على الرغم من نجاح رد الحلفاء على الهجوم الإيراني على إسرائيل في الثالث عشر من نيسان/أبريل، إلّا أن ذلك الهجوم يدعو إلى التشكيك في مدى استدامة النهج الحالي، مما يشير إلى أنه من الضروري على صناع القرار السياسي أن يعيدوا النظر في المشتريات العسكرية، ووضع القوات، وقوة الردع في الشرق الأوسط.
لم يكن الهجوم الإيراني على إسرائيل في 13 نيسان/أبريل مجرد استعراض، بل كان هجوماً جوياً منسقاً. ولحسن الحظ تمكنت عملية “الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل متعدد الجنسيات” التي تم تنفيذها بإتقان من صد الهجوم بنجاح باهر، ويرجع ذلك أساساً إلى ثلاثة أسباب: (1) التفوق التكنولوجي، (2) والانتشار الأمامي الكبير للقوات الأمريكية، (3) والشبكة المنسقة للغاية من الشركاء. ومع ذلك، لا ينبغي الظن أن طهران ووكلاءها يفتقرون إلى الخيارات ضد دفاعات الحلفاء، فكل واحد من هذه الإنجازات يأتي مع محاذير يجب معالجتها لردع إيران بشكل فعال في المستقبل.
الهجوم والدفاع
شهد الهجوم إطلاق أكثر من 300 طائرة مسيرة وقذيفة وصاروخ على إسرائيل مع أوقات وصول تقدر بست ساعات تقريباً. وفي الوابل الأول، تم إطلاق ما يقرب من 170 طائرة مسيرة من الأراضي الإيرانية، أعقبها بعد ساعات قليلة إطلاق ما يقرب من ثلاثين صاروخ كروز. بالإضافة إلى ذلك، أطلقت إيران وابلين من الصواريخ الباليستية تراوح إجمالي عددها بين حوالي 110 و130 صاروخاً. وفي الوقت نفسه، أطلق «حزب الله» اللبناني والحوثيون اليمنيون ووكلاء مختلفون في العراق عشرات الطائرات المسيرة والقذائف والصواريخ من أراضيهم.
وفي المجمل، بدا أن أربعة صواريخ باليستية فقط، اخترقت الدفاعات الإسرائيلية، ولم تصل أي طائرات مسيرة أو أسلحة أخرى إلى أهدافها. ويمثل ذلك معدل نجاح إجمالي بنسبة 98 في المائة لدفاعات الحلفاء، ومعدل نجاح يفوق 90 في المائة ضد الصواريخ الباليستية الإيرانية على وجه التحديد.
وفي حين لم تُكشف تفاصيل عن المنصات المحددة التي استخدمت للتصدي لذخائر معينة أطلقها العدو، إلا أن التقارير مفتوحة المصدر والأمور المعروفة عن عقيدة “الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل متعدد الجنسيات” تشير إلى أن مجموعة من المنصات البحرية والبرية والجوية استخدمت وسائل حركية وكهرومغناطيسية (أي التشويش) لتدميرها أو تعطيلها. ووفقاً لبعض التقارير استفاد هذا الجهد الدفاعي من معدل فشل يقارب 50 في المائة للصواريخ الباليستية التي أطلقتها إيران، وقد يكون ذلك ناجماً عن عيوب في التصنيع أو ضعف في الأداء العسكري أو التخريب أو أسباب أخرى.
