لقد اتسم الاقتصاد العراقي منذ فترة طويلة باعتماده الكبير على عائدات النفط، وهو إرث يعود تاريخه إلى اكتشاف النفط في أوائل القرن العشرين. ترتبط الثروات الاقتصادية للبلاد ارتباطًا وثيقًا بسوق النفط العالمي، حيث يمثل النفط ما يقرب من 90٪ من الإيرادات الحكومية و95٪ من عائدات التصدير. وقد جعلت هذه الاعتمادية العراق عرضة بشكل خاص لتقلبات أسعار النفط، التي أثرت تاريخياً على استقراره المالي وتنميته الاقتصادية. وتهدف موازنة 2024 إلى التغلب على هذه التحديات مع السعي لتحقيق التنويع الاقتصادي والاستقرار.
موازنة العراق لعام 2024 والموافقة عليها تجلب الفرص والتحديات إلى واجهة المشهد الاقتصادي في البلاد. ويستمر اعتماد الاقتصاد الكبير على عائدات النفط في تشكيل السياسة المالية، في حين تظل الجهود المبذولة لتنويع مصادر الدخل بالغة الأهمية. يتعمق هذا التحليل في الآثار المحتملة لتقلب أسعار النفط، والتوزيع التفصيلي لنفقات الميزانية، والآثار الأوسع على الاستقرار الاقتصادي والتنمية في العراق.
تقلب أسعار النفط والأثر الاقتصادي: ويظل النفط شريان الحياة للاقتصاد العراقي. وفي عام 2024، تهدف البلاد إلى تصدير 3.5 مليون برميل من النفط يوميًا بسعر يقدر بـ 75 دولارًا للبرميل. وهذا من شأنه أن يدر ما يقرب من 94 مليار دولار سنويا. وبطرح النفقات الضرورية البالغة 77.4 مليار دولار، يتبقى فائض قدره 16.6 مليار دولار. وبعد حساب تكاليف الخدمات الأساسية البالغة 12 مليار دولار، يتبقى للعراق فائض متواضع قدره 4.6 مليار دولار. ومع ذلك، إذا انخفضت أسعار النفط إلى 50 دولارًا للبرميل، فسيواجه العراق صعوبة في الوفاء بالتزاماته المالية، مما يسلط الضوء على الطبيعة المحفوفة بالمخاطر للاعتماد بشكل كبير على سلعة واحدة.
توزيع نفقات الميزانية
تحدد موازنة 2024 عدة مجالات رئيسية للإنفاق:
الخدمات العامة: 12 مليار دولار
مشتريات حصص الإعاشة والقمح: 7 مليارات دولار
مشتريات الكهرباء من المستثمرين: 3 مليارات دولار
مشتريات الوقود: 3 مليارات دولار
أدوية وزارة الصحة: 3 مليارات دولار
خدمة الدين: باقي الموازنة
وتؤكد هذه النفقات التزام الحكومة بالحفاظ على الخدمات الأساسية ودعم الاستقرار الاقتصادي.
الإيرادات غير النفطية والتنويع الاقتصادي
وتتوقع الموازنة أيضًا إيرادات غير نفطية كبيرة، بما في ذلك:
الجمارك والضرائب: عنصر حاسم في تدفق الإيرادات، على الرغم من عدم تحديد الأرقام الدقيقة في هذا السياق.
الموارد الأخرى: تقدر بـ 20 مليار دولار
وعلى الرغم من هذه التوقعات، فإن القدرة على تحقيق أهداف الإيرادات هذه لا تزال غير مؤكدة، لا سيما في ظل البيئة الاقتصادية المتقلبة والتحديات التي تواجه تعزيز تحصيل الضرائب وكفاءة الجمارك.
الاعتبارات والتحديات الاستراتيجية: صرف الأموال من المشروع وتحديد أولوياته: سيكون تخصيص الأموال وصرفها في الوقت المناسب لمختلف المشاريع أمرًا بالغ الأهمية. ويبقى أن نرى أي المشاريع ستكون لها الأولوية ومدى فعالية تنفيذها.
الفوارق الإقليمية: تطرح أسئلة بشأن التوزيع العادل للأموال بين المحافظات. على سبيل المثال، يوجد في ذي قار صندوق لإعادة الإعمار، في حين لا يوجد في العمارة والمعلم، مما يثير مخاوف بشأن اختلال التوازن التنموي الإقليمي.
المواءمة مع الاستراتيجيات الوطنية: يعد مواءمة الموازنة مع استراتيجية التنمية الوطنية والبرنامج الأوسع للحكومة عاملاً حاسماً آخر. ويجب أن تكون هناك استراتيجية متماسكة تعمل على تعزيز عائدات النفط مع تعزيز التنويع الاقتصادي.
الإستراتيجية المالية طويلة المدى: يعد وضع إستراتيجية قوية طويلة المدى تعتمد على عائدات النفط أمرًا ضروريًا. ويشمل ذلك إدارة التوازن بين المبادئ الاقتصادية الرأسمالية والاشتراكية، وضمان التنمية المستدامة، ومعالجة القضايا الهيكلية.
الرقابة التشريعية والمساءلة: لا يمكن المبالغة في التأكيد على دور مجلس النواب في الإشراف على الميزانية، وتصفية السلف من السنوات السابقة، وضمان الشفافية في الإدارة المالية. تعتبر عمليات التدقيق التفصيلية وتدابير المساءلة ضرورية للصحة المالية على المدى الطويل.
خاتما تقدم موازنة العراق لعام 2024 مجموعة مختلطة من الفرص والتحديات. ورغم وجود جوانب إيجابية، مثل الفائض المحتمل من الإيرادات النفطية والإيرادات غير النفطية المخططة، إلا أن الاستقرار الاقتصادي يظل عرضة للصدمات الخارجية مثل تقلب أسعار النفط. إن قدرة الحكومة على تنفيذ ميزانيتها بفعالية، وتحديد أولويات المشاريع الحيوية، ومعالجة الفوارق الإقليمية، والمواءمة مع استراتيجيات التنمية الوطنية، هي التي تحدد المسار الاقتصادي للبلاد. ومن الضروري أن يتعامل صناع السياسات مع هذه التعقيدات بعناية لضمان النمو المستدام وتحسين مستوى المعيشة لجميع العراقيين.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاقتصادية