الطبقة السياسية الحاكمة في العراق نجحت في الحصول على موقف واضح من البعثة الأممية بالانسحاب في موعد واضح، وهي تعتقد أن هذا مؤشر على استقرار البلاد. لكن البعثة لم تحقق الكثير مما تحدثت عنه كمبرر لوجودها من مثل إقامة المصالحة وإصلاح قوات الأمن.
نيويورك – قرّر مجلس الأمن الدولي بالإجماع الجمعة، بناءً على طلب بغداد، أن يسحب من العراق بحلول نهاية 2025 البعثة الأممية (يونامي) الموجودة في هذا البلد منذ أكثر من 20 عاما. وفيما تقول بغداد إن هذه الخطوة هي اعتراف أممي باستقرار العراق، فإن مراقبين يرون أن هذا الانسحاب قد يضفي مشروعية على سلطة الميليشيات وعلى الفساد.
ويرسل الاستعجال بسحب البعثة في ظل الوضع الحالي بأن الأمم المتحدة لا تعنيها مطالب العراقيين الذين يشتكون من سيطرة الميليشيات على حياتهم العامة أمنيا، وخاصة تحكّمها في مفاصل الدولة ووقوفها بشكل مباشر وراء تضخم الفساد في البلاد، وهو ما لم تسلم منه البعثة نفسها، التي تثار شكوك حول استفادتها من الفساد.
وفي شهر فبراير الماضي، أعلنت هيئة النزاهة في بيان أنّ فريقا تابعا لها شرع في التحقيق بمعلومات أوردها تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية بشأن تلقي تابعين لـ“يونامي” لرشى. وأشارت المعلومات الواردة في التقرير إلى أن موظفي البعثة الأممية تقاضوا رشى من مقاولين عراقيين ضمن مشاريع صندوق إعادة إعمار المناطق المستعادة من تنظيم داعش.
وقال البيان إنّ فريق النزاهة تواصل مع محررة التحقيق للحصول على دلائل بشأن المعلومات التي استندت إليها في اتّهامها لموظفي الأمم المتحدة العاملين في العراق. ويترافق تحقيق الهيئة العراقية مع تحقيق مواز شرعت فرق الأمم المتحدة في إجرائه انطلاقا من مقر المنظّمة في نيويورك. ولا يعرف إن كان استعجال سحب البعثة على صلة بهذا البحث أم أنه يأس من فرص التغيير في العراق في ظل طبقة سياسية يصعب تطوير أدائها ولا تسمح بتحسين واقع العراقيين إذا لم يتماش مع مصالحها.
والبعثة التي تمّ تعزيزها في 2007 وتجديدها سنوياً تضمّنت مهمّتها دعم الحكومة لإجراء حوار سياسي شامل ومصالحة وطنية وتنظيم الانتخابات وإصلاح قطاع الأمن. وفي كتاب أرسله إلى مجلس الأمن الدولي مطلع مايو الماضي، تحدّث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عن “تطورات إيجابية ونجاحات”، طالباً أن يتمّ بحلول 31 ديسمبر 2025 إنهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) الموجودة في بلاده منذ 2003.
وأشار إلى أنّه في هذه الظروف و”بعد 20 عاماً من التحوّل الديمقراطي والتغلّب على التحدّيات المختلفة، لم تعد أسباب وجود بعثة سياسية في العراق قائمة”. وخلال لقائه الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، أوضح السوداني أنّ “الطلب بإنهاء عمل بعثة يونامي يأتي بناء على ما يشهده العراق من استقرار سياسي وأمني، وما حقّقه من تقدّم في مجالات عدّة”.
وفي حين أنّ بعثات الأمم المتحدة تحتاج إلى موافقة الدولة المضيفة، فإنّ القرار الذي اعتمده مجلس الأمن الجمعة أخذ علماً بهذا الطلب و“قرّر تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة لفترة أخيرة مدّتها 19 شهراً تنتهي في 31 ديسمبر 2025”، وبعد هذا التاريخ “ستوقف عملها وعملياتها”. وخلال تجديد الولاية السابقة في مايو 2023، طلب المجلس من الأمين العام إطلاق مراجعة إستراتيجية للمهمة وعهد بها للدبلوماسي الألماني فولكر بيرثيس.