يمتلك تحالف الدول الذي تصدى للهجوم ترسانة من أنظمة الدفاع الجوي “المتقدمة والرفيعة المستوى” – وهذه فائدة تكتيكية ولعنة مالية في الوقت نفسه. فمنصته الجوية البارزة هي المقاتلة الشبح من نوع “أف-35 لايتنينغ 2” التي تبلغ تكلفتها 100 مليون دولار، والتي يمكن تسليحها بصواريخ جو-جو من نوع “أي آي إم-120” تبلغ قيمتها مليون دولار وصواريخ “أي آي إم-9” بقيمة 500 ألف دولار. ولم يكن من الصعب على طائرات “إف-35” الإسرائيلية المعدلة وغيرها من طائرات التحالف المقاتلة إسقاط مجموعة المسيرات الإيرانية التي كانت تحلق ببطء (حوالي 20,000 دولار إلى 50,000 دولار لكل وحدة) وصواريخ “كروز” غير المكلفة على نحو مماثل. فمن الأرض، استخدمت القوات الأمريكية في العراق بطارية صواريخ “باتريوت“ واحدة على الأقل، تبلغ تكلفة كل صاروخ منصواريخها الاعتراضية 4 ملايين دولار. وفي البحر الأبيض المتوسط، أسقطت مدمرتان أمريكيتان من طراز “أرلي بيرك” ستة صواريخ، على الأرجح بواسطة صواريخ اعتراضية من طراز “إس إم-3” تكلف ما بين 9.7 و28 مليون دولار بحسب النوع المستخدم. كما يبدو أن إسرائيل استخدمت كامل مجموعتها من أنظمة الدفاع الصاروخي (“مقلاع داود”، و“آرو” (السهم) 2 و3، والقبة الحديدية)، مع صواريخ اعتراضية تبلغ تكلفة كل منها عدة ملايين من الدولارات.
علاوة على ذلك، تطلّب الدفاع الناجح أكبر وجود أمريكي في منطقة عمليات “القيادة المركزية الأمريكية” منذ ذروة القتال ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”. وقد أدى هذا الانتشار إلى توسيع حدود العناصر والمعدات الأمريكية، لا سيما في الوقت الذي يحاول فيه الجيش الأمريكي إعادة التوازن إلى وضع قواته لدعم استراتيجية الدفاع الوطني التي تركز على القوة الصينية الصاعدة في المحيط الهادئ. على سبيل المثال، كانت المدمرة “يو إس إس كارني” موجودة في المنطقة منذ 200 يوم عند حصول الهجوم الإيراني، في حين بلغ انتشار مجموعة حاملات الطائرات “يو إس إس أيزنهاور” يومه الـ183 أثناء دعم عملية “حارس الازدهار”، وهي مهمة الدفاع عن الشحن التجاري من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر. في الوقت نفسه، أفادت التقارير – التي لم تؤكد وزارة الدفاع الأمريكية صحتها – عن ازدياد استخدام بطاريات صواريخ “باتريوت” في منطقة مسؤولية “القيادة المركزية الأمريكية” منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر. وتعتبر كل بطارية إضافية مهمة إذ لا يوجد سوى ستين منها في مخزون الخدمة الفعلية. ويسبب ذلك ضغطاً هائلاً على قوة منخفضة الكثافة/عالية الطلب والتي ما زالت بعيدة كل البعد عن تحقيق نسبة 1:2 لوقت الخدمة مقابل وقت الراحة التي فرضها البنتاغون. فحتى قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، تم في مرحلة ما نشر ما يصل إلى 60 في المائة من وحدات الدفاع الصاروخي التابعة للجيش.
وربما أكثر عناصر النجاح تعقيداً هو شبكة الشركاء التي تم تنسيقها من خلال “مركز العمليات الجوية المشتركة” التابع “للقوات الجوية الأمريكية” في “قاعدة العديد الجوية” في قطر. في عام 2022، صرح الجنرال كينيث ماكنزي، رئيس “القيادة المركزية الأمريكية” آنذاك، أن “الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل متعدد الجنسيات” هو أفضل طريقة لتفعيل“اتفاقيات إبراهيم” بين الدول العربية وإسرائيل – ويرجع ذلك جزئياً إلى أن جميع هذه الحكومات اعتبرت تهديد الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية وشيكاً، وكذلك لأن تطبيق “الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل متعدد الجنسيات” أسهل من أشكال التكامل الأخرى، كونه يعتمد بشكل أساسيعلى تبادل المعلومات بدلاً من استضافة القوات الأجنبية. وبالفعل، أفادت التقارير أن الأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قدمت الدعم في عملية الشهر الماضي من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية. كما أسقط الأردن أهدافاً متعددة فوق مجاله الجوي، في حين منح الكثير من الشركاء على ما يبدو حق التحليق “للقوات الجوية الأمريكية” لتنفيذ العمليات.
