أظهرت المناظرة التلفزيونية التي جرت فجر اليوم الجمعة (بتوقيت الشرق الأوسط) بين مرشحي انتخابات الرئاسة الأميركية، الرئيس الحالي جو بايدن ومنافسه الرئيس السابق دونالد ترمب، أن السباق نحو البيت الأبيض انتهى قبل أن يجري الاقتراع المقرر في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
فبغض النظر عن محتوى المناظرة السطحي بين المرشحين، تفوق ترمب بالمناظرة بدرجة عالية، ليس لأنه أفضل من بايدن، ولكن لأن بايدن كان أسوأ منه، أي إنه ينطبق عليه المثل الشعبي: “قال ياطيبك يا فلان، قال من ردى ربعي”، أي إن ترمب بدا أفضل من بايدن لأن بايدن ظهر بشكل سيئ جداً.
لم يكن في ما قاله ترمب جديد، لكنه قاله بوضوح مكرر وبكذب صراح، وفحواه كالتالي مترجماً بتصرف:
“أنا أفضل من بايدن. أنا أفضل رئيس. أنا تركت الاقتصاد الأميركي في أحسن أحواله. أنا أعدت الاحترام لأميركا ولمكانتها بالعالم. أنا تركت عالم سلام، ولم أخض حرباً كغيري من الرؤساء. أنا حاربت الجريمة والهجرة الفوضوية للمجرمين والمختلين والإرهابيين ومنعتهم من دخول بلادنا. بايدن أسوأ رئيس مر بتاريخ الولايات المتحدة الأميركية، بايدن مع حرية الإجهاض حتى لو وصل الحمل إلى شهره التاسع. بايدن فتح باب الهجرة على مصراعيه لأكثر من 18 مليوناً من الإرهابيين والمجرمين. بايدن دمر الاقتصاد الأميركي. بايدن هرب من أفغانستان بطريقة مهينة لجيش بلادنا. بايدن ورطنا في أوكرانيا من دون أفق لحل الحرب هناك. لو كنت رئيساً لما هاجمت ’حماس‘ إسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. لو كنت رئيساً لما تجرأ بوتين على غزو أوكرانيا. لو انتخبت رئيساً لأنهيت الحرب في أوكرانيا حتى قبل أن أؤدي القسم الدستوري في يناير (كانون الثاني) المقبل. بايدن لم يستطع أن يهزمني في صناديق الاقتراع، فلجأ لملاحقتي بتلفيق الجرائم ضدي. لو أجريت انتخابات حرة ونزيهة فسأقبل بنتيجتها حتى لو لم تأت لصالحي”.
أما بايدن، الذي ارتاح أسبوعاً في منتجع كامب ديفيد من أجل التحضير للمناظرة، وكان يفترض أن يأتي لها متوقد الذهن ومتدفقاً في مداخلاته، فبدا هرماً فاقداً للتركيز، يتمتم بصوت غير مسموع، وبعبارات غير مفهومة، وغابت عن مداخلاته الأرقام التي كان يفترض أن تكون نقطة في صالحه ضد خصمه الذي لا يقول أرقاماً بل إنشاء مبالغاً فيه، وأحياناً اختلاقاً لأشياء ومنجزات لا وجود لها.
بايدن بدا ضعيفاً وفقد التركيز صامتاً لبضع ثوان دفعت خصمه للنظر إليه بازدراء لإثبات تفوقه الذهني عليه، بل إن خصمه قال بعد إحدى مداخلات بايدن بأنه لا يفهم ما قاله، في إشارة واضحة لعدم فصاحة وانعدام وضوح مخارج الألفاظ لدى بايدن. والحق – وكأستاذ للغة الإنجليزية – لم أفهم بعضاً مما كان يقوله بايدن أثناء المناظرة، لعدم وضوح النطق وتلعثم مخارج الألفاظ وتداخل الأصوات مع بعضها.
بسؤالهما عن قدرتهما البدنية والذهنية لقيادة الولايات المتحدة الأميركية كونهما جاوزا الـ80 من العمر، تبجح دونالد ترمب بلياقته البدنية وبلعبه الغولف باستمرار وفوزه ببطولتين محليتين، كما تباهى بنجاحه الباهر باختبار الإدراك الذهني الذي أخذه مرتين وأثار استغراب فاحصيه من مدى توقد ذهنه وقدراته الإدراكية، وتحدى بايدن أن يأخذ الاختبار أو أن يلاعبه الغولف، طبعاً لا أحد يمكنه إثبات تجاوز ترمب للاختبارات الذهنية الإدراكية وقد تكون تأليفاً من جعبته.
أما بايدن فقال إنه مستعد أن يلعب الغولف شرط أن يكون ترمب (صبي شنطة مضاربه لضرب الكرة)! مذكراً بأنه كان ثاني أصغر عضو بالكونغرس حين انتخب للمرة الأولى عام 1973، وهي مسألة لا علاقة لها بقدرته الذهنية والبدنية اليوم.
الشاهد أن المناظرة خلت من العمق البرامجي للمرشحين لأهم منصب رئاسي بالعالم لأقوى جيش بالعالم ولقائدة العالم الغربي والاقتصاد الحر بالعالم، وكان جل المناظرة يعكس البغض السياسي والشخصي بين المرشحين، فكانت مناظرة بين شخصين أكثر من كونها مناظرة بين مرشحين مختلفين أيديولوجياً وبرامجياً، وهو ما توقعته بمقالة سابقة نشرت قبل أسبوعين عنونتها أن خيارات الناخب الأميركي هي بين “مرشيحن أحلاهما مر”.
أظهرت المناظرة بما لا يدع مجالاً للشك أن الرئيس الحالي جو بايدن لا يمكنه قيادة الولايات المتحدة الأميركية للسنوات الأربع المقبلة، ولو قدر له أن يخوض المناظرة الثانية ضد ترمب المقررة بالعاشر من سبتمبر (أيلول) المقبل، فإنه حتماً “راح يجيب العيد”.
التحليلات والتسريبات من معسكر قادة الحزب الديمقراطي تقول إن ثمة تفكير جدي بإعفاء الحزب له من الترشح للانتخابات، لكن المعضلة بأنهم في سباق مع الزمن، والمرشح البديل لن يسعفه الوقت للحاق بترمب الذي بقيت قاعدته الانتخابية ثابتة لا تتزحزح إن لم تكن اتسعت بعد هذه المناظرة بل وحتى بعد إدانته بـ34 جناية.
ماذا لو منع ترمب من الترشح؟ ماذا لو قضت محاكم أخرى بسجنه في قضايا جنائية أخرى منظورة أمام المحاكم الأميركية؟ هل يستطيع الفريق القانوني من محامي ترمب تسويف القضايا المنظورة وتأجيلها حتى إجراء الانتخابات وفوزه المحتمل الذي سيعطيه الحق الدستوري كرئيس بإلغاء القضايا المرفوعة ضده كافة، التي يقول إن خصومه بقيادة جو بايدن لفقوها جميعاً كي يمنعوه من الترشح للرئاسة وهزيمتهم؟
كل الاحتمالات بعد مناظرة صباح اليوم (بتوقيتنا) واردة، لكن الأكيد أن المناظرة بحد ذاتها رسمت صورة سلبية لديمقراطية الغرب الليبرالي أمام العالم، ليس من حيث مضمونها السطحي وحسب، ولكن من حيث نوعية مرشحيها للرئاسة الأميركية: هرم خرف، ومجرم مدان.