عاد الحديث مجدداً حول احتمالات اندلاع “الحرب النووية” مع توقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عند هذه القضية في معرض رده على أسئلة رؤساء وكالات الأنباء العالمية الذين التقاهم على هامش “منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي الدولي” في دورته الأخيرة نهاية الأسبوع الماضي.وعلى رغم تعمده الإسهاب في شرح موقف بلاده من هذه القضية الشائكة، إلا أنه حرص على تأكيد أن ما قاله ويقوله في هذا الشأن ليس سوى كونه رداً على أسئلة سائليه، كما فعل مع ضيوفه من رؤساء وكالات الأنباء العالمية، وإن لم يكن راغباً في ذلك، مما يعني دفع الاتهام الذي لطالما التصق به منذ بداية “العملية العسكرية الروسية الخاصة” في أوكرانيا.
وكان مدير الجلسة الختامية لمنتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي سيرغي كاراغانوف دعا الرئيس بوتين إلى تعديل العقيدة النووية الروسية وخفض عتبة استخدام الأسلحة النووية، وهو ما اعتبره بوتين “إجراء غير ضروري”.
ورد الرئيس الروسي على ذلك بسؤاله “هل نحن بحاجة إلى مثل ذلك التغيير؟”، ثم عاد بوتين ليردف ذلك بسؤال آخر “لماذا؟ من الممكن تغيير كل شيء، إنني لا أرى الحاجة إلى ذلك”.
ومع ذلك فقد عاد بوتين ليقول إن “العقيدة هي أداة حية، ونحن نراقب عن كثب ما يحدث من حولنا في العالم، ولا نستبعد أي تغييرات في تلك العقيدة”، وإن ربط ذلك بعدد من الشروط كشف منها عن أربعة نوردها أدناه.
الضرورات الأربع التي تبيح المحظورات
وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن احتمالات تغييرات قادمة في العقيدة العسكرية الروسية تسمح باستخدام الأسلحة النووية في حال وجود تهديد لوجود البلاد وسلامتها الإقليمية، مضيفاً أنه لم تحدث حال استثنائية يمكن فيها استخدام الأسلحة النووية، وفقاً لهذه العقيدة.
وزاد في قوله خلال الجلسة العامة لـ “منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي الدولي” بما أضافه حول أن “العقيدة النووية الروسية هي أداة حية يمكن تعديلها إذا لزم الأمر”، وذلك ما استشهد به رئيس لجنة الدفاع والأمن لدي “مجلس الدوما” الجنرال أندريه كارتابولوف في معرض تعليقه على احتمالات إدخال التغييرات اللازمة على هذه الوثيقة، من منظور الضرورات التي تبيح المحظورات.
ونقلت وكالة أنباء “إنترفاكس” عن نائب وزير الخارجية الروسية والمسؤول عن ملف الولايات المتحدة سيرغي ريابكوف، ما قاله حول أن “تصرفات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي تثير مسألة جعل الوثائق في مجال الردع النووي أكثر انسجاما مع الحاجات”، ومن هذا المنظور قال ريابكوف في معرض حديثه على هامش اجتماع وزراء خارجية بلدان “مجموعة بريكس” الذي عقد في نيجني نوفغورود، إن إجراءات التصعيد التي تتخذها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي تثير مسألة كيفية جعل الوثائق الأساس في مجال الردع النووي تتماشى مع الحاجات الحالية.
وأضاف، “لا يسعني إلا أن أقول إن الوضع يميل إلى أن يكون أكثر تعقيداً، والتحديات التي تتضاعف نتيجة للإجراءات غير المقبولة والمتصاعدة للولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي تثير بلا شك مسألة مواءمة الوثائق الأساس في مجال الردع النووي بشكل أفضل مع الحاجات الحالية”، مما يعني أن العقيدة النووية الروسية قد تتغير بسبب الوضع المعقد بصورة متزايدة في العالم، ولا سيما بسبب تصرفات الولايات المتحدة ودول الـ “ناتو”.
ويتضمن الدستور الروسي في تعديلاته الأخيرة التي أقرت خلال استفتاء شعبي عام 2020 عدداً من الشروط التي تضعها روسيا ضمن أساسات الردع النووي، بما يعني أن موسكو ستكون معها مدعوة إلى استخدام الأسلحة النووية في عدد من الحالات، ومنها الشروط الأربعة الآتية:
أولاً في حال تلقى روسيا معلومات مؤكدة حول إطلاق الصواريخ الباليستية التي تهاجم أراضيها أو أراضي أي من حلفائها.