ومع ذلك، قللت السعودية علناً من حجم مشاركتها في العملية أو دحضتها تماماً، مما يدل على الطبيعة الهشة المحتملة لـ”الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل متعدد الجنسيات” في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن الحكومات الإقليمية تدرك التهديد الذي تشكله إيران وفوائد الترتيبات الدفاعية التعاونية، إلا أنه يتوجب عليها أيضاً التعامل مع الرأي العام المحلي المعادي لإسرائيل.
خيارات إيران ما بعد الهجوم
مما لا شك فيه أن الجيش الإيراني قد تعلم الكثير من الهجوم. لقد أتاحت له معاينة دفاعات إسرائيل والتحالف الفرصة لتقييم قدراتها وحدودها وكيفية عملها معاً. ومن المرجح أن تكون الضربات المستقبلية أفضل تنسيقاً وأن تستخدم المزيد من الذخائر لإرباك الدفاعات.
ومن المفترض أيضاً أن تحاول إيران تفكيك التحالف الذي واجهته خلال هذا الهجوم. ويعني ذلك إثارة الخلافات بين الدول العربية وإسرائيل، وفي الوقت نفسه ممارسة ضغوط أخرى تقوّض قدرة أمريكا على الحفاظ على وجودها الإقليمي.
بالإضافة إلى ذلك، قد تدفع الحادثة طهران إلى إعادة النظر في عقيدتها المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل. فإذا كانت دفاعات إسرائيل والتحالف قادرة باستمرار على اعتراض الغالبية العظمى من ذخائرها التقليدية، فقد يستنتج النظام الإيراني أن الأسلحة البيولوجية أو الكيميائية أو النووية ضرورية لإحداث أي أثر استراتيجي.
الإجراءات الأمريكية المضادة
إن الوسيلة البديهية للحفاظ على دفاع فعال ضد التهديدات الإيرانية هي الاستثمار في المزيد من الدفاعات الجوية، ولا يتوجب بالضرورة أن تكون أكثر قدرة أو تكلفة. أما خفض التكاليف الأمريكية وفي الوقت نفسه إنشاء شبكات أكثر كثافة وابتكاراً لـ”الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل متعدد الجنسيات”، فيستدعي من واشنطن إعطاء الأولوية للمبيعات العسكرية الأجنبية لشركائها في المنطقة، بما في ذلك توسيع مبيعات وإنتاج بطاريات صواريخ “باتريوت” والطائرات المقاتلة (سواء كانت الطرازات القديمة أو طائرات “إف-35″، التي ستنخفض تكاليفها الباهظة إذا ارتفع الطلب عليها)، وأنظمة الدفاع الطرفية للارتفاعات العالية (“ثاد”). ولكن في الوقت نفسه، يتعين على الولايات المتحدة أن تشتري أنظمة أقل تكلفة وأن تنظر في وسائل أخرى لردع إيران ووكلائها، خشية أن يؤدي الإفراط فيالاستثمار في القدرات الدفاعية “المتقدمة والرفيعة المستوى” إلى قيام ما يشبه “خط ماجينو” في القرن الواحد والعشرين.
وبعد أيام من الهجوم الإيراني، وافق الكونغرس الأمريكي على مساعدات عسكرية بقيمة 95 مليار دولار لإسرائيل وتايوان وأوكرانيا، من ضمنها أصول أمريكية الصنع للدفاع الجوي. وتمثل هذه الحزمة إضافة بنسبة 60 في المائة تقريباً إلى مخصصات الدفاع للمشتريات العسكرية الأمريكية لعام 2024. وفي المرحلة المقبلة، يجب على “القيادة المركزية الأمريكية” و”وكالة الدفاع الصاروخي” ووزارة الخارجية تعزيز التعاون بين الشركاء لإدماج الدروس المستخلصة من الهجوم الإيراني والحرب الأوكرانية، وتحديد متطلبات الدفاع الجوي الجديدة للمبيعات العسكرية الخارجية. ومن خلال الجمع بين هذه المتطلبات الإضافية في برنامج البنتاغون الدفاعي للسنوات المقبلة، ومن خلال التأكيد على أن العديد من هذه الإضافات يمكن أن يدفعها الشركاء، كما أنه من خلال إنشاء خطوط أساس جديدة لمساعدة تايوان وأوكرانيا، يمكن للمسؤولين الأمريكيين إرسال إشارة واضحة بالاتساق المالي لهذا القطاع، بما يمكّنه من زيادة الطاقة الإنتاجية.
