صرحت الوكالة الدولية مؤخرا، بأن إيران لديها من اليورانيوم المخصب، أكثر 30 مرة من الكمية المسموح بها لها، حسب الاتفاق النووي بينها وبين القوى الدولية الخمس زائد ألمانيا، الذي تم إبرامه عام 2015. لاحقا عام 2018؛ تم إلغاؤه من قبل أمريكا ترامب.
المسؤولون الإيرانيون، قبل أسابيع قليلة، صرحوا بأن إيران؛ بصدد تغيير عقيدتها النووية، إذا لم يتم نزع السلاح النووي الإسرائيلي، بعد أيام من هذا التصريح صرح مسؤول إيراني آخر بأن إيران ستغير عقيدتها النووية في حالة تعرضها للخطر.هذه التصريحات لم تكن مفاجئة لمتابع الشأن الإيراني، وبالذات لبرنامج إيران النووي.
القيادة الإيرانية، وعلى رأسها المرشد الأعلى؛ تصرفت بحنكة وقدرة على المطاولة، وصبر استراتيجي، أكثر من عقدين، ووضعت أمريكا والغرب ودولة الاحتلال الإسرائيلي في زاوية محكمة الإغلاق، فلا أمريكا ولا الغرب ولا دولة الاحتلال الإسرائيلي قادرة على تفكيك البرنامج النووي الإيراني ولا قدرة لها على التأثير على صانع القرار في إيران، بالعقوبات القاسية التي أفشلتها إيران، وأصبحت كل الأبواب مفتوحة أمامها لصناعة السلاح النووي إن هي أردت ذلك، وهذا ما تسعى إليه، ولن يطول بنا الانتظار حتى نفاجأ ذات يوم بالقنبلة النووية الإيرانية، كما فاجأت كوريا الشمالية أمريكا والغرب وكل العالم بقنابلها النووية. لقد بذلت إيران جهدا جبارا لبلوغ هذه المرحلة المتطورة، وصارت على بعد خطوة واحدة لدخول النادي النووي.
وفي عام 2002 حين كانت طبول الحرب على العراق تقرع في واشنطن؛ بدأت إيران عملية تخصيب اليورانيوم، ورغم أن آية الله العظمى السيد الخميني الراحل، أصدر فتوى تحريم صناعة السلاح النووي، لكن سلفه السيد خامنئي؛ ألغى تلك الفتوة، وبعد عدة سنوات، وبالتحديد حين تأكد أن أمريكا ستحتل العراق لا محالة؛ أعاد الحياة للفتوى، القاضية بتحريم صناعة السلاح النووي. وفي عام 2002 وفي تزامن مقصود لفتوى المرشد، صرح الرئيس الإيراني الإصلاحي السابق السيد محمد خاتمي؛ بأن إيران ستعمل على إحياء دورة تخصيب اليورانيوم.. ما أثار حفيظة الإدارة الأمريكية ورئيسها بوش الابن، لكن لم يكن بإمكانها؛ عمل ما يحول دون سعي إيران لإكمال دورة الوقود النووي، فقد كانت قواتها التي تحتل العراق غارقة في أرضه بفعل ما واجهته من مقاومة شرسة ضد وجودها، في أرجاء العراق كافة، بالإضافة للمقاومة في أفغانستان. في هذه السنوات حتى عام 2015 وهو العام الذي تم فيه إبرام الاتفاق النووي بعد مفاوضات صعبة استمرت لعدة سنوات؛ كانت إيران خلالها وهي تفاوض؛ تواصل بجهد كبير توزيع مواقعها النووية في عدة أماكن وتحت الجبال، وتستمر في عملية تخصيب اليورانيوم، حتى بلغت ما بلغت عندما تم الاتفاق النووي الذي طال العمل به عشر سنوات أو 15 عاما، بينها وبين القوى العظمى زائد ألمانيا، وفيه التزمت إيران بتخصيب اليورانيوم بدرجة أقل قليلا من 4% للأغراض السلمية، ومنها توليد الكهرباء في مفاعل بوشهر الذي بنته روسيا لها على ضفاف الخليج العربي، وعلى مرمى حجر من دول الخليج العربي. في هذا الاتفاق حصلت إيران من خلاله على 100 مليار دولار ووعد بإلغاء العقوبات الصارمة عليها. لكن ترامب ألغى هذا الاتفاق عام 2018. لقد استثمرت إيران البيئة السياسية الإقليمية والدولية لصالح برنامجها النووي، استثمارا منتجا وجديا وفاعلا.
