نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا للأستاذ الزائر في كلية برينستون للشؤون العامة والدولية والمدير التنفيذي السابق لمنظمة هيومان رايتس ووتش، كينيث روث، قال فيه إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يخشى أن تتهمه المحكمة الجنائية الدولية قريبا بارتكاب جرائم حرب محتملة في غزة، وقد ناشد إدارة بايدن المساعدة.
وتفيد التقارير بأن واشنطن تحاول ثني المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان عن توجيه الاتهامات، لكن حججها القانونية والعملية ضعيفة.
تحاول واشنطن ثني المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان عن توجيه اتهامات لنتنياهو، لكن حججها القانونية والعملية ضعيفة
ولم يذكر خان ما يخطط له، لكن التهم الأكثر ترجيحا ستكون عرقلة وصول الغذاء والمساعدات الإنسانية الأخرى. وقد حذر خان بالفعل حكومة نتنياهو من أن هذه العرقلة المبلغ عنها يمكن أن تؤدي إلى اتخاذ المحكمة الجنائية الدولية إجراء، ونظرا لرفض إسرائيل السماح لمحققي المحكمة بالدخول إلى غزة، فإن دليل العرقلة – في شكل ظروف مجاعة معترف بها على نطاق واسع – متاح بسهولة أكبر من الأدلة المتعلقة بالقصف الإسرائيلي العشوائي وغير المتناسب للمدنيين الفلسطينيين.
ويرى روث أن هناك إمكانية لمواجهة كبار المسؤولين في التسلسل القيادي العسكري لحماس اتهامات بارتكاب الفظائع التي ارتكبتها الحركة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وتزعم الحكومة الإسرائيلية أنها لم تقيد تدفق المساعدات، ولكن إنكار استراتيجية التجويع التي ينتهجها نتنياهو لا يتمتع بالمصداقية، نظرا للتقارير المكثفة عن العقبات غير الضرورية التي أقامها المسؤولون الإسرائيليون أمام دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. وبدلا من ذلك، ردت حكومة نتنياهو على احتمال توجيه اتهامات إلى المحكمة الجنائية الدولية بالتهديدات، قائلة إنها ستنتقم من السلطة الفلسطينية، مما قد يؤدي إلى انهيارها.
ويرى الكاتب أن هذا التهديد يضر بإسرائيل ومصالحها، نظرا للخدمات التي تقدمها السلطة الفلسطينية لإسرائيل في المساعدة على إبقاء الغطاء على السكان تحت الاحتلال إلى ما لا نهاية في الضفة الغربية. ولكنه يظهر أيضا عدم رغبة إسرائيل في التعامل بجدية مع هذه الاتهامات. ولو كانت هناك جهود قضائية محلية صادقة لمحاسبة أولئك الذين يعرقلون المساعدات، فسوف يكون لزاما على المحكمة الجنائية الدولية أن تذعن لها بموجب مبدأ التكامل الذي تتبناه.
ولم تكن استجابة إدارة بايدن أفضل. وبدلا من الاعتراف بأن المحكمة الجنائية الدولية تمثل جهدا مستقلا لدعم سيادة القانون الدولي في “النظام القائم على القواعد” الذي روج له كثيرا، ادعى متحدث باسم الإدارة أن المحكمة لا تتمتع بالولاية القضائية. وهذه إشارة إلى معارضة الولايات المتحدة طويلة الأمد لممارسة المحكمة الجنائية الدولية اختصاصها القضائي على مواطني الحكومات التي لم تنضم إلى المحكمة، حتى لو ارتكبت جرائمهم المزعومة على أراضي حكومة عضو في المحكمة.
لكن اعتراضات واشنطن على مثل هذا الاختصاص الإقليمي تم نقضها من قبل الحكومات التي أنشأت المحكمة في روما قبل أكثر من عقدين من الزمن. وقد تخلت الحكومة الأمريكية فعليا عن هذه الحجة أيضا بعد أن استخدمت المحكمة الجنائية الدولية الولاية القضائية الإقليمية في آذار/ مارس 2023 لاتهام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا. وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن هذه الاتهامات “مبررة”، ووافق مجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع على ذلك.
وهذا أمر منطقي، لأنه من السمات الأساسية للسيادة التصدي للجرائم التي ترتكب على أراضي الدولة بغض النظر عن جنسية مرتكبها. ومَنحت فلسطين، باعتبارها دولة مراقبة معترف بها لدى الأمم المتحدة، الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية، ووافق قضاة المحكمة على التحقيق الذي يجريه خان.
