تطبيع سوري – تركي على الطريقة الروسية

تطبيع سوري – تركي على الطريقة الروسية

يحاول الكرملين إعادة إحياء خريطة الطريق التي أطلقها قبل أكثر من عام سعياً إلى إعادة العلاقات المأزومة بين سوريا وتركيا إلى طبيعتها قبل الصراع السوري الداخلي منذ عقد من الزمن، ولعل الدفع نحو هذا الاتجاه أثمر أخيراً باجتماع نوعي في قاعدة عسكرية روسية مطلة على البحر المتوسط، وتشي المعلومات المتواترة عن قرب اتفاق لإعادة وتيرة المفاوضات كسابق عهدها بين البلدين.

وكشفت وسائل إعلام تركية عن استئناف المحادثات في مسار التطبيع بعد تعثره العام الماضي، وعادت روسيا برعاية المفاوضات في “قاعدة حميميم” بريف اللاذقية غرب البلاد، حيث يعد هذا الاجتماع الأمني الأول من نوعه كونه يعقد في سوريا.

ودارت نقاشات حول آخر التطورات في إدلب، شمال غربي سوريا والتي تسيطر على أجزاء واسعة منها فصائل المعارضة المتشددة، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقاً” المدعومة من تركيا.

ردم الفجوة

تحركات روسية توجت بمحادثات بين دمشق وأنقرة بانعقاد لقاء في الـ11 من يونيو (حزيران) الجاري في أعقاب اجتماع الرئيس فلاديمير بوتين مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في العاصمة موسكو.

ويرى الباحث التركي في الشؤون السياسية، فراس رضوان أوغلو في حديثه إلى “اندبندنت عربية” أنه كل فترة تسعى موسكو نحو ترميم العلاقات بين أنقرة ودمشق، ولعل الاجتماع الأخير يشي بخطوة إيجابية لإيجاد ما وصفه بـ”خريطة طريق” وهو الوصف الأقرب إلى الأوضاع الحالية.

وأضاف “ولعل مسألة التطبيع تحتاج إلى وقت طويل وإلى إيجاد ردم للفجوة الحاصلة بين البلدين، وتتطلب وقتاً لوجود خلافات كبيرة تحتاج إلى حلول، إذ ضم الاجتماع مسؤولين أمنيين وعسكريين ورجال استخبارات لرسم خطوط أولية لما يريده كل بلد”.

ويعتقد الباحث التركي أن روسيا تدفع بهذا الاتجاه التفاوضي في ظل وجود لاعب أميركي في المنطقة ومنافس له، بينما أنقرة ليست باللاعب المهم على رغم دعمها أحد أركان المعارضة السورية مع وجود قوة عسكرية على الأرض.

وأضاف “من الطبيعي أن تهتم أنقرة بمجريات المناطق المجاورة لحدودها والواقعة تحت حكم الإدارة الذاتية الكردية وقوات (قسد) ولا سيما الحديث عن انتخابات في مناطقها وربما استقطبت موسكو تركيا من هذه العلاقة”.

ورداً على سؤال حول أبرز المصالح القومية الروسية حيال تدخلها لإذابة القطيعة بين دمشق وأنقرة، تحدث الباحث السياسي التركي عن دور موسكو الحثيث في إبقاء سوريا بلداً موحداً، وهي نقطة مهمة لتحقيق تقدم لرجال بوتين في منطقة شرق المتوسط على حساب دول مثل أميركا وبريطانيا.

