يشير قيام أمير الكويت الجديد بحل البرلمان ثم تعيين رئيس وزراء وولي عهد، إلى تغيير الاتجاه الذي تسلكه هذه الدولة الخليجية الغنية بالنفط. في 10 أيار/مايو، قام حاكم الكويت، الأمير مشعل الأحمد الصباح، بحل “مجلس الأمة” وتعليق العمل ببعض مواد الدستور. وجاء هذا القرار قبل أربعة أيامٍ من الموعد المقرر لعقد الجلسة الافتتاحية في أعقاب الانتخابات التي جرت في نيسان/أبريل. واعتلى الأمير العرش بعد وفاة أخيه غير الشقيق الأمير نواف في كانون الأول/ديسمبر، وأصبح يحكم الآن بموجب مرسوم بمساعدة رئيس وزرائه الجديد أحمد عبد الله الصباح – الذي تم تعيينه في الأول من أيار/مايو – بالإضافة إلى مجلس الوزراء. كما تم استكمال فريق القيادة الجديد من خلال إعلان تعيين الشيخ صباح خالد الصباح ولياً للعهد في الأول من حزيران/يونيو.
ولم تُسلّم الكويت بعْدْ السلطة إلى جيلٍ أصغر سناً كما حدث في الإمارات العربية المتحدة، حيث يبلغ الرئيس محمد بن زايد آل نهيان ثلاثةً وستين عاماً، وفي المملكة العربية السعودية، حيث يبلغ الحاكم الفعلي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ثمانيةً وثلاثين عاماً. أما أمير الكويت، فيبلغ من العمر ستةً وثمانين عاماً وكان سلفه أكبر منه بعام واحد. حتى أن ولي العهد الجديد يبلغ من العمر واحداً وسبعين عاماً ورئيس الوزراء الجديد اثنين وسبعين عاماً.
لكن التشكيلة الجديدة مختلفة جداً عن الماضي وقد تُحدث تغييراً جذرياً بعد أن شهدت البلاد تناقضاً دام عدة سنوات بين إنتاج النفط الكبير والأزمة الاقتصادية الدائمة. فعلى الرغم من أن الكويت هي خامس أكبر دولة منتجة للنفط في منظمة “أوبك” وعدد سكانها صغير يبلغ نحو ثلاثة ملايين نسمة منهم 70% من العمال المغتربين، إلّا أن البلاد لا تستطيع إنتاج ما يكفي من الكهرباء لتلبية احتياجاتها، مما يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي خلال أشهر الصيف الحارة. كما يتم استيراد الكهرباء في الصيف من خلال خط نقل عبر السعودية ويمتد من بلدان بعيدة مثل قطر وعُمان.
الخلل الوظيفي المستمر
يمكن وصف المشكلة المزمنة التي تعاني منها الكويت بأنها فوضى إدارية تفاقمت بسبب التوترات بين الحكومة و”مجلس الأمة”، وهو البرلمان المنتخَب الوحيد في الخليج الذي يتمتع بأي سلطة. وتشمل هذه السلطة بشكلٍ خاصٍ حق الأعضاء في الاعتراض على وزراء الحكومة، الذين يعتبرهم بعض أعضاء المجلس فاسدين. ولطالما كانت النتيجة هي الوصول إلى طريق مسدود في عملية صنع القرار، واستمرار الإدارة غير الكفؤة.
وإحدى النتائج الضارة جداً لهذه الديناميكية هي عجز البرلمان منذ عام 2017 عن المصادقة على قانون يسهّل إصدار الديون (عملية تقديم سندات الديون للمستثمرين، مثل السندات، في مقابل رأس المال). ولا يغطي الدخل من النفط النفقات في الكويت، مما يضطرها إلى استخدام الدخل من احتياطياتها الضخمة من الثروة السيادية، أو الاقتراض من دون المساس بالاحتياطيات.
ولطالما كانت العلاقات متوترة بين عائلة الصباح الحاكمة والسياسيين الكويتيين. فقد تمت الدعوة لإجراء انتخابات في نيسان/إبريل بعد أن أهان أحد النواب الأمير مشعل كما ادُعي. ويشك العديد من المراقبين في ما إذا كان حل البرلمان سيستمر لمدة أربع سنوات قبل أن يصبح التوصل إلى اتفاق تسوية فوضوي لإعادة تفعيله أمراً ضرورياً رداً على التوترات الداخلية. وقد شهدت انتخابات نيسان/أبريل نسبة إقبال بلغت 62%، فازت فيها أحزاب المعارضة كما تسمى بتسعةٍ وعشرين مقعداً في المجلس المؤلف من خمسين مقعداً. وفاز النواب الشيعة بثمانية مقاعد، ولم يحصل سوى عضو واحد من جماعة “الإخوان المسلمين” المحلية على مقعد.
وفي ظل غياب القيود التي يفرضها “مجلس الأمة”، أصبح الأمير يتمتع الآن بمطلق الحرية من الناحية النظرية. فله خلفية في الأمن الداخلي وأصبح القائد الفعلي للحرس الوطني. أما ولي العهد صباح الخالد، فقد شغل مناصب في وزارة الخارجية، ثم أصبح وزيراً، ولا سيما وزير الخارجية، ثم أصبح في النهاية رئيساً للوزراء في عام 2019. ويُعتبَر صاحب كفاءة ويتمتع بسمعة طيبة. وفيما يتعلق برئيس الوزراء الجديد، الشيخ أحمد، فهو نائب سابق لمحافظ البنك المركزي، وشغل مناصب في وزارات مختلفة قبل أن يصبح وزيراً للنفط بين عامَي 2008 و 2011. ويجدر بالذكر أنه كان رئيساً لديوان ولي العهد الشيخ مشعل عندما كان الأمير ولياً للعهد، مما يشير إلى أنهما يعملان معاً بشكلٍ جيد. وأبقى الأمير على الشيخ فهد يوسف الصباح، الذي يُعتبَر مثيراً للجدل، وزيراً للداخلية والدفاع. وتشمل الشخصيات الأخرى التي ما زالت في مناصبها وزير النفط عماد العتيقي.