استثمرت إيران البيئة السياسية الإقليمية والدولية لصالح برنامجها النووي، استثمارا منتجا وجديا وفاعلا
أمريكا في عهد بوش الابن، وفي ظل سيادة القطب الواحد على دفة سفينة العالم، وتسيد المحافظين الجدد على صناعة القرار في أمريكا، تصورت أنها قادرة على إحداث تحولات كبرى في العالم، لصالح رؤيتها في السيطرة على العالم وبناء عالم جديد خاضع لها ولو بعد سنوات؛ بوضعها قواعد للعمل بها دوليا، بابتكارها مصطلح النظام العالمي القائم على القواعد. إنما الرياح جرت بالضد من بوارجها وسفنها الحربية، وحاملات طائراتها؛ فانقلب عليها جنوب العالم، بتعضيد ودعم ومشاركة من روسيا والصين ودول أخرى متوسطة القوة والقدرة، لتصحو على عالم جديد ينازعها النفوذ والسيطرة؛ ولا يزال الصراع الظاهر والخفي بينها وبين القوى الدولية الصاعدة، روسيا والصين وبالذات الصين على أشده.. بوش الابن في الشهر الثاني من عام 2003 وفي خطاب له؛ حدد ثلاث دول تشكل محور الشر في العالم وهي العراق في عهد النظام السابق وإيران وكوريا الشمالية. محاولة منه لتبرير غزو أمريكا للعراق واحتلاله وتدميره. الغطرسة الأمريكية لم تجن منها ما يفيد ويدعم تفردها في قيادة العالم طبقا للقواعد التي وضعتها للنظام العالمي الجديد حينها، كما أنها خسرت تماما ما خططت له في احتلال العراق وأفغانستان من جانب، أما من الجانب الثاني في ما يخص دول محور الشر؛ فكوريا الشمالية أصبحت دولة نووية، وإيران في الطريق لتحذو حذو كوريا الشمالية وتصنع قنبلتها النووية. أمريكا ليس في قدرتها أو إمكانياتها منع إيران من الوصول إلى أهدافها في امتلاك السلاح النووي في ظل الظروف الإقليمية والدولية الحالية. روسيا تتعاون الآن وكما تقول الصحافة الأمريكية والغربية، مع كوريا الشمالية في حقل الاتصالات والأقمار الاصطناعية مقابل الصواريخ الكورية الشمالية. روسيا أيضا، حسب المصادر الصحفية ساعدت وتعاونت مع إيران في نجاح الأخيرة في إطلاق أول قمر اصطناعي لها للفضاء، بعد فشلها في إطلاقه في وقت سابق. روسيا مستمرة في التعاون مع إيران في كل الحقول، وهما الآن ومنذ فترة يتناقشان على إبرام تعاون وشراكة استراتيجية بينهما. أمريكا والغرب يواجهان الآن حربا تنوب عنهما فيها أوكرانيا، وبالذات أمريكا. الحرب في اوكرانيا ستحدد نتائجها مصير العالم ومصير الهيمنة الأمريكية والغربية، على العالم، وإذا ما انتصرت روسيا وحققت أهدافها فيها؛ ستقود إلى انتهاء التسيد الأمريكي. لذا يلاحظ المتابع لهذه الحرب؛ أنها تقترب من حافة الهاوية في ظل النجاحات التي تحققها القوات الروسية، واقتراب الجيش الأوكراني من الانهيار. حسب الصحافة الروسية وكتاب الرأي الروس، وبالذات المحلل المرموق، الاسكندر نازاروف؛ أن أمريكا في ظل الهزائم الأوكرانية واقتراب روسيا من تحقيق أهدافها؛ تستفز روسيا؛ بالسماح للجيش الاوكراني، وبإشراف متخصصين أمريكيين وأوروبيين بضرب محطات الرادارات الخاصة بالمواقع التي من مهماتها حصرا حماية الدرع الصاروخي النووي الاستراتيجي؛ الهدف هو كما يقول الاسكندر نازاروف؛ دفع روسيا إلى استخدام السلاح النووي التكتيكي؛ ليتم عندها تدويل الحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى التهديد الصيني الناجح للهيمنة الأمريكية على العالم؛ في التجارة وتكنولوجيا الاتصالات وفي المال والأعمال؛ والزيادة المطردة لقوة الجيش الصيني. أمريكا والغرب غارقان في الصراع مع روسيا والصين، إضافة إلى حرب الإبادة الصهيونية الاجرامية في غزة، وما سوف ينتج عنها، وما نتج عنها حتى اللحظة، من عزلة لدولة الاحتلال الاسرائيلي، وفضح لنفاق أمريكا والغرب؛ في ظل أوضاع عربية مضطربة؛ تفتقر إلى الرؤية الواضحة وغياب البوصلة في مواجهة نتائج هذه الحرب على الشعب الغزاوي الفلسطيني العربي، ولم أقل تعضيد جهاد الفلسطينيين، فهذا امر بعيد عن أجندة النظام العربي.
إيران استثمرت كل هذه التطورات لصالح برنامجها النووي، وسعيها الحالي لامتلاك السلاح النووي، فهي فرصة تاريخية أو لحظة تاريخية، يدركها المسؤولون الإيرانيون، ويعلمون أنها؛ قد لا تتكرر حين يستقر شكل العالم على الصورة التي تريد القوى العظمى أن يكون عليها. المسؤولون الإيرانيون يمتازون بالذكاء والصبر والحنكة، والابتعاد كليا عن سياسة حرق المراحل؛ فهم يعملون بهدوء، وبتدرج مرحلي محسوب، لكن بفاعلية قوية ومنتجة وهذه حقيقة يجب على المتابع للشأن الإيراني التسليم بها، لأنها واقع موجود على الأرض. في عهد الرئيس الإيراني الراحل؛ بدأت سياسة تصفير المشاكل مع دول الخليج العربي والدول العربية الأخرى، كمصر وغيرها، أو اذا ما توخينا الدقة والحقيقة؛ أن هذه السياسة بدأتها إيران قبل رئيسي الراحل بسنوات لكنها لم تؤتِ أُكلها إلا في السنوات اللاحقة في زمن الراحل رئيسي. إنها من وجهة نظري رسائل اطمئنان للدول العربية سواء في الخليج العربي أو الدول العربية الأخرى؛ من صناعة إيران للسلاح النووي.