في محاولة لإظهار القوة، والتعاطي مع ضغوط النازحين الإسرائيليين على طول خط الحدود مع لبنان ظهر بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة إسرائيل، في مستوطنة كريات شمونة، إحدى مناطق الحرائق الواسعة التي اجتاحت الحدود، نتيجة المواجهات المتبادلة مع «حزب الله» اللبناني، معلنا من هناك أن الجيش مستعد لشن عملية عسكرية «قوية جدا» في الشمال.
ترافقت هذه الزيارة مع أنباء تدعم هذا التوجه المذكور، مع إعلان هرتسي هاليفي، رئيس أركان جيش الاحتلال، يوم الثلاثاء الماضي، من معسكر غيبور على الحدود الشمالية (وهو المكان نفسه الذي زاره نتنياهو) عن اقتراب الجيش من «نقطة القرار» واستعداده «لشن هجوم في الشمال» ثم إعلان الحكومة، أمس الأربعاء، مصادقتها على استدعاء 50 ألف جندي احتياط إضافي. غير أن بتسلئيل سموتريتش (وزير المالية وأحد أشرس ممثلي الصهيونية الدينية تطرفا في الحكومة) أظهر وجود اختلاف بين القيادتين السياسية والعسكرية قائلا إن «الحقيقة هي أن الجيش الإسرائيلي لا يريد الشروع في حملة في الشمال».
قضى نتنياهو وزوجته آخر عطلتين لهما في إحدى المناطق التي تندلع فيها الحرائق (كتسرين في وسط الجولان المحتل) قبل أسابيع من اندلاع الحرب على غزة والتقط صورة له بنظارات بلون ورديّ، أما في الصور التي التقطها هذه المرة فظهرت سيارات الإطفاء والضباط الذين يعرضون له خرائط وخططا حربية.
لقد انتقل نتنياهو، ومعه إسرائيل، من «شهر العسل» الوردي مع زوجته، ومن انفتاح آفاق التطبيع مع العرب، إلى لجوئه لخوض حرب همجية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، حصدت له دعوى ضد إسرائيل تتهمها بالإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية، وبإعلان محكمة الجنايات الدولية سعي مدعيها العام لإصدار مذكرة اعتقال ضده، رفقة وزير دفاعه يوآف غالانت، وبوصول عدد الدول المعترفة بفلسطين، مع سلوفينيا أمس، إلى 148 دولة، وإلى نزاعات شرسة مع دول مثل جنوب افريقيا ودول في أمريكا اللاتينية، وخلافات مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، أكبر حلفاء إسرائيل، وخلافات سياسية تهدد بإسقاط الحكومة، وخلافات بين الساسة والجيش.
ارتفاع حدة التصريحات السياسية والعسكرية الإسرائيلية حول لبنان تناظر مع انتقادات عنيفة وجهها ممثلو البلديات والمستوطنات على الحدود للحكومة، كما فعل رئيس مجلس مستوطنة مرغليوت الذي تحدث عن رغبة سكانها في «الانفصال الكامل عن إسرائيل» وانتقادات رئيس بلدية كريات شمونة لنتنياهو التي دفعته لتجنّب لقائه.
هناك جوانب أخرى يمكن ملاحظتها لسبب تصاعد حدة التهديدات الإسرائيلية بحرب ضد لبنان، منها أن «حزب الله» اعتمد آليات عسكرية جديدة مثل إطلاق صواريخ وقذائف من أماكن بعيدة عن الحدود، وكذلك إطلاق صواريخ كبيرة الوزن مثل «بركان» واستعمال المسيرات والحوامات الهجومية، وهي تكتيكات أبعدت مسؤولي وعناصر الحزب عن الحدود وجعلت استهدافهم أكثر صعوبة، مما أدى، حسب تحليل لصحيفة عبرية، إلى فقدان الجيش الإسرائيلي السيطرة على الحدود مع لبنان.
هناك أسباب أخرى شخصية تساهم في اندفاع نتنياهو للقيام بحرب على لبنان، وعلى رأسها طبعا «الهروب إلى الأمام» من التداعيات الهائلة للحرب على غزة، داخليا وخارجيا، وهو ما أشار إليه بايدن، بطريقة مواربة، إلى «أسباب وجيهة للاستنتاج بأن نتنياهو يطيل أمد الحرب من أجل الحفاظ على مصالح سياسية» (أشار رئيس بلدية كريات شمونة إلى أن زيارة رئيس الحكومة للمدينة هي لتعزيز وضعه في حزبه ليكود).
باندلاع حرب، ولو محدودة (كما يتوقع الجميع) على لبنان، ستخوض القيادة الإسرائيلية حربين معا، وهي وضعية لم تحصل منذ حربي 1967 و1973، لكنّها، هذه المرّة، ضد حركات مسلحة تمرّست بالقتال ضد إسرائيل وراكمت تجارب عشرات السنوات، ومع الأثمان الكبرى المدفوعة التي يدفعها الفلسطينيون واللبنانيون نتيجة مواجهة إسرائيل، فإن ما رأيناه، حتى الآن، من عزلة عالمية كبرى لإسرائيل، والمواجهة العالمية مع الأمم المتحدة، والمحاكم الدولية، هو أمر غير مسبوق أيضا.