وقد يكون من المفيد أيضاً اتباع أساليب جديدة لتطوير النظام. إذ لا ينبغي أن تخضع الشركات الناشئة لبروتوكولات الاختبار والتطوير والتقييم القديمة، والتي تستغرق سنوات قبل أن يصبح من الممكن نشر النظام لدى القوات الأمريكية، ناهيك عن تقديمه للشركاء. وبدلاً من ذلك، يتعين على واشنطن ربط هذه الشركات بالدول الشريكة المموَّلة جيداً لتحسين منتجاتها في هذا المجال.
لكن على الرغم من أهمية تحسين قدرات الاعتراض، إلا أن هناك خطوة أخرى قد تكون أكثر أهمية، وهي تحويل “مركز العمليات الجوية المشتركة” من مركز تنسيق إقليمي إلى مقر عمليات إقليمي متكامل تماماً. ويعني ذلك تزويد الشركاء بعدد أكبر من أجهزة الاستشعار التي هي أفضل جودة أيضاً، وإبرام اتفاقيات تعاون أعمق بينهم في الوقت نفسه. ومن خلالالقيام بذلك، يجب على واشنطن التأكيد على أن هذه الجهود تصب في مصلحة الأمن الجماعي للمنطقة، ولا ينبغي إعطاء الأفضلية لإسرائيل بين المستفيدين من هذه الترتيبات، باستثناء التدابير العاجلة لحمايتها من التهديدات الوشيكة التي تواجهها بشكل خاص.
فضلاً عن ذلك، وبما أن الهجوم الإيراني يمثل تحولاً كبيراً في البيئة الاستراتيجية في الشرق الأوسط، يتعين على الولايات المتحدة أن ترد بإرسال المزيد من القوات الدفاعية إلى المنطقة، وبشكل أكثر اتساقاً. ففي عام 2023، أذن الكونغرس تزويد ما يصل إلى عشرين بطارية صواريخ “باتريوت” إضافية للجيش، ولذا يجب على المسؤولين التأكد من تخصيص الأموال اللازمة للوصول فعلياً إلى هذا المستوى من القوة. كما ينبغي عليهم النظر في تخصيص المزيد من القوات لمنطقة عمليات “القيادة المركزية الأمريكية” بدلاً من الاعتماد على عمليات الانتشار بالتناوب. إن تنظيم جولات “طبيعية” لوحدات مدفعية الدفاع الجوي والقوات الأخرى التي يتم نشرها بشكل دائم في “القيادة المركزية الأمريكية” يمكن أن يساعد في ردع إيران من خلال إظهار التزام أمريكي حازم تجاه المنطقة، كما أنه سيوفر نفوذاً قوياً يُثني الشركاء عن دعوة الصين إلى هيكلياتهم الدفاعية.
وأخيراً، ينبغي على واضعي السياسات إعادة تقييم تكاليف أساليب الردع المختلفة وتعديل نهجهم وفقاً لذلك. فخلال السنوات الأخيرة اعتمدوا بشكل كبير على الردع عن طريق المنع، أي الحرص على ألا يتمكن الخصوم، أمثال إيران، من توجيه ضربة فعالة للعناصر الأمريكيين أو شركاء الولايات المتحدة. وهذا الموقف مثالي من نواح كثيرة ولكنه يكلف الكثير، وكما ذُكر سابقاً يتطلب وجوداً أمامياً كبيراً لتحقيق النجاح. وفي المقابل، حققت إيران ردعاً غير مكلف. ولذلك يجب على واضعي السياسات النظر في إقران المنع بالعقاب، سواء بالتهديد أو بالعقاب الفعلي. على سبيل المثال، في حالة وقوع هجوم في المستقبل، يمكن أن تكون الضربة المضادة ضد قدرات تصنيع الطائرات المسيرة الإيرانية مفيدة بشكل خاص، ليس من خلال توجيه رسالة استراتيجية لتعزيز الردع فحسب، ولكن أيضاً من خلال إضعاف إنتاج هذه الطائرات، الأمر الذي من شأنه أن يحد من مزايا النهج الإيراني المتعلقة بالتكلفة، ويقلل المخزون المتوفر لتسليح وكلائها وروسيا.