ونظرا لضعف الحجة المتعلقة بالولاية القضائية، فإن التقارير تشير إلى أن الإدارة تتراجع عن الاستئنافات العملية المفترضة. وقال مسؤول أمريكي لموقع أكسيوس: “نحن نشجع المحكمة الجنائية الدولية بهدوء على عدم القيام بذلك. [وإلا فهي] ستنسف كل شيء”.
وهذه هي أحدث نسخة من الحجة القديمة القائلة إن العدالة تعيق السلام ــ وهو ما يعني ضمنا أن الزعيم الذي يواجه اتهامات جنائية من المرجح أن يستمر في القتال بدلا من قبول الحاجة إلى التسوية. لكن التاريخ يظهر أن الاتهامات بارتكاب جرائم حرب كثيرا ما تسهل جهود السلام من خلال تهميش الزعيم المسيء.
ففي كتابه “إنهاء الحرب”، أوضح الدبلوماسي الأمريكي السابق ريتشارد هولبروك أن اتفاقية دايتون للسلام التي حلت الصراع البوسني في التسعينيات لم تكن ممكنة إلا لأن المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة كانت قد وجهت التهم بالفعل للقادة العسكريين والسياسيين الصرب البوسنيين، راتكو ملاديتش ورادوفان كاراديتش، الذي منع سفرهم إلى دايتون دون التعرض لخطر الاعتقال. وقد عقد هولبروك صفقته الرائعة مع الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش، الذي لم يكن قد تم توجيه الاتهام إليه بعد.
كما وأدت التهم الموجهة إلى الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور، والتي أصدرتها المحكمة الخاصة بسيراليون، إلى خسارته السريعة للسلطة ومهدت الطريق أمام انتهاء الصراع الوحشي في ليبيريا ونشوء ديمقراطية قوية. وكانت الاتهامات التي وجهتها المحكمة الجنائية الدولية ضد قادة جيش الرب للمقاومة، الذي يتخذ من أوغندا مقرا له، والذي اشتهر باختطاف الأطفال وتحويلهم إلى جنود، سببا في إجبار القادة على الاختباء، وتفكك المنظمة، وإضعاف وجودها العسكري إلى حد كبير.
ومن الممكن أن يكون لاتهامات المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو تأثير مفيد مماثل. واليوم، يشكل نتنياهو عقبة رئيسية أمام وقف دائم لإطلاق النار في غزة. لقد اتخذ مواقف متطرفة لأنه مدين لوزيرين من اليمين المتطرف، بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير، إذا كان يأمل في البقاء في السلطة وتجنب عقوبة السجن المحتملة بتهم الفساد التي سبقت الصراع الحالي.
قوض نتنياهو الحافز الرئيسي الذي قد يدفع حماس إلى الموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار عندما أعلن أنه سوف يغزو مدينة رفح
ونتيجة لذلك، قوض نتنياهو الحافز الرئيسي الذي قد يدفع حماس إلى الموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار عندما أعلن أنه سوف يغزو مدينة رفح، مدينة غزة الجنوبية التي يلجأ إليها 1.4 مليون مدني فلسطيني، “سواء باتفاق أو بدونه”.
ولدفع هذا التهديد خطوة أخرى إلى الأمام، أمرت حكومته الفلسطينيين بإخلاء شرق رفح، وسيطرت القوات الإسرائيلية على المعبر الحدودي للمدينة مع مصر. وعلى نحو مماثل، استبعد نتنياهو إنشاء دولة فلسطينية، ناهيك عن المساواة في الحقوق ضمن “واقع الدولة الواحدة” القائم بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، مما يترك للفلسطينيين خيارات غير مستساغة، إما الفصل العنصري المستمر أو الطرد الجماعي.
من المرجح أن تؤكد الاتهامات لنتنياهو أن إعطاء الأولوية لسلطته ومستقبله أصبح عبئا ثقيلا على إسرائيل
ولا توجد وسيلة لمعرفة كيف سيكون رد فعل الجمهور الإسرائيلي على الاتهامات المحتملة التي قد توجهها المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو، لكن من المرجح أن تؤكد هذه الاتهامات أن إعطاء الأولوية لسلطته ومستقبله أصبح عبئا ثقيلا على إسرائيل. وهذا من شأنه أن يزيد من احتمالات قبول الإسرائيليين لحكومة أكثر انفتاحا على ذلك النوع من التنازلات الصعبة اللازمة لتحرير الرهائن، وإنهاء إراقة الدماء في غزة، وإزالة التهديد الدائم المتمثل في الصراع المسلح الذي أدى إلى زعزعة استقرار المنطقة.
وكما فعلت فيما يتعلق بجرائم الحرب الروسية المحتملة في أوكرانيا، ينبغي لإدارة بايدن أن تتنحى جانبا وتترك لعملية المحكمة الجنائية الدولية أن تأخذ مجراها.