ثانياً في حال استخدام العدو الأسلحة النووية أو أسلحة الدمار الشامل الأخرى ضد روسيا أو أي من حلفائها.
ثالثاً إذا استهدف العدو أياً من المرافق الحكومية أو المواقع العسكرية الروسية الإستراتيجية، مما قد يعطل استجابة القوات النووية الروسية.
رابعاً إذا تعرضت روسيا للهجوم بالأسلحة التقليدية، مما ينال من وجود الدولة ذاتها.
ويجيز الدستور الروسي للرئيس استخدام الأسلحة النووية في مثل هذه الأحوال التي أشارت إليها العقيدة النووية، مع ضرورة إبلاغ سلطات البلدان الأخرى أو المنظمات الدولية بذلك.
ماذا كان رد فعل الرئيس الأميركي؟
سارع الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الرد على ما قاله نظيره الروسي بإعلان أن الولايات المتحدة ستكون مدعوة إلى تغيير إستراتيجيتها النووية، مما يعني أنها “ستكون أمام ضرورة زيادة نشر ترسانتها، لأن هذا قد يكون حتمياً لردع روسيا والصين وكوريا الشمالية في وقت واحد”، على حد قوله.
ووقع الرئيس الأميركي تعليمات جديدة في شأن استخدام الأسلحة النووية الأميركية، أشارت إلى ضرورة الاعتماد على نمو وتنوع الترسانة النووية، وننقل عن صحيفة “كوميرسانت” المعروفة بصلاتها القريبة مع الكرملين ما تناولته في عددها الصادر في الـ 11 من يونيو (حزيران) الجاري، حول المذاهب النووية للقوى النووية الغربية، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وفرنسا، وقالت “كوميرسانت” إن الصياغة أقرب إلى ما كان لدى روسيا من قبل، وفي هذا الإطار تنص مراجعة السياسة النووية الأميركية لعام 2022 على أن “الولايات المتحدة لن تنظر في استخدام الأسلحة النووية إلا في الظروف القصوى لحماية المصالح الحيوية للدولة أو حلفائها وشركائها”، كما ضُمنت صيغ مماثلة في الوثائق العقائدية لإدارتي دونالد ترمب وباراك أوباما.
أما عن بريطانيا فقد أشارت سلطاتها إلى أنها تحتفظ بالحق في “النظر في استخدام الأسلحة النووية فقط في الظروف القصوى للدفاع عن النفس، بما في ذلك حماية حلفاء الـ ’ناتو‘”، بينما تقول العقيدة الفرنسية إن “استخدام الأسلحة النووية ممكن فقط في الظروف القصوى للدفاع المشروع عن النفس”، وأن الردع النووي “يحمي فرنسا من أي عدوان ضد مصالحها الحيوية”.
وعن الصين فإنها تلتزم بسياسة عدم استخدام الأسلحة النووية أولاً، وفي فبراير (شباط) الماضي دعت بكين “الخمسة النوويين” بأكملهم إلى أن يكونوا أول من يبرم معاهدات في شأن عدم الاستخدام المتبادل للأسلحة النووية أو الإدلاء ببيانات سياسية في هذا الصدد.
أما عن استعدادات الولايات المتحدة لمواجهة نووية في شكل جديد، فقد رد نائب وزير الخارجية الروسية ريابكوف بتصريح قال فيه بضرورة إدخال التغييرات اللازمة في نصوص العقيدة النووية لروسيا الاتحادية بسبب تصرفات الولايات المتحدة، وفي صدد نشر الأسلحة النووية في أراضي بيلاروس قال المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن “نشر الأسلحة النووية في بيلاروس لا يتطلب تغييراً في العقيدة النووية الروسية”.
أما رئيس لجنة الدفاع والأمن لدى “مجلس الدوما” أندريه كارتابولوف فقال في تصريحات نقلتها وكالة أنباء “تاس”، إنه يمكن مناقشة التغييرات اللازمة في نصوص العقيدة النووية لروسيا الاتحادية في حال كان من الضروري وقف التهديدات التي تواجهها البلاد.