الشؤون العائلية
عائلة آل صباح هي عائلة حاكمة وليست ملكية، ويعود تاريخها إلى القرن الثامن عشر، عندما أرادت عائلات التجار المحليين أن تتعامل عشيرة واحدة مع الشؤون الإدارية، لكي تتفرغ هي للأعمال التجارية. إلا أن الزمن واكتشاف النفط غيّرا طبيعة العلاقة. وتتعدد فروع عائلة آل صباح نفسها، لكن تاريخها الحديث يعود إلى عام 1896، عندما قَتل مبارك الصباح اثنين من إخوته غير الأشقاء، ومن بينهما الحاكم آنذاك. وحصل مبارك على اعتراف بريطانيا بالبلاد ككيان منفصل، ثم أصبح يُعرَف باسم مبارك الكبير. ومنذ وفاته عام 1915، تنقلت الخلافة بين اثنين من أبنائه ثم ورثَتهما، سلالة “آل جابر” وسلالة “آل سالم”.
واستمر هذا النظام حتى وفاة الأمير صباح، من آل جابر، في عام 2020، وبقيت هذه السلالة هي المسيطرة منذ ذلك الحين. وخلَف صباح أخوه غير الشقيق نواف، والذي خلَفه مشعل، وهو أخ غير شقيق آخر.
ومن المثير للاهتمام أن ولي العهد الجديد ليس من آل جابر أو من آل سالم، بل من آل حمد. ولكنه يرتبط بالسلالتين الرئيسيتين عبر جده والد أمه وعبر والد زوجته أيضاً، مما قد يجعله مقبولاً لدى الطرفين.
النظرة المستقبلية
في ظل انشغال القادة في واشنطن بحرب غزة وتزايد خطر تدهور الوضع بين “حزب الله” وإسرائيل، فمن غير المرجح أن تحظى خلافة القيادة الكويتية – إلى جانب حل “مجلس الأمة” وتعليق الدستور – بالكثير من الاهتمام. ولم يتضح بعد ما تعنيه في الواقع هذه التطورات، ولكن من المرجح أن تكون ذات أهمية. لقد تم حل برلمان الكويت عدة مرات في العقود الأخيرة، وكما كان عليه الحال في الماضي، قد تكون الخطوة الحالية بمثابة إجراء مؤقت يهدف إلى كسر الجمود. ومع ذلك، فمن الممكن أن يمتد تعليق عمل البرلمان لفترة أطول، مما يدل على تزايد تبني النزعات الاستبدادية في الخليج.
وهناك وجهة نظر أكثر تفاؤلاً تتمثل في قدرة فريق القيادة الجديد الذي يتمتع بالمزيد من الأهلية وينحدر من فرع مختلف من العائلة على تنفيذ السياسات التي لطالما عارضتها المصالح الراسخة، وبالتالي يتمكن من إنهاء الأزمة التي تعيشها الكويت ودفع الدولة إلى سلوك اتجاهٍ أكثر ديناميكية، على غرار السعودية والإمارات. ومنطقياً، في ظل غياب العرقلة التي يمارسها البرلمان، باستطاعة الأمير وولي العهد ورئيس الوزراء كبح جماح الفساد المستشري والبدء بتنويع الاقتصاد الذي يعتمد فقط على تقلبات أسعار الوقود الأحفوري ويخضع لها.
ومع أن “القيادة المركزية الأمريكية” لديها مقر أمامي في الكويت يضم 13 ألف عنصر، وأن الكويت هي أحد أبرز حلفائها من خارج “الناتو”، إلا أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة لم تولِ اهتماماً كبيراً بهذه الدولة. ففي ظل تعدد الأزمات في المنطقة، أصبح استقرار الكويت من المسلمّات. لكن دولة الكويت تقع على حدود العراق الذي تهيمن عليه إيران بشكلٍ متزايدٍ، وتشكل الدولة هدفاً للاهتمامات والاستثمارات الصينية المتزايدة. كما أن إيران تطالب بجزءٍ من حقل الغاز البحري الذي لم يتم استغلاله بعد، والمشترك مع السعودية.
وبينما ستميل واشنطن إلى توبيخ الكويت، كما فعلت مع تونس، بسبب تراجع التقدم الديمقراطي فيها، إلا أنه يجب على الإدارة الأمريكية أن تتحلى بالصبر. وعلى مدى الأشهر القليلة المقبلة، سيقوم شعب الكويت والدول الخليجية المجاورة بمراقبة الوضع في ظل تولي القادة الثلاثة الجدد مقاليد الحكم. وستشكل كيفية إدارة هذا الفريق لتحديات الكهرباء في فصل الصيف الحار اختباراً مبكراً. وفي نهاية المطاف، قد تتم إعادة تفعيل “مجلس الأمة” والعمل بكافة مواد الدستور. وفي غضون ذلك، قد يتم إحراز بعض التقدم نحو إنهاء الأزمة الكويتية المستمرة في ظل غياب هذه المؤسسة المختلة.
سايمون هندرسون