وفي خلاصاته التي نشرت في مارس، اعتبر بيرثيس أنّ البعثة التي كان عديدها في نهاية 2023 يزيد عن 700 شخص تبدو “كبيرة في شكلها الحالي”. ودعا الدبلوماسي الألماني إلى نقل مهام البعثة إلى السلطات الوطنية المختصة وكيانات الأمم المتحدة الأخرى الموجودة على الأرض “بطريقة مسؤولة ومنظمة وتدريجية”، مشيراً إلى فترة عامين.
وبعدما أخذ علماً بهذا التصويت، شكر فرهاد علاءالدين، مستشار رئيس الوزراء العراقي، بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق “على عملها على مدى عقدين من الزمن”. وفي بغداد، قالت الحكومة العراقية في بيان إنّها “تعرب عن ترحيبها وتقديرها لقرار مجلس الأمن الذي جاء نتيجة التقدّم الملموس الذي يشهده العراق على الأصعدة المختلفة، والاستقرار على المستوى الداخلي، واستكمال عملية البناء السياسي”. وأضاف البيان “ننتهز هذه الفرصة للتأكيد على استمرار التعاون والشراكة المستدامة مع منظمة الأمم المتحدة وبرامجها التنموية العاملة في العراق”.
وأكد المستشار السياسي لرئيس مجلس الوزراء العراقي فادي الشمري، السبت، أن العراق حقق إنجازا تاريخيا في إنهاء بعثة الأمم المتحدة (يونامي) من خلال تصويت مجلس الأمن الدولي. ونقلت وكالة الأنباء العراقية (واع) عن الشمري قوله إن “هذا القرار يأتي بفضل الجهود الحثيثة والرؤية الإستراتيجية للحكومة العراقية، التي سعت جاهدة لتحقيق السيادة الوطنية وتعزيز الاستقلالية للعراق”.
◙ هل يرتبط سحب البعثة بتهم الفساد الموجهة لبعض عناصرها أم يأس من التغيير في العراق بوجود الطبقة السياسية
وأشار الشمري إلى أنه “من خلال هذا الإنجاز التاريخي، يؤكد العراق مرة أخرى على قدرته على تحقيق النجاح وتحمل المسؤولية، وأن حكومتنا تعمل بجدية وجهود مكثفة لتحقيق مستقبل واعد يستند إلى رؤية تنموية وعمرانية شاملة”.
والجمعة، قال روبرت وود، نائب السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة الذي صاغ هذا القرار “نحن جميعاً ندرك أنّ العراق تغيّر بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وكانت هناك حاجة إلى إعادة تنظيم بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، بما يتفق مع التزامنا بتعزيز عراق آمن ومستقر وذي سيادة”. وأضاف “نحن، أعضاء المجلس، سنواصل مراقبة التقدّم المحرز”، وذلك بعد أن بدت الولايات المتّحدة في بادئ الأمر أكثر مراوغة بشأن طلب بغداد.
وتابع الدبلوماسي الأميركي “نحن مقتنعون بأنه خلال السنوات العشرين التي تلت إنشاءها، بذلت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) كامل إمكاناتها لدعم استعادة الدولة العراقية، وأنّ الشعب العراقي مستعدّ اليوم لتحمّل المسؤولية الكاملة عن المستقبل السياسي للبلاد”. من جهتها، أبدت نائبة السفير الروسي لدى الأمم المتّحدة آنا إيفستينييفا معارضة بلادها “أيّ تدخّل في الشؤون الداخلية للبلاد”.
وخلال الفترة الممتدّة من صدور القرار وحتى نهاية 2025، قرّر المجلس “تبسيط” البعثة، لكن في الوقت نفسه سيظلّ بمقدورها مواصلة مهامها في ما يتعلق بتقديم المشورة والمساعدة الفنية للتحضير للانتخابات، وتيسير العمل الإنساني، وحماية حقوق الإنسان، وحلّ الخلافات بين العراق والكويت الناجمة عن غزو القوات العراقية للكويت في 1990. وقال ريناد منصور، المحلّل في مؤسسة تشاتام هاوس، إنّ “هذا جزء من جهود رئيس الوزراء السوداني لإظهار أنّ العراق، كدولة، يدخل مرحلة جديدة يأمل أن تكون مبنية على السيادة”.
العرب