بها الجيوش العربية لعقود. والدليل تكرار نتنياهو وقيادات عسكرية إسرائيلية أنهم يقاتلون على سبع جبهات في المنطقة. تشمل جبهات غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان والحوثيين والمقاومة الإسلامية في العراق وسوريا.
جردة حساب عملية طوفان الأقصى برغم كلفتها العالية، لكنها أسقطت حقائق ومسلمات روّج لها الاحتلال، وغيرت معطيات ومستقبل الصراع!