شرط الانسحاب

في هذه الأثناء تفيد المعلومات عن لقاء مرتقب في العاصمة العراقية بغداد بعد محادثات طويلة تدخل بها الكرملين في روسيا أعقبتها سلسلة لقاءات لقادة رفيعي المستوى في الجيش والأمن والاستخبارات لكلا البلدين توجت بلقاء دبلوماسي لوزراء الخارجية الروسي والإيراني والسوري والتركي، وامتدت المفاوضات واللقاءات في موسكو خلال ديسمبر (كانون الأول) 2022 إلى الـ10 من مايو (أيار) 2023، وتضمن الحديث عن قضايا استراتيجية منها مكافحة الإرهاب والتنظيمات المقاتلة الانفصالية وغيرها من القضايا.
وظل انسحاب الجيش التركي من الأراضي التي توغل بها شمال سوريا بذريعة إقامة منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً أبرز القضايا الخلافية التي جمدت كل المحادثات التي كانت قاب قوسين أو أدنى لإنهاء القطيعة، ولا سيما قبل الانتخابات الرئاسية التركية، وهذا ما جعل دمشق تتمسك بشرطها بسحب القوات وتسليم أراض احتلتها أنقرة منذ عام 2016 إلى عام 2019 بثلاث عمليات اجتياح “غصن الزيتون ونبع السلام ودرع الفرات” متتالية على مناطق سورية حدودية يتمركز بها غالبية السوريين من المكون الكردي، وسلمتها لفصائل المعارضة السورية المسلحة بإشراف تركي.

في غضون ذلك دخلت بغداد على خط المصالحة بين البلدين، ومن المرجح إقامة اجتماعات غير معلنة بين سوريين وأتراك خلال الفترة المقبلة، ولعل هذا التطور جاء بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بغداد في الـ22 من أبريل (نيسان) الماضي واجتماعه مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في أول زيارة له إلى العراق منذ 13 عاماً.

آنذاك وصفت تلك الزيارة بالناجحة وتمخضت عن اتفاقات ثنائية تتعلق بالطاقة والمياه والأمن، إضافة إلى حلحلة عديد من المسائل الشائكة والمعقدة، والتفاوض في شأن قضية حزب العمال الكردستاني وهو حزب عسكري كردي تصنفه أنقرة ضمن الأحزاب الإرهابية.

ورجح مراقبون روس بقاء السياسة الروسية على نهجها السابق حيال خريطة طريق في الشمال السوري تعمل على “تبريد” المنطقة بخاصة مع بقاء القوات الأميركية التي تعد بالنسبة إلى موسكو أكثر العوامل التي تشجع الحركات الانفصالية، وهو ما يراه الباحث السياسي في شؤون العلاقات الخارجية الروسية أندريه أنتيكوف. وقال في تصريح خاص إن المحاولة الروسية تحتاج إلى جهد نحو تخفيض التداعيات السلبية للوجود الأميركي، مشيراً إلى ضرورة دفع الأكراد إلى الحوار مع السلطات السورية وتسليمها أراض تسيطر عليها.

كان أنتيكوف توقع قبل عام من إطلاق خريطة الطريق الروسية بوجود رؤية ثلاثية مشتركة روسية تركية سورية بخصوص ما يسمى الكيان الفيدرالي مع انسحاب تركي تدريجي من الأراضي السورية التي سيطرت عليها سابقاً.

VJNIKNE6TRPRNPQT3ZCCJGFYVI.jpg
تحاول روسيا توجيه ضربات متتالية للوجود الأميركي في سوريا (رويترز)

وحيال تطورات المشهد التفاوضي وعودة ترتيب أوراق محادثات التطبيع لم تغمض أنقرة عيونها عن صعود مستمر للقوات الكردية المقاتلة، وسط اتهامات لها بدور انفصالي يشكل تهديداً لتركيا، ولهذا دفعت عقب الاجتماع التفاوضي إلى إنشاء خط دفاعي جديد على معظم الخطوط الأمامية. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان في الـ14 من يونيو الجاري عن حفر خنادق في 20 بلدة وقرية، ورفعت القوات السدود والسواتر خوفاً من مواجهة أي تصعيد عسكري.

وتتجه الأنظار إلى لقاء مقبل في العاصمة بغداد بحسب معلومات إعلامية بعد قبول كلا الطرفين الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وتكثيف الاتصالات بينهما، لكن الأمر ليس بهذه السهولة بخاصة مع تطورات وتصعيد عسكري في البادية لتنظيم “داعش” الإرهابي وبالتوازي مع انشغال القوات الأميركية وترقبها لحرب على الجبهة السورية من جهة الجولان، وإمكانية تحرك الميليشيات الموالية لإيران وتنفيذها هجمات على قواعدها في الشرق السوري، لذا يمكن أن تكون الفرصة مواتية لإعادة ترتيب العلاقة التركية السورية على الطريقة الروسية.