الزراعة في المغرب تواجه سبع سنوات من الجفاف

الزراعة في المغرب تواجه سبع سنوات من الجفاف

بعد ست سنوات متتالية من الجفاف لم يعد المغرب يتعامل مع التغير المناخي على أنه ظاهرة عابرة، بل أمر واقع يؤثر على 14 في المئة من الناتج الداخلي الخام للبلاد ومورد مالي لـ13 مليون فرد، ويتطلب حلولا عاجلة.

الرباط – للعام السادس على التوالي يضرب الجفاف المغرب ليصبح بذلك أحد أهم التحديات التي تواجه القطاع الزراعي الذي يعد مصدرا رئيسا لدخل 40 في المئة من اليد العاملة في البلاد.

ويتوقع أن يكون موسم الحبوب هذا العام الأسوأ منذ 17 عاما، وهو ما سيدفع المغرب إلى استيراد نحو 75 في المئة من احتياجاته السنوية المقدرة بأكثر من 10 ملايين طن.

ولن يتجاوز الإنتاج المتوقع من الحبوب في الموسم الزراعي الحالي (2023 – 2024) نحو 2.5 مليون طن، وهو ما يمثل انخفاضا بـ54 في المئة مقارنة بالموسم السابق، وفقا لآخر التوقعات الصادرة عن بنك المغرب المركزي.

وتوقع عبدالقادر العلوي، رئيس الفيدرالية الوطنية للمطاحن، أن يكون الموسم الحالي “أسوأ السنوات العجاف التي تشهدها المملكة”، مشيرا إلى أن الإنتاج المتوقع يعني أن البلاد ستتجه إلى الاستيراد بكثرة.

ويعود أضعف موسم حبوب سُجل في المغرب إلى عام 2007 حين بلغ الإنتاج 2.4 مليون طن، بحسب معطيات لوزارة الفلاحة، إذ لا تحقق المملكة الاكتفاء الذاتي من الحبوب بالنظر للطقس غير الملائم وتفضيل الفلاحين لزراعات أخرى أعلى ربحا.

وتشكل الزراعة بالمغرب العمود الفقري للاقتصاد بسبب مساهمتها الكبيرة في النمو، وارتباط مختلف القطاعات بها، خاصة الصناعات الغذائية التي يتم تصدير جزء كبير منها.

ويقول رشيد بنعلي، رئيس الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية (غير حكومية)، إن التقلبات المناخية هي أبرز تحد يواجه القطاع في البلاد، في ظل السنة السادسة من الجفاف، فضلا عن ارتفاع درجات الحرارة، مقابل تراجع مستوى الأمطار.

وأضاف بنعلي في حديث مع الأناضول “لمواجهة هذه التحديات، تعمل البلاد على اعتماد منتجات تساير هذه التقلبات المناخية، مثل اعتماد حبوب لها قدرة على الإنتاجية في وقت وجيز، إضافة إلى اعتماد تقنيات جديدة في الري”.

ولفت إلى أن هناك توجها لاعتماد الفلاحة الذكية (تعتمد على تكنولوجيا حديثة) من خلال عقد اتفاقيات في هذا الإطار مع مؤسسات حكومية وغير حكومية.

من جهته، دعا الأكاديمي المغربي عمر الكتاني إلى العمل من أجل عدم ارتباط الفلاحة بالأمطار.

وقال الكتاني، وهو أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط (حكومية)، “إذا كانت السنة ماطرة فإن نسبة نمو الاقتصاد تكون مرتفعة وقد تصل إلى 5 و6 في المئة، وفي العكس تكون بين 1.5 و2.5 في المئة”.

ودعا إلى ربط القطاع الزراعي في بلاده بتقوية التعليم والتدريب، موضحا بالقول “بمعنى توفير بدائل اقتصادية بالنسبة الكبيرة للأفراد المشتغلين بالقطاع، لأن المعايير الدولية تبين أن 10 في المئة من السكان من الممكن أن يوفروا الأمن الغذائي لباقي السكان”.

وأوضح أن الرفع من الإنتاج الزراعي مرتبط بتقوية التعليم والتدريب بالنسبة للمزارعين والكوادر العاملة بالقطاع، من أجل توظيف الطرق العلمية في الإنتاج.

الكتاني، أبرز ضرورة توفير الأجهزة وضخ الاستثمار في صناعة الآلات الزراعية، من أجل التغلب على ارتفاع تكلفة هذه الآلات.

كما أبرز ضرورة الاستثمار في القرى، لأن السياسة الموجهة للقرى يجب أن تكون شاملة تضم التعليم والصناعة والمهن الأخرى، وليست فلاحية فقط، وبالتالي من الممكن التغلب على ارتباط الفلاحة بالأمطار.

واعتبر الأكاديمي المغربي أن السياسات الموجهة للقرى ببلاده، تفتقد للسياسة الصناعية والتدريبية والخدماتية.

ويشكل اعتراض مزارعين إسبان للمنتجات المغربية في أوقات متفرقة من العام الجاري تحديا للقطاع.

ويعترض مزارعون إسبان شاحنات مغربية محملة بالخضار تتجه نحو أوروبا، أو إلى السوق المحلية، وسط تصاعد احتجاجات مزارعين في دول أوروبية للمطالبة بحقوق معيشية ومالية ووقف سياسة الإغراق بالمنتجات الأوكرانية والأجنبية الرخيصة.

ويقول بنعلي إن قطاع الفلاحة بالمغرب يمثل 14 في المئة من الناتج الداخلي الخام، وهو مورد عيش 80 في المئة من سكان القرى في البلاد.

ولفت إلى أن الزراعة تشكل موردا ماليا لـ13 مليون فرد، ضمنهم 3 ملايين ونصف مليون عامل، وهو ما يشكل 40 في المئة من اليد العاملة في البلاد.

وسبق لرئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش أن قال إن بلاده استطاعت التأسيس لنموذج فلاحي مبتكر، مزود باختيارات إستراتيجية بعيدة المدى لتطوير الإنتاج الغذائي وتعزيز مناعة القطاع الفلاحي وصموده في وجه التقلبات، وهي تصريحات تتعارض مع ما ذكره الكتاني.

وأوضح أخنوش أن مخطط المغرب الأخضر (برنامج زراعي أطلقته البلاد منذ 2008) جعل القطاع الزراعي المحرك الأساسي للتنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، وخاصة بالوسط القروي.

وبشأن مساهمة القطاع في التنمية، قال إن هذا البرنامج حقق الأمن الغذائي للمغاربة، وساهم في مضاعفة مساهمة القطاع الفلاحي في نسب النمو الاقتصادي.

ولفت إلى أن البرنامج قلص من تقلبات النمو الفلاحي والحد من ارتباطه بالمتغيرات الموسمية والمناخية.

وأوضح أن نسبة التغطية المحلية للحاجيات الاستهلاكية الأساسية من اللحوم الحمراء والدواجن والبيض والخضر والفواكه والحليب تتراوح ما بين 98 و100 في المئة.

وأضاف “إنها مؤشرات تعتبر الأعلى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. إضافة إلى الرفع من نسبة تغطية الحاجيات المتزايدة من الحبوب والسكر والزيوت”.

وأثمرت الجهود المبذولة في تقليص عجز الميزان التجاري الزراعي، حيث انتقلت تغطية الواردات بالصادرات الفلاحية من 49 في المئة سنة 2008، إلى 65 في المئة سنة 2020.

العرب