لمصلحة من يتم تعطيل مشروع إعلامي خليجي في لبنان

لمصلحة من يتم تعطيل مشروع إعلامي خليجي في لبنان

تفاجأ رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور بجملة من المشاكل والعقبات تواجه مشروع افتتاح محطة تلفزيونية، الذي كان ينظر إليه على أنه سيساهم في تحسين واقع الإعلام في لبنان بعد انقطاع التمويل الخليجي، لكن يبدو أن هناك أطرافا لا تريد إعلاما مستقلا بعيدا عن هيمنتها.

بيروت – يواجه رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور عقبات في تنفيذ مشروعه الإعلامي الذي أعلن عنه مؤخرا في لبنان، وكان يتطلع بإيجابية وتفاؤل إلى تسهيل الإجراءات لافتتاح محطة تلفزيونية تساهم في تأمين فرص عمل لـ300 موظف، خصوصا أن تراجع التمويل الخليجي للإعلام اللبناني أدخله في أزمة غير مسبوقة دفعت العديد من وسائل الإعلام إلى الإغلاق، فيما يتساءل البعض عن هوية أصحاب المصلحة في تعطيل المشروع.

وبعد مرور حوالي شهر على أول إعلان للحبتور عن مشروعه الجديد عاد الحديث إلى الواجهة مرة أخرى، ومن باب الشكوى من الروتين والبيروقراطية داخل مؤسسات الحكومة اللبنانية. وكتب الحبتور على حسابه في منصة إكس:

ولم يشر الحبتور إلى طبيعة حملة بعض المؤسسات إن كانت مؤسسات سياسية أو اقتصادية أو غيرها، لكن أغلب التحليلات ذهبت إلى أنها تجري في الكواليس بهدف تعطيل المشروع من قبل بعض الأطراف التي لا مصلحة لها بتعددية إعلامية ومنافسة قوية رغم أن الحبتور أعلن مسبقا أن مشروعه لا ينضوي تحت عنوان الإعلام السياسي.

من جهته حاول وزير الإعلام اللبناني زياد مكاري أن ينفي وجود أي عرقلة أو تعطيل، قائلا إن الأمور “في طريقها السليم والملف سيكون على قائمة جدول مجلس الوزراء”، وأكّد مكاري أنّ لبنان يرحب بكل الاستثمارات على أرضه، لافتاً إلى أنه حدد موعداً لفريق العمل بغرض بحْث كل التفاصيل.

وتابع “الصديق العزيز خلف الحبتور، يهمّنا أن نؤكّد لك بأنّنا نلتزم بما وعدنا به، لناحية منحك التراخيص المطلوبة. قد استلمت مراسلة من القصر الحكومي بهذا الخصوص بتاريخ 15 مايو الفائت، حوّلتها إلى المجلس الوطني للإعلام لإبداء الرأي وفق ما تقتضيه الأصول، وحدّدت موعداً لفريق عملك الأربعاء، بغرض البحث في كلّ التفاصيل الإدارية، وسأعمل جاهداً لطرح الملفّ على طاولة مجلس الوزراء الأسبوع القادم”. وشدد على أن “لبنان بيئة حاضنة للاستثمار، ونرحّب بأيّ استثمار في مجال الإعلام وفي كلّ المجالات، فكيف إذا كان المستثمر صديقا للبنان وعزيزا على أهله؟”.

ورغم رد الوزير الدبلوماسي إلا أن القضية تبدو أكبر من سلطات الوزير، إذ أن توقف أغلب الدول الخليجية عن الاستثمارات في لبنان لم يكن اعتباطيا بل لأسباب تداخلت فيها السياسة مع الاقتصاد فضلا عن تعرض لبنان لأسوء أزمة مالية واجتماعية أفرزت انهيارا في سعر العملة الوطنية وعجز البنوك عن سداد الودائع وفراغا في السلطة مرفقا بانقسام سياسي حاد عطل البلاد. ومن جانب آخر باتت الدول الخليجية تركز على الاستثمار المحلي مع تنويع واسع في هذا المجال، لتدخل البلدان الخليجية لأول مرة ربما حالة تنافسية في مشروعات السياحة والترفيه والرياضة.

واستفاد حزب الله من هذا الواقع إذ لا يريد إعلاما قويا مؤثرا في البلاد لتبقى منابره صاحبة السطوة الكبرى لاسيما مع جيوشه الإلكترونية النشطة على الشبكات الاجتماعية. ويرى متابعون أن رد الوزير اللبناني بالحديث عن المراسلات والآليات الإدارية ليس إلا محاولة خجولة لحفظ ماء الوجه، في ظل وجود أياد خفية لا مصلحة لها بإتمام المشروع أو على الأقل تعطيله لأطول فترة ممكنة مع بعث رسائل إلى الحبتور بشأن البقاء ضمن الحدود التي تفرضها القوى المهيمنة في البلاد.

ولطالما أطلق حزب الله حملات إعلامية في الصحف والقنوات المحسوبة عليه ومعها الجيوش الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي لتهاجم وتخون وتتوعد الوسائل الإعلامية والإعلاميين، واتهامهم ببث الفتن وتهديد السلم الأهلي، لاسيما في القضايا السياسية والحروب والأزمات.

ولحزب الله وجمهوره تاريخ طويل من المواجهات مع الإعلام والاعتداء عليه، أشهرها أعمال الشغب وقطع الطرقات بسبب تقليد ساخر لشخصية حسن نصرالله في برنامج كوميدي على قناة “أل.بي.سي”، ليتكرر الأمر نفسه وللسبب نفسه أكثر من مرة.

ومن قبل حاول أحد أنصار حزب الله إحراق مبنى قناة “الجديد” اعتراضا على انتقادات طالت الحزب، كما أقدم عناصر الحزب في مرحلة لاحقة على إحراق مبنى قناة وصحيفة “المستقبل” خلال أحداث 7 مايو. كذلك قامت مجموعات من أنصاره باقتحام مكاتب صحيفة “الشرق الأوسط” في بيروت بحجة رسم كاريكاتيري، إضافة إلى لائحة طويلة من الاعتداءات على المراسلين والصحافيين في الشارع ومناطق نفوذ الحزب، فضلا عن حملات التخوين والتهديد اليومية التي تشنها جيوشه الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي.

كل ذلك يدفع إلى التساؤل عن مدى قدرة الإعلام اللبناني على ممارسة دوره المهني في الرقابة على السلطات وكشف الفساد ومتابعة التحقيقات في القضايا الكبرى، في حين أنه يتعرض لهذا الحجم من الضغط الذي تمثله الاتهامات المسبقة والتهديدات العلنية، ومحاولات إرهابه أمنيا ورسميا للسيطرة على السلطة الرابعة التي لا تزال السلطة الفاعلة الوحيدة التي تمارس دورها بينما تُضرب باقي السلطات ويسيطَر على قرارها وينعدم دورها.

ويرى إعلاميون أن من الطبيعي أن يشهد لبنان محاولات لتطويع السلطة الرابعة على غرار ما تعرضت له بقية السلطات، إذ يعلمون أنه كلما ضُرِبت السلطات وتعطلت أعمالها وتمت السيطرة عليها انبرت من بينها السلطة الرابعة، لاسيما المستقلة منها مؤسسات وأفرادا، ونحت باتجاه عدم محاباة السلطة، بمعزل عما يقدمه “الإعلام الداجن”.

العرب