مناورات الأسلحة النووية غير الإستراتيجية
وفي هذا الصدد واصلت القوات النووية غير الإستراتيجية في روسيا مناوراتها المشتركة مع نظيرتها في بيلاروس التي بدأت مرحلتها الأولى في الـ 21 من مايو (أيار) الماضي بهدف “تدريب عدد من وحدات القوات المسلحة لروسيا الاتحادية وجمهورية بيلاروس على الاستخدام القتالي للأسلحة النووية غير الإستراتيجية، وإتقان العمل على ضمان سيادة وسلامة أراضي الدولة الاتحادية التي تضم البلدين”.
وكانت وحدات الصواريخ في المنطقة العسكرية الجنوبية عملت خلال المرحلة الأولى من التدريبات على المهمات الخاصة بمنظومات الصواريخ التشغيلية والتكتيكية (إسكندر)، بما في ذلك استخدام معدات مركبات الإطلاق والتحضير لإطلاق الصواريخ، وإضافة إلى ذلك عمل الطيران على وضع معدات مع وسائل التدريب للتدمير، بما في ذلك الصواريخ الباليستية الجوية “داغر” التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.
وأشارت المصادر العسكرية إلى أن القوات المسلحة الروسية والبيلاروسية تمارس تدريباتها خلال المناورات المشتركة على استعداد لاستخدام الأسلحة النووية غير الإستراتيجية، إلى جانب تدريب الأفراد والمعدات ذات الصلة في البلدين، لضمان سيادة وسلامة أراضي الدولة الاتحادية.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن موسكو دعت مينسك إلى المشاركة في إحدى مراحل المناورات، حيث تتمركز بعض الأسلحة النووية غير الإستراتيجية في بيلاروس، وأكد أن مثل هذه التدريبات منتظمة.
وقد جرى “تدريب أفراد التشكيلات الصاروخية للمنطقة العسكرية الجنوبية على تسلم الذخائر الخاصة بمنظومة الصواريخ العملياتية التكتيكية (إسكندر)، وتجهيز مركبات الإطلاق بها، والتحرك سراً إلى مناطق التمركز المحددة استعداداً لإطلاق الصواريخ.
وإضافة إلى ذلك جرى تدريب القوات الجوية الروسية على تجهيز أسلحة الطيران بوحدات قتالية خاصة، ولا سيما منظومات صواريخ “كينجال”، إضافة إلى طلعات جوية لمناطق الدوريات.
وحول هذه المواضيع أشار رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو إلى أن التدريبات ذات طبيعة عادية، وقال إن موسكو ومينسك “لا تفعلان أي شيء خاص، وهذه التدريبات هي الثالثة من نوعها منذ نشر الأسلحة النووية على أراضي الدولة”.
من جهته تناول وزير دفاع بيلاروس الفريق فيكتور خرينين مشاركة البلاد في التدريبات النووية بالاشتراك مع القوات المسلحة الروسية بقوله إن “الاستعدادات جرت في إطار الخطط الموضوعة، ولم تهدف إلى خلق التوتر في المنطقة”. وأضاف خرينين أن “بيلاروس دولة مسالمة ولا تشكل تهديدات عسكرية ضد دول ثالثة، ولا تسعى إلى المواجهة”.
وذكرت مصادر وزارة الدفاع الروسية أن “القوات الإستراتيجية لروسيا وبيلاروس ركزتا تدريباتها خلال المرحلة الثانية من المناورات المشتركة على قضايا التحضير المشترك للاستخدام القتالي للأسلحة النووية غير الإستراتيجية”، وقالت في بيانها الصادر في هذا الشأن إن “التدريبات تركزت على قضايا استعداد الأفراد ومعدات وحدات الاستخدام القتالي للأسلحة النووية غير الإستراتيجية للبلدين، إلى جانب تدريبات الطيران المشترك بهدف تحسين نظام الدفاع الجوي الإقليمي الموحد”.
وذكر المتحدث باسم قيادة القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي في بيلاروس أن “قوات الـ ’ناتو‘ كانت بالقرب، حيث تابعت طائرة الكشف عن الرادار بعيدة المدى التابعة لمنظمة حلف شمال الأطلسي في السماء فوق بولندا ودول البلطيق عن كثب التدريبات المشتركة للقوات الجوية وقوات الدفاع الجوي في بيلاروس، وفهمنا أنهم يراقبون جميع رحلاتنا ويتتبعون نشاطنا”.